لا ريب أن توطين وتطوير الصناعات العسكرية إحدى الوسائل الحيوية لتحقيق الأمن الاستراتيجي لأغلب دول العالم، إن لم يكن أحد المكونات الأهم لبنيتها التحتية العسكرية ويتناسب ذلك مع طبيعة التهديدات التي تواجه الدولة من ناحية، وإمكاناتها المالية من ناحية ثانية، والدور الذي رسمته لنفسها من ناحية ثالثة، فضلا عن قدراتها الصناعية والتقنية من ناحية رابعة، ومستوى توافر الموارد البشرية المؤهلة لهذا النمط من التصنيع من الناحية الخامسة، لذا فقد شددت رؤية المملكة 2030 على الالتزام بتوطين الصناعات العسكرية في البلاد، وخاصة أن المملكة العربية السعودية الدولة الكبرى في إقليم شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، وإن هذا الموقع الاستراتيجي بقدر ما يمثل ميزة نسبية كبيرة الأهمية تتيح لها الانفتاح على العالم، وتيسر لها التبادل التجاري والنقل عبر البحار، وتوفر لها موارد غاية في الأهمية مصدرها البحار أو نتيجة إطلالتها عليها، فإنه يمثل لها أيضا مسؤولية إضافية وتحديا كبيرا ولا سيما في ظل تصاعد التهديدات المتنوعة المصادر والانماط كالقرصنة والتسلل والتهريب وتلويث مياه البحر وخطف السفن، والاعتداء على الموانئ وغيرها، في ظل عالم يموج بعدم الاستقرار والاضطراب الأمني والسياسي الذي يعرقل حركة الملاحة العالمية، ويهدد المصالح الاقتصادية للشعوب، فضلا عن تطور الترسانات العسكرية للدول المهددة للأمن الاستراتيجي للمملكة خصوصا ودول مجلس التعاون الخليجي عموما، علاوة على أن من موجبات اهتمام المملكة بالتصنيع العسكري ليس أبعاده الأمنية الاستراتيجية فحسب، بل أبعاده الاقتصادية والمالية أيضا، لذا أكدت رؤية المملكة أن الأثر الإيجابي لتوطين الصناعات العسكرية لا يقتصر على توفير جزء من الإنفاق العسكري، إنما يتعداه إلى إيجاد أنشطة صناعية وخدمات مساندة كالمعدات الصناعية والاتصالات وتقنية المعلومات، مما يسهم في خلق فرص عمل نوعية في الاقتصاد الوطني، وهذا ما تم تناوله بالتفصيل في الفصل الرابع الموسوم «موقع الصناعات العسكرية في الأمن الاستراتيـجي للمـمـلكة العربية السعودية»، من الكتاب الموسوم «لا شيء مستحيل.. ملامح من منجزات الاصلاح والتنمية المستدامة في المرحلة الاولى لرؤية المملكة العربية السعودية2030». أما الفصل الخامس الموسوم بـ«تجربة المملكة العربية السعودية في النهوض بالقطاع الخاص الوطني»، والسادس الموسوم بـ«التخصيص بالمملكة العربية السعودية.. إنجازات وتطلعات» والسابع الموسوم بـ«برنامج (شريك) ومسيرة النهضة والتنمية بالمملكة»، فقد تناولت بالتحليل الدعم والتحفيز المتواصل والمتعدد الأوجه الذي قدمته رؤية المملكة 2030 للنهوض بالاقتصاد الوطني عبر اتاحة المزيد من الفرص للقطاع الخاص الوطني ليكون رياديا وفاعلا من موقع المسؤولية في هذه النهضة المتنامية التي لا تقف عند حد معين.
فيما سلط الفصل الثامن المعنون «الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في المملكة العربية السعودية» الضوء على سعي المملكة العربية السعودية لتطوير الفرص الاستثمارية وتحفيز المستثمرين من خلال تقديم التسهيلات والخدمات التي تيسر لهم انفاذ استثماراتهم المختلفة، وتلعب وزارة الاستثمار دورا مهما في تطوير بيئة الاستثمار عبر قنوات وانشطة عديدة. كما أنشأت المملكة العربية السعودية المركز السعودي للأعمال الاقتصادية بهدف تسهيل إجراءات ممارسة الأعمال التجارية في جميع مراحلها واعتماد المنصات الالكترونية لجميع الخدمات الاستثمارية. كما وفرت الحكومة للمستثمرين الدعم المالي ودعم التوظيف والدعم الضريبي، والعديد من الخدمات الأخرى من خلال بوابة خدمات للمستثمرين. وفي الحادي عشر من شهر اكتوبر 2021 أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس الوزراء في المملكة العربية السعودية، الاستراتيجية الوطنية للاستثمار لنقل المملكة الى مستويات جديدة متقدمة في التنمية والبناء والنهوض بما يؤمن مستقبلها الواعد ويحقق أهدافها في تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات وتوظيف مزاياها النسبية والتنافسية، ولما يخدم المواطن ويرفع من مستواه المعيشي ويعظم من رفاهيته وبما ينعكس إيجابا على إنتاجيته وعطائه لوطنه ومجتمعه.
وقد هدفت الاستراتيجية إلى رفع معدل نمو الاقتصاد الوطني السعودي وتنويع مصادره، ورفع إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة الصادرات غير النفطية، والتوسع في سعودة الوظائف بالمملكة، وتقليص نسبة البطالة، وتحسين موقع المملكة في مؤشر التنافسية العالمي. وختم هذا الفصل بالإشارة إلى سعي المملكة إلى تمكين وتنمية القطاع الخاص ودعمه بمختلف الوسائل وصولا إلى إحداث بيئة أعمال متطورة ومستقرة ومحفزة على تأسيس وأداء الأعمال النوعية وبما يواكب ما يشهده العالم من تطور سريع وثورة في عالم المال والأعمال
{أكاديمي وخبير اقتصادي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك