العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

رسالة مهنة التعليم وأخلاقياتها

بقلم: ثروت زيد الكيلاني {

الثلاثاء ٢٢ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

تسعى‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬جاهدة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الغايات‭ ‬التي‭ ‬وُجِدَت‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬طلبة‭ ‬يمتلكون‭ ‬الكفايات‭ ‬اللازمة‭ ‬التي‭ ‬تمكّنهم‭ ‬من‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كمواطنين‭ ‬لديهم‭ ‬قدرات‭ ‬إبداعية‭ ‬خلّاقة،‭ ‬ومتفاعلين‭ ‬تفاعلا‭ ‬نشطا‭ ‬وبإيجابية‭ ‬ومسؤولية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬والإقليمي‭ ‬والدولي؛‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬والشجاعة‭ ‬والتفكير‭ ‬الأخلاقي‭ ‬بفاعلية،‭ ‬وإيجاد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬نظام‭ ‬الثقافة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والقيم‭ ‬التنظيمية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والبيئة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الملتزمة‭ ‬بأفضل‭ ‬الممارسات‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

تتطلّب‭ ‬مساهمة‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الإنتاج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تحديد‭ ‬مرتكزات‭ ‬للتحوّل‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬ابتكار‭ ‬صيغ‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تحفيز‭ ‬قوى‭ ‬التوليد‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬الكينونة‭ ‬البشرية‭ ‬للمجتمع‭ ‬برمته،‭ ‬وحشد‭ ‬الطاقات،‭ ‬وتوحيدها‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬نفسه‭ ‬لتمتدّ‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال،‭ ‬ولتزيل‭ ‬الأوهام‭ ‬التي‭ ‬كبّلتها‭ ‬إسقاطات‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬المهيمنة،‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬تبيّن‭ ‬ما‭ ‬تمثّله‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬والتربوية‭ ‬والقيم‭ ‬المتوقع‭ ‬ترسيخها،‭ ‬وما‭ ‬تقدّمه‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬كافّة‭ ‬يُعَدّ‭ ‬بمثابة‭ ‬إرشادات‭ ‬للأسرة‭ ‬التربوية‭ ‬جميعها‭.‬

لعلّ‭ ‬توفير‭ ‬قواعد‭ ‬للسلوك،‭ ‬ومبادئ‭ ‬تُعَدّ‭ ‬وثيقة‭ ‬شرف‭ ‬لأخلاقيات‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم،‭ ‬يُلزم‭ ‬الكادر‭ ‬التربوي‭ ‬والعاملين‭ ‬جميعهم‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬حماية‭ ‬استقرار‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي؛‭ ‬لضمان‭ ‬تعلّم‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تعلّمية‭ ‬جاذبة‭ ‬غير‭ ‬طاردة‭ ‬لهم،‭ ‬وربّما‭ ‬يكون‭ ‬الامتثال‭ ‬الأخلاقي‭ ‬لذلك‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬إعمال‭ ‬موادّ‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬دون‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬سيادة‭ ‬القانون،‭ ‬علما‭ ‬أنّ‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬الأخلاق‭ ‬والقانون‭ ‬تتقلّص‭ ‬مع‭ ‬تطوّر‭ ‬المجتمع‭ ‬لتتحوّل‭ ‬القواعد‭ ‬الأخلاقية‭ ‬إلى‭ ‬قوانين‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭.‬

ونظرا‭ ‬إلى‭ ‬ثراء‭ ‬المستحدثات‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬وسرعة‭ ‬تطورها،‭ ‬وانعكاس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم،‭ ‬فإنّ‭ ‬الكادر‭ ‬التعليمي‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬الكفايات‭ ‬المهنية‭ ‬ليواكب‭ ‬المستجدات‭ ‬التربوية؛‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬مراجعة‭ ‬شاملة‭ ‬ودورية‭ ‬لمعايير‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬الخاصة‭ ‬بعملية‭ ‬التعلّم‭ ‬والتعليم،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬مواءمة‭ ‬التشريعات‭ ‬والنظم‭ ‬المعمول‭ ‬بها،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬التنمية‭ ‬المهنية‭ ‬للكادر‭ ‬التربوي‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬أخلاقية‭ ‬وقيمية‭ ‬وفق‭ ‬المستوى‭ ‬الوظيفي،‭ ‬ودمج‭ ‬مجال‭ ‬تطبيق‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬والقيم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تقييم‭ ‬أداء‭ ‬العاملين‭.‬

إنّ‭ ‬متابعة‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬لإنفاذ‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬تتطلّب‭ ‬الاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬والشفّافة‭ ‬في‭ ‬التقارير‭ ‬الواردة‭ ‬جميعها‭ ‬وفق‭ (‬الخطّ‭ ‬السريع‭) ‬لجهة‭ ‬الاختصاص؛‭ ‬لمعالجة‭ ‬أيّ‭ ‬مشكلة‭ ‬بطريقة‭ ‬منصفة،‭ ‬واتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬التأديبية‭ ‬العادلة‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬أو‭ ‬استثناءات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬المبلِّغين‭ ‬عن‭ ‬انتهاك‭ ‬الأخلاق‭ ‬التطبيقية‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬التعليمية‭ ‬والتربوية‭.‬

تشكّل‭ ‬حاجةُ‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭ ‬إلى‭ ‬نسق‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬والآداب‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمهنة‭ ‬حجرَ‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬وتوجيه‭ ‬سلوك‭ ‬الكادر‭ ‬التربوي‭ ‬والعاملين‭ ‬إلى‭ ‬تحمّل‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬المهنية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أخلاقي،‭ ‬ويُعَدّ‭ ‬الواجب‭ ‬جوهر‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أخلاقيات‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم؛‭ ‬فهو‭ ‬نداء‭ ‬الضمير،‭ ‬وصوت‭ ‬الروح‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬وظيفة‭ ‬الإلزام‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬ضمان‭ ‬التعليم‭ ‬الجيد‭ ‬المنصف‭ ‬والشامل‭ ‬للطلبة‭ ‬جميعهم،‭ ‬وتعزيز‭ ‬فرص‭ ‬التعلّم‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬وتتجلّى‭ ‬عظمة‭ ‬هذا‭ ‬الإلزام‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬نابعا‭ ‬من‭ ‬الذات،‭ ‬وليس‭ ‬مجرّد‭ ‬استجابة‭ ‬لما‭ ‬تفرضه‭ ‬البيئة‭ ‬الخارجية‭ ‬المحيطة‭ ‬بما‭ ‬تنضوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬معايير‭ ‬أخلاقية،‭ ‬فالواجب‭ ‬المهني‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬الحياة‭ ‬الوجدانية‭ ‬تجاه‭ ‬الطلبة،‭ ‬بما‭ ‬يمثّله‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬أخلاقي‭ ‬بدافع‭ ‬الواجب،‭ ‬وليس‭ ‬الحقّ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحقّ،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬تعارض‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الشخصية،‭ ‬ومقتضيات‭ ‬رغبات‭ ‬الذات‭ ‬وميولها‭.‬

إنَّ‭ ‬حتمية‭ ‬إقرار‭ ‬أخلاقيات‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم‭ ‬أضحت‭ ‬ضرورة‭ ‬أوجبتها‭ ‬قيمة‭ ‬المهنة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬والذاتية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إعمال‭ ‬نظام‭ ‬مزاولة‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم؛‭ ‬لضمان‭ ‬تطبيق‭ ‬معايير‭ ‬الجودة‭ ‬فيه،‭ ‬والمساءلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحاسبة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية،‭ ‬والارتقاء‭ ‬بجودة‭ ‬الأداء‭ ‬فيها‭.‬

التربية‭ ‬هي‭ ‬عصب‭ ‬الأمّة‭ ‬الرئيس،‭ ‬وصِمام‭ ‬أمنها‭ ‬القومي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬بمقدّرات‭ ‬المجتمع،‭ ‬والحكمة‭ ‬منطوق‭ ‬الكادر‭ ‬التربوي‭ ‬صاحب‭ ‬الفكر‭ ‬الثاقب،‭ ‬والرأي‭ ‬السديد،‭ ‬وتطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬والتعليمية‭ ‬كفعل‭ ‬اجتماعي‭ ‬يرتبط‭ ‬بعلاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬لازمة‭ ‬بقيمة‭ ‬أخلاقية،‭ ‬ورسالة‭ ‬تربوية‭ ‬سامية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬شراكة‭ ‬فاعلة‭ ‬ومسؤولة،‭ ‬وحوار‭ ‬هادف‭ ‬يمثّل‭ ‬محطة‭ ‬فارقة‭ ‬يعمّق‭ ‬الوعي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬تمثيلا‭ ‬شاملا،‭ ‬وإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬لعديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬وطنية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬قيم‭ ‬التعليم‭ ‬ومبادئه،‭ ‬ويؤسّس‭ ‬لمستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬لمجتمع‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬أمامه‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬التطور‭ ‬والنهضة‭.‬

 

{خبير‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا