العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دور العرب في مرحلة إعادة تشكيل النظام الدولي

بقلم: باسم برهوم {

الأربعاء ٢٣ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

الصراع‭ ‬على‭ ‬أشده‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬فنحن‭ ‬نعيش‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬صعبة‭ ‬ستتقرر‭ ‬خلالها‭ ‬موازين‭ ‬قوى‭ ‬تنتج‭ ‬نظاما‭ ‬دوليا‭ ‬جديدا‭ ‬قد‭ ‬يسود‭ ‬عقودا‭ ‬قادمة،‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬حساسة‭ ‬كهذه‭ ‬الجميع‭ ‬يعمل‭ ‬بجد‭ ‬واجتهاد‭ ‬وبذكاء،‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تجميع‭ ‬اوراق‭ ‬قوته‭ ‬ويحسب‭ ‬خطواته‭ ‬بدقة،‭ ‬فأي‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬الحسابات‭ ‬قد‭ ‬يأخذ‭ ‬صاحبه‭ ‬الى‭ ‬موقع‭ ‬المهزومين‭ ‬والخاسرين‭. ‬وخلال‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬الدول‭ ‬منفردة‭ ‬ذات‭ ‬قيمة،‭ ‬فالدول‭ ‬الكبرى‭ ‬ذاتها‭ ‬تتكتل‭ ‬وتتموضع‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المصالح‭ ‬واحتمالات‭ ‬المستقبل‭.‬

اقليميا،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬انشط‭ ‬المتحركين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬اردوغان،‭ ‬الذي‭ ‬قلب‭ ‬توجهاته‭ ‬في‭ ‬الاسابيع‭ ‬الاخيرة‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬ويحاول‭ ‬التموضع‭ ‬تجاه‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مستخدما‭ ‬كل‭ ‬اوراق‭ ‬قوته،‭ ‬وخاصة‭ ‬الموقع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المهم‭ ‬لبلاده‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة،‭ ‬ويحاول‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬ويقوم‭ ‬بإبرام‭ ‬اتفاقيات‭ ‬امنية‭ ‬واقتصادية‭ ‬تقوي‭ ‬موقع‭ ‬تركيا‭.‬

تحركات‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬القارة‭ ‬ووسطها،‭ ‬الدول‭ ‬تتحرك‭ ‬وتتموضع‭ ‬ضمن‭ ‬تحالفات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬لتضمن‭ ‬لها‭ ‬تذكرة‭ ‬دخول‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭ ‬القادم‭. ‬والامر‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية؛‭ ‬فالجميع‭ ‬يراقب‭ ‬ويتحرك،‭ ‬يتقارب‭ ‬نحو‭ ‬حلفاء‭ ‬تقليديين‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬جدد،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬للجميع‭ ‬الهدف‭ ‬ذاته‭ ‬ان‭ ‬يبقوا‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬وأن‭ ‬يمتلكوا‭ ‬تأثيرا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الامم‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬افريقيا‭ ‬فالصراع‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬ويدور‭ ‬على‭ ‬أشده‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والغرب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬فهذه‭ ‬القارة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمثل‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف‭ ‬مناجم‭ ‬الذهب‭ ‬واليورانيوم‭ ‬وكل‭ ‬انواع‭ ‬المعادن‭ ‬والثروات،‭ ‬ودول‭ ‬القارة‭ ‬بالمقابل‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬قطار‭ ‬التغيير‭. ‬بعضها‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬والبعض‭ ‬الاخر‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬وقسم‭ ‬اقل‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬مستقل‭ ‬يضع‭ ‬القارة‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬منافس‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬وتقود‭ ‬جنوب‭ ‬افريقيا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحركات،‭ ‬وخصوصا‭ ‬انها‭ ‬تستضيف‭ ‬قمة‭ ‬بريكس‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬جنوب‭ ‬افريقيا‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬والبرازيل‭ ‬والهند‭.‬

‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تقوم‭ ‬بالشيء‭ ‬ذاته،‭ ‬وخاصة‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج،‭ ‬فهي‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬القوة‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬جهة‭ ‬مطلب‭ ‬ودها‭ ‬والتقرب‭ ‬لها؛‭ ‬فبالإضافة‭ ‬الى‭ ‬الموقع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المهم،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تمتلك‭ ‬الثروات‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬ورقة‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الدائرة‭.‬

في‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا‭ ‬تقوم‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب‭ ‬كل‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬بالتحرك‭ ‬والتموضع‭ ‬مع‭ ‬حلفاء‭ ‬إقليميين‭ ‬ودوليين‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬موقع‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬العالم‭ ‬الآخذة‭ ‬في‭ ‬التبلور‭. ‬تبقى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬كليا‭ ‬او‭ ‬جزئيا‭ ‬سوريا،‭ ‬ليبيا،‭ ‬اليمن‭. ‬وحتى‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬والعراق،‭ ‬فهذه‭ ‬الدول‭ ‬اما‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬التفكك‭ ‬والانقسام‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬ازمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬تضعف‭ ‬من‭ ‬محاولاتها‭ ‬والقيام‭ ‬بتحركات‭ ‬فعالة‭. ‬ربما‭ ‬مصر‭ ‬تمتلك‭ ‬قدرة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬غيرها،‭ ‬بسبب‭ ‬اهميتها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الحاسمة‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬اوراق‭ ‬القوة‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬بصورة‭ ‬فاعلة‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين،‭ ‬هناك‭ ‬مخاوف‭ ‬حقيقية‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬يكرر‭ ‬التاريخ‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لتدفع‭ ‬ثمن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬متغيرات‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬بعد‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الاولى‭ ‬والثانية‭.‬

ما‭ ‬تفتقر‭ ‬إليه‭ ‬الامة‭ ‬العربية،‭ ‬لتكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الدقيقة،‭ ‬وأن‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬مقبول‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد،‭ ‬هو‭ ‬عجزها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬قدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬التضامن‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬فالاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬الخلاص‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تحققه‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬هو‭ ‬اقرب‭ ‬الى‭ ‬الوهم،‭ ‬وقد‭ ‬تستغل‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية‭ ‬الثلاث‭: ‬إسرائيل‭ ‬وتركيا‭ ‬وإيران‭ ‬أوضاع‭ ‬العرب‭ ‬وتحقق‭ ‬المكاسب‭ ‬على‭ ‬حسابنا‭. ‬

ولمعرفة‭ ‬اوراق‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬العرب،‭ ‬فمساحة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬تبلغ‭ ‬14‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬اي‭ ‬أكثر‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬مساحة‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬يبلغ‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬مجتمعة‭ ‬3‭ ‬تريليونات‭ ‬ونصف‭ ‬التريليون،‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬اقتصاد‭ ‬المانيا‭ ‬رابع‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بالإضافة‭ -‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭-‬إلى‭ ‬الموقع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يضاهيه‭ ‬موقع‭ ‬اخر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬موقعه‭ ‬المتوسط‭ ‬بين‭ ‬اربع‭ ‬قارات،‭ ‬وسيطرته‭ ‬على‭ ‬اهم‭ ‬ممرات‭ ‬بحرية‭ ‬وبرية‭ ‬وجوية‭. ‬كما‭ ‬تكمن‭ ‬اهمية‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬بثرواته‭ ‬وما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬احتياطيات‭ ‬نفط‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬57%‭ ‬من‭ ‬الاحتياط‭ ‬العالمي،‭ ‬ولديه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬27%‭ ‬من‭ ‬احتياط‭ ‬الغاز‭.‬

من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬هي‭ ‬الاكثر‭ ‬أهلية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬وفي‭ ‬المستقبل،‭ ‬وهي‭ ‬تحاول‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬ستكون‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬ان‭ ‬هي‭ ‬اقتنعت‭ ‬بأنها‭ ‬ستكون‭ ‬اقوى‭ ‬بعد‭ ‬فرض‭ ‬تسوية‭ ‬عادلة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتكون‭ ‬مصر‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬الى‭ ‬جانبها‭. ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬تحققت‭ ‬هذه‭ ‬التسوية‭ ‬ستكون‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬وكل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬قدمها‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القادم‭ ‬بقوة‭ ‬ومعها‭ ‬فلسطين،‭ ‬بل‭ ‬يكون‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬اللاعبين‭ ‬المهمين‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الموعود‭.‬

لقد‭ ‬حاول‭ ‬العرب‭ ‬الاقلاع‭ ‬مرارا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولكن‭ ‬بقوا‭ ‬يراوحون‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬ذاته،‭ ‬فغياب‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلام‭ ‬قد‭ ‬يهدد‭ ‬كل‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬اي‭ ‬لحظة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬هو‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬لتحقيق‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬رسم‭ ‬اي‭ ‬خارطة‭ ‬للمنطقة‭ ‬تضمن‭ ‬الامن‭ ‬والاستقرار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إيجاد‭ ‬تسوية‭ ‬أكثر‭ ‬عدلا‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يتضمن‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا