العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

القضية الفلسطينية والنفاق الدبلوماسي الدولي

بقلم: د. مصطفى البرغوثي {

الخميس ٢٤ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬الفاشية‭ ‬الصهيونية‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬التطرّف‭ ‬العنصري،‭ ‬وأعلنت‭ ‬نواياها‭ ‬الصريحة‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وتهويدها،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬واضحاً‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأحزاب‭ ‬الصهيونية‭ ‬تتفق‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،‭ ‬وتتراوح‭ ‬سياساتها‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬تبنّته‭ ‬حكومة‭ ‬لبيدجانتس‭ ‬من‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬الصراع‮»‬‭ ‬مع‭ ‬السماح‭ ‬باستمرار‭ ‬عملية‭ ‬التهويد‭ ‬والضم‭ ‬عبر‭ ‬الاستيطان‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬تتبنّاه‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬الفاشية‭ ‬بما‭ ‬تسميه‭ ‬‮«‬حسم‭ ‬الصراع‮»‬‭ ‬والضم‭ ‬الكامل،‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬دوائر‭ ‬دبلوماسية‭ ‬عديدة‭ ‬أدنى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الشجاعة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬لفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬احتلت‭ ‬مكانة‭ ‬‮«‬البلطجي‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‮»‬‭.‬

وإذ‭ ‬تتواصل‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬الكيل‭ ‬بمكيالين‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الدوليين‭ ‬ومدّعي‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬معسكر‭ ‬السلام‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬مثل‭ ‬يوسي‭ ‬بيلين،‭ ‬يواصلون‭ ‬التفنّن‭ ‬في‭ ‬ابتكار‭ ‬مخارج‭ ‬لحكام‭ ‬إسرائيل،‭ ‬تتأقلم‭ ‬مع‭ ‬وقائع‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬بحجّة‭ ‬الواقعية،‭ ‬وتساعدهم‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬الوقت‭ ‬لاستكمال‭ ‬الضم‭ ‬والتهويد،‭ ‬والتغطية‭ ‬على‭ ‬النفاق‭ ‬المرتبط‭ ‬بمواصلة‭ ‬الادّعاء‭ ‬بدعم‭ ‬‮«‬حلّ‭ ‬الدولتين‮»‬،‭ ‬دون‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬ضد‭ ‬الاستيطان‭ ‬الذي‭ ‬يعترفون‭ ‬بأنه‭ ‬يُدمّر‭ ‬حلّ‭ ‬الدولتين‭.‬

من‭ ‬جديد‭ ‬البدع‭ ‬التي‭ ‬تمخض‭ ‬عنها‭ ‬النفاق‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬أخيراً،‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لإنشاء‭ ‬كيان‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬‮«‬أ‮»‬‭ ‬و«ب‮»‬‭ ‬فقط،‭ ‬أي‭ ‬حوالي‭ ‬35% من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬بقع‭ ‬مقطّعة‭ ‬الأوصال،‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬تحت‭ ‬الهيمنة‭ ‬والسيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المطلقة‭. ‬أما‭ ‬بدعة‭ ‬يوسي‭ ‬بيلين‭ ‬فهي‭ ‬إنشاء‭ ‬كونفدرالية‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الهزيل‭ ‬وإسرائيل‭. ‬وما‭ ‬يميّز‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬المقترحات‭ ‬المنافقة‭: ‬أولاً،‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬توسيع‭ ‬المستعمرات‭ ‬الاستيطانية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬وثانياً،‭ ‬منح‭ ‬إسرائيل‭ ‬السيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬المطلقة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬والمصادر‭ ‬الطبيعية‭. ‬وثالثاً،‭ ‬إبقاء‭ ‬نظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬العنصري،‭ ‬وإجبار‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬الخضوع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬جيتوستانات‮»‬‭.‬

وتنسف‭ ‬هذه‭ ‬البدع‭ ‬فكرة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة،‭ ‬وتحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬بانتوستانات،‭ ‬بحجّة‭ ‬الواقعية‭ ‬السياسية،‭ ‬وذلك‭ ‬كله‭ ‬يمثل‭ ‬خطوة‭ ‬انتقالية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عملية‭ ‬تصفية‭ ‬الحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬لإجبار‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬حقوقهم‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬22% ‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬أو‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬ما‭ ‬أقرّته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬عام‭ ‬1947،‭ ‬مع‭ ‬تصفية‭ ‬حق‭ ‬العودة‭.‬

‭ ‬والهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬البدع‭ ‬منح‭ ‬غطاءٍ‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقوق‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والتهرّب‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬عن‭ ‬وعد‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬لهم‭ ‬إن‭ ‬قَبلوا‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬شعارهم‭ ‬التاريخي‭ ‬بإنشاء‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬ديمقراطية‮»‬‭ ‬على‭ ‬التراب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كاملاً،‭ ‬وإنْ‭ ‬وافقوا‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الأولى،‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬يصطدم‭ ‬هذا‭ ‬النفاق‭ ‬بحائط‭ ‬التطرّف‭ ‬العنصري‭ ‬المجنون‭ ‬للحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬التي‭ ‬صرّح‭ ‬ممثلوها‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬ما‭ ‬يقدمونه‭ ‬للفلسطينيين‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تمتلئ‭ ‬الصحف‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بمقالات‭ ‬كتّاب‭ ‬يعترفون‭ ‬جهاراً‭ ‬بأنهم‭ ‬حاربوا‭ ‬سنوات‭ ‬وصف‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالأبارتهايد‭ ‬ليعترفوا‭ ‬اليوم،‭ ‬منهم‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬عايش‭ ‬نظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬مثل‭ ‬بنجامين‭ ‬بوجرند،‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬منظومة‭ ‬أبارتهايد‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭. ‬أما‭ ‬المفكر‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬زيف‭ ‬سترنهال،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الناجين‭ ‬من‭ ‬المحرقة‭ ‬النازية،‭ ‬فكتب‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬لوموند‭ ‬الفرنسية‭ ‬مقالاً‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬تظهر‭ ‬عنصرية‭ ‬شبيهة‭ ‬بالنازية‭ ‬في‭ ‬بداياتها‮»‬‭.‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬أمام‭ ‬مدعي‭ ‬التمسّك‭ ‬‮«‬بحلّ‭ ‬الدولتين‮»‬‭ ‬أخلاقياً‭ ‬سوى‭ ‬واحدٍ‭ ‬من‭ ‬حلين،‭ ‬إما‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬فوراً‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تواصل‭ ‬الاستيطان‭ ‬لقتل‭ ‬ذلك‭ ‬الحل،‭ ‬والاعتراف‭ ‬فوراً‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس،‭ ‬وإما‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬بنظام‭ ‬أبارتهايد‮»‬‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬واحدة‮»‬‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬كاملة‭ ‬بدون‭ ‬تمييز‭ ‬عنصري‭ ‬أو‭ ‬شوفينية‭ ‬يهودية‭ ‬عنصرية‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬واجب‭ ‬المسؤولين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬رسميين‭ ‬كانوا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬رسميين،‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬الدبلوماسيين،‭ ‬والسياسيين‭ ‬الدوليين،‭ ‬والوسطاء،‭ ‬وأن‭ ‬يمتنعوا‭ ‬عن‭ ‬السماح‭ ‬لهم‭ ‬بمواصلة‭ ‬الدوران‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬تقليص‭ ‬‮«‬حلّ‭ ‬الدولتين‮»‬،‭ ‬لتصبح‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مجرّد‭ ‬جيتوهات‭ ‬ومعازل‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬ونظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬العنصري‭. ‬وذلك‭ ‬يعني‭ ‬تبنّي‭ ‬نهج‭ ‬مواجهة‭ ‬الحكومة‭ ‬الفاشية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬عزلها،‭ ‬وليس‭ ‬مواصلة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مفاوضات‭ ‬ولقاءات‭ ‬معها‭.‬

بعض‭ ‬ما‭ ‬نسمعه،‭ ‬ونراه،‭ ‬يجعلنا‭ ‬ندرك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لوقاحة‭ ‬النفاق‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬المرتبط‭ ‬بالسياسات‭ ‬المصلحية‭ ‬لدول‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬الضحية،‭ ‬أي‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ثمن‭ ‬التقاعس‭ ‬الدولي‭ ‬وسياسة‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭. ‬وليس‭ ‬أمام‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬سوى‭ ‬خيار‭ ‬مقاومة‭ ‬الظلم‭ ‬والاضطهاد‭ ‬العنصري‭ ‬والاحتلال‭ ‬الفاشي‭ ‬وإرهاب‭ ‬المستوطنين‭. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬سياسياً‭ ‬أن‭ ‬يتحد‭ ‬الموقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬تطوير‭ ‬الهدف‭ ‬الوطني‭ ‬المعلن،‭ ‬بما‭ ‬يتجاوز‭ ‬مجرّد‭ ‬المطالبة‭ ‬بإنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬المطلب‭ ‬الوطني‭ ‬بإنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتطبيق‭ ‬حق‭ ‬عودة‭ ‬جميع‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬التي‭ ‬هجّروا‭ ‬منها،‭ ‬ولن‭ ‬يضيع‭ ‬حقٌّ‭ ‬وراءه‭ ‬مُطالب‭.‬

 

{‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا