العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

سعِة المعنى واللفظ المشترك

الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي‭ ‬

من‭ ‬أهم‭ ‬السمات‭ ‬الدلالية‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬اتساع‭ ‬دلالة‭ ‬ألفاظ‭ ‬القرآن‭ ‬وتراكيبه،‭ ‬فدلالات‭ ‬الألفاظ‭ ‬والتراكيب‭ ‬القرآنية‭ ‬تتنوّع‭ ‬بتعدّد‭ ‬المستويات‭ ‬اللغوية‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬اللغة،‭ ‬واتساع‭ ‬المعنى‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬تستحق‭ ‬الحديث‭ ‬حولها،‭ ‬ولعلّ‭ ‬مِن‭ ‬أبرز‭ ‬السمات‭ ‬الدلالية‭ ‬لألفاظ‭ ‬القرآن‭ ‬وتراكيبه‭ ‬هي‭ ‬اتساع‭ ‬دلالة‭ ‬تلك‭ ‬الألفاظ‭ ‬والتراكيب،‭ ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نميّز‭ ‬هاهنا‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمّى‭ ‬بالتعدّد‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمعنى،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمّى‭ ‬بالتعدّد‭ ‬الشكلي؛‭ ‬حيث‭ ‬تتعدّد‭ ‬أنواع‭ ‬الألفاظ‭ ‬عند‭ ‬اللغويين‭ ‬بين‭ ‬حقيقة‭ ‬ومجاز،‭ ‬وحقيقة‭ ‬لغوية‭ ‬وحقيقة‭ ‬شرعية،‭ ‬وما‭ ‬تجتمع‭ ‬في‭ ‬دلالته‭ ‬الحقيقتان،‭ ‬أو‭ ‬الحقيقة‭ ‬والمجاز،‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬قَبِيل‭ ‬المشترك‭ ‬أو‭ ‬المتواطئ،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬هنداوي‭.‬

أشكال‭ ‬الاتساع‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنقسم‭ ‬إلى‭: ‬اتساع‭ ‬الدّلالة‭ ‬المعجمية،‭ ‬اتساع‭ ‬الدّلالة‭ ‬الصرفية،‭ ‬اتساع‭ ‬الدّلالة‭ ‬النحوية،‭ ‬وسوف‭ ‬نقتصر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬على‭ ‬بيان‭ ‬اتساع‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬الدلالة‭ ‬المعجمية‭ ‬وحدها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يطول‭ ‬بنا‭ ‬المقام‭.‬

إنّ‭ ‬رصد‭ ‬فكرة‭ ‬اتساع‭ ‬المعنى‭ ‬التي‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬تبرز‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬تنبيه‭ ‬القارئ‭ ‬لهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬للتفرقة‭ ‬بين‭ ‬معاني‭ ‬اللفظ‭ ‬الواحد‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يظنّ‭ ‬بها‭ ‬التعدّد‭ ‬والاختلاف‭ ‬وحقيقتها‭ ‬الانسجام‭ ‬والائتلاف،‭ ‬وبين‭ ‬تلك‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬تشتمل‭ ‬على‭ ‬تعدد‭ ‬حقيقي‭ ‬يقتضي‭ ‬الترجيح‭ ‬بينها،‭ ‬أو‭ ‬اعتبارها‭ ‬وجوهًا‭ ‬معتبرة‭ ‬للفظ‭ ‬الواحد‭.‬

اللفظ‭ ‬المشترك‭: ‬هو‭ ‬اللفظ‭ ‬الواحد‭ ‬الموضوع‭ ‬لعدّة‭ ‬معانٍ،‭ ‬وهذا‭ ‬اللون‭ ‬اللغوي‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬والدليل‭ ‬عليه‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَاللَّيْلِ‭ ‬إِذَا‭ ‬عَسْعَسَ‮»‬‭ (‬التكوير‭-‬17‭) ‬،‭ ‬فإنه‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬إقبال‭ ‬الليل‭ ‬وإدباره‭ ‬وهما‭ ‬ضدان،‭ ‬هكذا‭ ‬ذكره‭ ‬صاحب‭ (‬الصحاح‭)‬،‮ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬كلمة‭ (‬قَسْوَرَة‭)‬،‭ ‬و‭(‬رِيع‭)‬،‭ ‬و‭(‬آيَة‭)...‬إلخ،‭ ‬ونحو‭ ‬ذلك‭.‬

ومِن‭ ‬ثَم‭ ‬يمثّل‭ ‬اللفظ‭ ‬المشترك‭ ‬الوارد‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬المعنى؛‭ ‬حيث‭ ‬يتّسع‭ ‬السياق‭ ‬لقبول‭ ‬جميع‭ ‬معانيه‭ ‬باعتبارها‭ ‬وجوهًا‭ ‬للمعنى‭ ‬الواحد‭ ‬إذا‭ ‬اقتضاها‭ ‬السياق‭ ‬بلا‭ ‬تعارض‭ ‬بينها،‮ ‬فكلمة‭ (‬عَسْعَسَ‭) ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَاللَّيْلِ‭ ‬إِذَا‭ ‬عَسْعَسَ‮»‬،‭ ‬تأتي‭ ‬بمعنى‭ ‬الإقبال‭ ‬والإدبار،‭ ‬‮«‬عن‭ ‬مجاهد‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬وَاللَّيْلِ‭ ‬إِذَا‭ ‬عَسْعَسَ‮»‬‭ ‬قال‭: ‬إقباله،‭ ‬ويقال‭: ‬إدباره‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أنّ‭ ‬كلًّا‭ ‬مِن‭ ‬إقبال‭ ‬الليل‭ ‬وإدباره‭ ‬ساعتان‭ ‬شريفتان،‭ ‬وآيتان‭ ‬عظيمتان‭ ‬دالّتان‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬الله‭ ‬تعالى؛‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬أقسم‭ ‬اللهُ‭ ‬بهما‭ ‬تنويهًا‭ ‬بشأنهما‭. ‬وتعظيم‭ ‬النبي‭ ‬‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‭ ‬لهاتين‭ ‬الساعتين‭ ‬بالذِّكْر‭ ‬والصلاة‭ ‬والتسبيح‭ ‬ثابت‭ ‬بنصوص‭ ‬كثيرة‭ ‬ليس‭ ‬هنا‭ ‬محلّ‭ ‬ذِكْرها؛‭ ‬لذا‭ ‬فلا‭ ‬يبعد‭ ‬أن‭ ‬يُراد‭ ‬بالقسَم‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬هاتين‭ ‬الساعتين‭ ‬الشريفتين،‭ ‬وسياق‭ ‬الكلام‭ ‬يساعده‭ ‬ولا‭ ‬يعارضه‭.‬

وكذلك‭ ‬لفظ‭ (‬قَسْوَرَة‭) ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬فَرَّتْ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَسْوَرَةٍ‮»‬‭ ‬المدثر‭:‬51،‭ ‬ذكر‭ ‬ابن‭ ‬جرير‭ ‬الاختلاف‭ ‬فيها؛‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬قال‭: ‬الرُّماة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬قال‭: ‬هو‭ ‬الأسد،‭ ‬والسياق‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أحد‭ ‬المعنيين‭ ‬بل‭ ‬يحتملهما‭ ‬جميعًا؛‭ ‬فالحُمُر‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬تفرّ‭ ‬من‭ ‬الرُّماة‭ ‬كما‭ ‬تفر‭ ‬من‭ ‬الأسد،‭ ‬فقد‭ ‬أثبت‭ ‬لها‭ ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يشمله‭ ‬اسم‭ ‬القسورة،‭ ‬ويؤيّد‭ ‬ذلك‭ ‬مجيء‭ (‬قَسْوَرَة‭) ‬منكرة‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أنّ‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يزداد‭ ‬به‭ ‬المعنى‭ ‬جمالًا‭ ‬وقوّة،‭ ‬فهذه‭ ‬الحُمُر‭ ‬المضروبة‭ ‬مثلًا‭ ‬للكافر‭ ‬المُعْرِض‭ ‬تفرّ‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬مَنْ‭ ‬تعرّض‭ ‬لها‭ ‬لينتشلها‭ ‬من‭ ‬الكفر‭ ‬إلى‭ ‬الإيمان،‭ ‬فتفرّ‭ ‬منه‭ ‬أشدّ‭ ‬الفرار؛‭ ‬إِذْ‭ ‬تستشعر‭ ‬فيه‭ ‬خطرًا‭ ‬داهمًا‭ ‬عليها،‭ ‬وكذلك‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكافرون‭ ‬المعرضون‭ ‬يحسبون‭ ‬كلّ‭ ‬متعرّض‭ ‬لهم‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬خطرًا‭ ‬داهمًا،‭ ‬وشرًّا‭ ‬محدقًا؛‭ ‬سواء‭ ‬بَدَا‭ ‬شديدًا‭ ‬كالأسد،‭ ‬أو‭ ‬متلطفًا‭ ‬كالصائد؛‭ ‬وذلك‭ ‬لكون‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الهدى‭ ‬معارضًا‭ ‬أهواءهم‭ ‬أتم‭ ‬المعارضة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا