حسن علي البنفلاح
وأمة الوسط هي الأمة التي أسلمت نفسها وروحها لخالقها وأعلنت شهادة التوحيد الخالص لرب العالمين، وما الطواف حول الكعبة المشرفة إلا تنفيذا لأمر تعبدي لا يدرك البعض حكمته، ولكن حقائق العلم الحديث تقول انه يرمز إلى سر عظيم من أسرار الكون يقوم على شهادة التوحيد الخالص تلبية للنداء الإلهي الذي أمر إبراهيم الخليل أن يؤذن للناس بالحج مصداقا لقوله تعالى: «وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)» الحج.
ويختم البحث موضوعه عن أمة الوسط ليخبرنا أن الاكتشافات العلمية الصحيحة التي توصل إليها الباحثون تدل بما لا يدع مجالا للشك أن أمة الوسط ودينها الإسلامي الحنيف يقدم للإنسان في شتى بقاع الأرض الرؤية الصائبة لحقائق الكون والوجود الإلهي المهيمن على نواميس الكون، ومن هنا فإن الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يجب أن تفهم عقلا قبل نطقها باللسان في إطارها الشامل من الفكر التوحيدي، إذ يقدم لنا العلم حقائق الوجود ويقف بقوة مع دعوة الدين الإسلامي إلى إعمال العقل بعيدا عن ضروب الهوى.
والقرآن الكريم يحتوي على الكثير من الآيات الكريمات الدالة على مواصفات أمة الوسط التي كرمها الله لتكون شاهدة على الناس جميعا ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيدا عليها، فالدين عند الله هو الإسلام وهو دين واحد موحد لا دين غيره منذ خلق الله الأرض ومن عليها، منذ آدم عليه السلام حتى نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إنما الفروقات تأتي في الشرائع المتعددة التي أرسلها الله بواسطة انبياؤه الكرام عليهم وعلى رسولنا الكريم أفضل الصلاة والسلام، فبمجرد أن يقر الإنسان أي إنسان بوحدانية رب العالمين، ويؤمن بان هناك يوم آخر للحساب ويعمل في دنياه بقدر ما يستطيع الأعمال الصالحة دخل الإسلام من أوسع أبوابه وعُدّ من الأمة الإسلامية الموحدة.
وفي ضوء هذا المعنى الواضح المبجل للدين الإسلامي فليس هناك أي عذر يلتمسه أي بني آدم في اتباع دينا آخر لا ينتمي إلى هذا المعنى الصريح، وبهذا قال رب العزة والجلالة في محكم كتابه الكريم: «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)» آل عمران.
وأمة الوسط اختارها الله لتكون خير امة أخرجت للناس، لماذا؟ لأنها في شتى مناحي حياتها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله الخالق المعبود، وبوصفها أمة الوسط فلابد أن يكون لها مواصفات عدة تؤهلها لتكون في مركز الوسط بين الأمم، من حيث سلوكياتها وتصرفاتها ومعايشاتها وقيمها وأخلاقها وقواعد حياتها. ولتكون أمة الوسط وخير الأمم بامتياز ويقين أمرها الله سبحانه وتعالى ألا تأكل الأموال بالباطل، أو تدلي بها إلى الحكام لتأكل فريقا من أموال الناس بالإثم وهي تعلم أن ذلك ذنب وإثم.
كما تتحلى بالصبر على ما قدر الله لها من أقدار، لأنها أمة مؤمنة بالله واليوم الآخر وتعمل الصالح من الأعمال، وأنها تتبع ملة إبراهيم حنيفا، وتقاتل في سبيل الله من يعتد عليها، وتبتعد بقدر ما تستطيع عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تشرب الخمر وتلعب الميسر فإن فيهما إثم كبير، كما لا تجعل اسم الجلالة الله سبحانه وتعالى عرضة لإيمانها، وأن عظمتها جاءت من ان مؤمنيها ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم الأجر العظيم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وإن المنضوين تحت رايتها هم العالمون علم اليقين، بقيمها مؤمنون بصدق مراميها، لا يتوانون عن الإنفاق في السراء والضراء، كاظمون الغيظ، عافون عن الناس، مسارعون إلى كل طالب الفضل منهم، وهم الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بأعمال تخالف الدين والشرع ذكروا الله واستغفروه لذنوبهم ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك