بقلم: مريم سليمان
الله سبحانه وتعالى هو الخلاق العليم، وهو القادر على كل شيء، خلق السموات والأراضين، وخلق الإنسان من سلالة من طين، وجعله خليفة في الأرض إلى يوم الدين، وخلق الملائكة وهم على الدوام لله يسبحون، ويحفظون خلقه بإذنه ويباركون، ويكتبون ما له أو ما عليه إلى يوم يبعثون، وخلق الحيوانات وجعل منها جميع الأشكال والأنواع والأجناس والألوان... خلقها الله تعالى بعظيم قدرته وأطعمها وسقاها وسخر لنا مَن يرعاها، قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ» (الشورى/ 29) فهي ملك لله تعالى تسبح لله (جل وعلا)، وكل له عبادة خاصة وقد ألهمهم الله تعالى تسبيحا لا نفقهه، فهم يسبحون ولكن بطريقة لا نعلمها لأنها بخلاف لغاتنا قال تعالى: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم» (الاسراء: 44)
فلكل خلق حياة وصِفات وسمات ومجتمع وطبيعة وطريقة مناسبة للعيش والتسبيح لله رب العالمين، وجنس البشر يختلف كثيراً عن جنس الحيوانات، فالبشر يحاسبون؛ لأن الله أرسل لهم الرسل وميزهم بالعقل، والعقل هو مناط التكليف، ومن لا عقل له لا حساب عليه، وإذا كان البشر محاسبون، فمنهم من يدخل الجنة ومنهم يدخل النار؛ بيد أن الحيوانات ليست أهلا للحساب ولا العقاب، ولكن ميزهم الله سبحانه وتعالى بالتسبيح والعبادة على طريقتهم الخاصة وسبحان الله الخالق الحكيم.
لقد مَنَّ الله تعالى علينا بفوائد كثيرة وعظيمة من خلق الحيوانات ومنها: المحافظة على التوازن البيئي والطبيعي في هذا الكون البديع الفسيح، وإنتاج الغذاء، والدواء، وأيضا سخرها للعمل ونقل البضائع والأحمال والأثقال، وإنتاج الجلود... وغيرها كثير...
قال تعالى: «وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» (النحل: 5-8)
وقال تعالى: «أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ في جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ» (النحل: 79-80)
وقال تعالى ممتنا على عباده: «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى. كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى» (سورة طه: 53-54)، وقال تعالى: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا. وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا. مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ» (النازعات:30-33)، ويقول الله سبحانه وتعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ» (سورة يس: 70-73)، فنحن جميعا دائرة مكتملة تكمل بعضها البعض، قال الله تعالي: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (القمر:49).
وهكذا فإن خلق الحيوانات وتسخيرها لنا وتذليلها لنا، وتمكيننا منها، ومن شتى منافعها، تعد من أجل نعم الله تعالى علينا، الأمر الذي يحتم علينا شكر المُنعم هذه النعم على الدوام، ومن شكرها أن نُرِي ربنا جل وعلا منا ما يرضيه، فلا يعقل أبدا أن نأكل منها لنتقوى على معصية الله، ومن شكرها أن نرحمها كما رحمنا الله بتسخيرها لنا، وحملها عنا ما لا نقدر عليه.. وبالله التوفيق
باحثة مصرية في الفكر
الإسلامي وفلسفة القانون
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك