بقلم: د. أحمد علي سليمان {
ذكر الله حياة للقلوب، وطمأنينة للصدور، وسكينة للنفوس... يقول الحق سبحانه وتعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» (الأحزاب 41-43). ويقول سبحانه: «...وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» (الأحزاب: 35).
ويقول: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِيْنَ يَذْكُرُوْنَ اللّٰهَ قِيَامًا وَّقُعُوْدًا وَّعَلى جُنُوْبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُوْنَ فِيْ خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار» (آل عمران: 190-191).
ويقول تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: 28)، أي: تسكنُ، وتستأنسُ بجلال الله؛ فتطمئن، ومن ثَمَّ يزول قلقها، واضطرابها، وقد وردت هذه الآية في سورة الرعد، والرعد مخيف، فجاءت هذه الآية العظيمة لتبثَ الأمل، والتفاؤل، والطمأنينةَ، والسكينةَ في قلوب الذاكرين.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ألا أُنبِّئكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلْقَوا عدوَّكم، فتضرِبوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقَكم؟ ذكرُ اللهِ» (أخرجه الإمام الترمذي في سننه).
إن ذكر الله تعالى من أقوى الروابط التي تربط الذاكر بمولاه؛ فهو من خير الأعمال وأزكاها عند الله، ومن مصادر استجلاب رحماته، ونيل محبته ومعيته، وفتح خزائنه وكنوزه... قال تعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» (البقرة: 152)؛ «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ»، وإذا ذكرك الله (عزَّ وجلَّ)، منحك الحكمة، وهي من أعظم عطاءات الله أن تكون حكيمًا، يقول تعالى: «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» (البقرة: 269)، وإذا ذكرك الله (عزَّ وجلَّ) أعطاك السكينة، فتسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، إذا ذكرك الله (عزَّ وجلَّ) أعطاك الرضا، إذا ذكرك الله (عزَّ وجلَّ) أعطاك قوة في الحق، فلا تنافق؛ لأن مصيرك مع الله (عزَّ وجلَّ) لا مع غيرِه هكذا تعلمنا من شيخنا د محمد راتب النابلسي. إذا ذكرك الله (عزَّ وجلَّ) منحك الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، إذا ذكرك الله فهمك الحق والحقيقة، ومنحك التأييد والقبول، ومنحك النصر المبين.. إذا ذكرك الله منحك الرحمة والرفق بكل مفردات الطبيعة والكون....
لذلك يجب أن نُكثر من ذكر الله تعالى بكل جوارحنا، ونستحضر عظمته، وقدرته، وجلاله على الدوام.
فعنْ أَبي هُريرةَ، (رضي الله عنه)، أنَّ رسُولَ اللَّه (صلى الله عليه وسلم) قالَ: يقُولُ اللَّه تَعالى في الحديث القدسي الجليل: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَأ ذَكَرْتُهُ في مَلَأ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» (أخرجه الإمام البخاري في صحيحه).
وأفضل أنواع الذكر: هو القرآن الكريم، وأفضل الذكر بعد القرآن: لا إلهَ إلا اللهُ، وأفضلُ الدعاءِ: الحمدُ للهِ، ومن أجلِّ أنواع الذكر أيضا: ذكر آلاء الله تعالى وإنعامه وإحسانه، ومواقع فضله على عبيده.
ومن الذكر الذي يحبه الله تعالى، ما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) قال: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ» (أخرجه الإمام البخاري في صحيحه).
وقد جعل الله تعالى حلقاتِ الذكر روضاتٍ من رياض الجنة، قال رسول الله (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ): «إذا مررتُمْ برياضِ الجنةِ فارْتَعُوا قالوا: وما رياضُ الجنةِ؟ قال: حِلَقُ الذكرِ» (أخرجه الإمام السيوطي في الجامع الصغير – حسن).
أيها الذاكر: لا تحسبن أن الوقتَ الذي تقضيه في الذكر ضائعٌ، كلا؛ بل هو باعث الأمل والعمل في النفوس الهامدة، وجابر الخواطر المنكسرة، وناثر بذور السكينة في الصدور، ومحرك ينابيع الحكمة في العقول، والقلوب... ويا له من خير عميم! وفقنا الله للذكر الذي يرضي الرحمن... الذكر الذي به يذكرنا الله... الذكر الذي يخلق فينا المراقبة والإخلاص لله على الدوام... ووضئنا يا ربنا بأخلاق نبيك الكريم.
{ عضو المجلس الأعلى
للشؤون الإسلامية – مصر
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك