تعيش إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو الحالية التي تضم غلاة المتطرفين من اليمين الصهيوني أزمة عميقة بسبب قانون السلطة القضائية، لكن البعض اعتبر أن المظاهرات والاحتجاجات التي تجري هناك شهدتها دول كثيرة، عادة ما يتم استيعابها في النظم الديمقراطية أو نظم الديمقراطية المقيدة، ومن ثم لا توجد أخطار وجودية تهدد إسرائيل بسبب الانقسام حول قانون السلطة القضائية، الذي أصدره نتنياهو مؤخرا ووافق عليه الكنيست (البرلمان).
وقد أشار البعض ايضا إلى المظاهرات الضخمة التي شهدتها فرنسا على مدار أشهر ضد رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، ومع ذلك تمسك الرئيس ماكرون وحكومته بالقانون وأصدروه، ومع الوقت خفتت المظاهرات.. وهذا يعنى أنه من الوارد أن تشهد إسرائيل نفس المصير وتنتهي الاحتجاجات مع الوقت وينفذ القانون.
والحقيقة أن الفارق بين الاحتجاجات المطلبية أو السياسية التي شهدتها فرنسا والتي يمكن أن يشهدها أي بلد آخر، والاحتجاجات المتعلقة بالخلاف حول جوهر توجهات النظام القائم ترجع إلى كونها عادة لا تقبل «القسمة على اثنين»، ولا بد أن يتقدم أو ينتصر طرف أو يتراجع ويخسر طرف آخر.
إن الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل جاءت ردا على قانون السلطة القضائية الذي اعتبره تيار واسع من المواطنين اليهود يهدف إلى هدم دولة القانون وسيطرة السلطة التنفيذية على القضاء.. فضلا عن كون هذه السلطة تضم عناصر من اليمين المتطرف الذي يحرض كل يوم على العنف والإرهاب، وفي هذا الوقت نجح نتنياهو في تمرير القانون، ولكنه لا يزال يواجَه بمعارضة شرسة في الشارع وانقسامات داخل أجهزة الدولة.. وأخيرًا، طعن قُدّم أمام المحكمة العليا.
الانقسام في إسرائيل لا يقارن باحتجاجات فرنسا المعترضة على قانون أو توجه سياسي، إنما هو مثل خلاف بين جماهير ونخب تؤيد العلمانية في فرنسا وأخرى تطالب بإلغائها.. هنا نصبح أمام خلاف على أسس وجوهر النظام القائم وليس حول التفاصيل.
إن الانقسام في إسرائيل حول منظومة قانونية وثقافية متكاملة، تهدف إلى تغيير طبيعة الدولة، وليس مجرد خلاف سياسي حول التفاصيل.. وفي حال إتمامه، سيفتح الباب أمام سيطرة المتشددين الدينيين على مفاصل الدولة، وليس فقط سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء، فضلا عن كون هذه السلطة تضم عناصر من اليمين المتطرف الذي يحرض كل يوم على العنف والإرهاب.
يكفي قراءة خطابات وتصريحات قادة المتظاهرين في الشوارع، وكيف أنها تجاوزت رفض المساس بالسلطة القضائية لتصل إلى التمسك بالعلمانية والديمقراطية ورفض الدولة الدينية، ومقارنتها بتصريحات قادة الائتلاف الحكومي من القوى الدينية المتشددة، وكيف أنهم اعتبروا الموافقة على هذا التعديل ستجعل إسرائيل أكثر يهودية، ووصفوا المعارضين بالخونة.
نعم، الخلاف حول منظومة القيم الحاكمة ليس خلافا عابرا في التفاصيل، وإنما هو خلاف عميق حول الأسس التي تقوم عليها الدولة.. وهذا ما تشهده إسرائيل حاليا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك