العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مؤتمر روما وتحديات مواجهة الهجرة غير النظامية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

شهدت‭ ‬العاصمة‭ ‬الإيطالية‭ ‬‮«‬روما‮»‬‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬انطلاق‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدولي‭ ‬حول‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية،‭ ‬برئاسة‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الإيطالية‭ ‬‮«‬جورجيا‭ ‬ميلوني‮»‬،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬قادة‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬جنوب‭ ‬المتوسط‭ ‬ودول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬مالية‭ ‬دولية؛‭ ‬بهدف‭ ‬‮«‬تنظيم‭ ‬ظاهرة‭ ‬الهجرة‮»‬،‭ ‬و«مكافحة‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‮»‬،‭ ‬و«تعزيز‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬و‮«‬تبني‭ ‬نموذج‭ ‬جديد‭ ‬للتعاون‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التخطيط‭ ‬والتنفيذ‭ ‬المشترك‮»‬،‭ ‬و«تبني‭ ‬مبادرات‭ ‬ومشاريع‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬رئيسية؛‭ ‬هي‭: ‬‮«‬الزراعة،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬والتعليم،‭ ‬والتدريب،‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬والماء،‭ ‬والبيئة‮»‬‭. ‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬وقف‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬لإيطاليا‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬معالم‭ ‬الخطاب‭ ‬الانتخابي،‭ ‬الذي‭ ‬أوصل‭ ‬‮«‬ميلوني‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬لسلطة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سجلت‭ ‬‮«‬روما‮»‬‭ ‬عبور‭ ‬نحو‭ ‬80‭ ‬ألف‭ ‬مهاجر‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬33‭ ‬ألفا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬السابقة‭ ‬عليها‭.‬

وكان‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬المشاركة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬‮«‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬أوفدت‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬الأخرى‭ ‬وزراء‭ ‬لتمثيلها،‭ ‬فيما‭ ‬أصبحت‭ ‬ظاهرة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬تحتل‭ ‬‮«‬اهتماما‭ ‬كبيرا‮»‬،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مقاصد‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة؛‭ ‬كأوروبا‭ ‬ودول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مصادر‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة‭ ‬ودول‭ ‬عبورها،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬رحبت‭ ‬‮«‬روما‮»‬‭ ‬بالتعهد‭ ‬الذي‭ ‬أعلنته‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬ظبي‮»‬،‭ ‬بتقديم‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬أن‭ ‬الخطوة‭ ‬التالية‭ ‬للمؤتمر‭ ‬هي‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬للمانحين‭ ‬لتعزيز‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المصادر‭ ‬والعبور‭.‬

وبينما‭ ‬يقف‭ ‬دور‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬التركيب‭ ‬السكاني‭ ‬والثقافي‭ ‬وأحوال‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬اهتمامات‭ ‬دول‭ ‬المقاصد؛‭ ‬فإن‭ ‬نقص‭ ‬التنمية‭ ‬وتدهور‭ ‬الأحوال‭ ‬المعيشية‭ ‬والحريات‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أولويات‭ ‬دول‭ ‬المصادر،‭ ‬فيما‭ ‬تقف‭ ‬العوامل‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬اهتمامات‭ ‬دول‭ ‬العبور‭. ‬ولأن‭ ‬‮«‬تونس‮»‬‭ ‬دولة‭ ‬عبور،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬توقيع‭ ‬‮«‬بروكسل‮»‬،‭ ‬و«روما‮»‬،‭ ‬مذكرة‭ ‬تفاهم‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬‮«‬قيس‭ ‬بن‭ ‬سعيد‮»‬،‭ ‬تتضمن‭ ‬مساعدة‭ ‬أوروبية‭ ‬بقيمة‭ ‬105‭ ‬ملايين‭ ‬يورو؛‭ ‬بهدف‭ ‬منع‭ ‬مغادرة‭ ‬قوارب‭ ‬المهاجرين،‭ ‬ومحاربة‭ ‬المهربين‭. ‬وأعرب‭ ‬ممثلو‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬حرصهم‭ ‬على‭ ‬التفاوض‭ ‬في‭ ‬شراكات‭ ‬مماثلة‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬والمغرب‭. ‬ولذات‭ ‬الموضوع،‭ ‬توجه‭ ‬وفد‭ ‬أمني‭ ‬إيطالي‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬المؤتمر‭.‬

وفيما‭ ‬أجمع‭ ‬المشاركون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نقص‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المصادر‭ ‬يعد‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬المؤتمر‭ ‬إعلان‭ ‬إطلاق‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬روما‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬للهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‮»‬،‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬خطوات‭ ‬لمواجهة‭ ‬تدفق‭ ‬الأعداد‭ ‬المتزايدة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬أوروبا،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬توفير‭ ‬التمويل‭ ‬اللازم‭ ‬لتنمية‭ ‬دول‭ ‬المصادر،‭ ‬وكذلك‭ ‬دول‭ ‬العبور،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬تهريب‭ ‬البشر،‭ ‬وتنمية‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬والإفريقية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التنموية‭ ‬المختلفة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭.‬

ومع‭ ‬اعتبار‭ ‬رئيسة‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية‭ ‬‮«‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين‮»‬‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إبرامه‭ ‬مع‭ ‬‮«‬تونس‮»‬‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نموذجًا‭ ‬لدول‭ ‬أخرى،‭ ‬فقد‭ ‬تعهد‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‮»‬‭ ‬بمساعدات‭ ‬تنموية‭ ‬لتونس‭ ‬قيمتها‭ ‬1.1‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ودعت‭ ‬‮«‬أورسولا‮»‬‭ ‬‮«‬بروكسل‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬مخرج‭ ‬قانوني‭ ‬لاستقبال‭ ‬المهاجرين،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المخاطرة‭ ‬بحياتهم‭ ‬في‭ ‬معابر‭ ‬بحرية‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬سجلت‭ ‬‮«‬الوكالة‭ ‬الأوروبية‮»‬‭ ‬لحرس‭ ‬الحدود‭ ‬والسواحل‭ ‬وصول‭ ‬نحو‭ ‬330‭ ‬ألف‭ ‬مهاجر‭ ‬غير‭ ‬نظامي‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬عبر‭ ‬جميع‭ ‬طرق‭ ‬الهجرة‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬وهو‭ ‬الأعلى‭ ‬منذ‭ ‬2016‭. ‬وفي‭ ‬الأشهر‭ ‬الأربعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬ازدادت‭ ‬عمليات‭ ‬عبور‭ ‬المنطقة‭ ‬الوسطى‭ ‬للبحر‭ ‬المتوسط‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬سواحل‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬صوب‭ ‬إيطاليا‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬42‭ ‬ألفا،‭ ‬وهي‭ ‬زيادة‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬300%‭ ‬مقارنة‭ ‬بالفترة‭ ‬نفسها‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭.‬

ولأن‭ ‬الهجرة‭ ‬وانتقال‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬‮«‬ظاهرة‭ ‬ممتدة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬منها‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬احتياج‭ ‬متبادل‭ ‬بين‭ ‬مصادر‭ ‬الهجرة‭ ‬ومستقبليها‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والمهاجرين‭ ‬ومن‭ ‬يهاجر‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬أخذت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تستقبل‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬نقص‭ ‬السكان،‭ ‬واختل‭ ‬هرمها‭ ‬السكاني‭ ‬لجهة‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬المعمرين،‭ ‬وانخفاض‭ ‬نسبة‭ ‬الشباب‭ (‬مصدر‭ ‬قوة‭ ‬العمل‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أي‭ ‬هجرة،‭ ‬تريدها‭ ‬هجرة‭ ‬شباب‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العمل‭ ‬ذوي‭ ‬مهارات،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لاكتساب‭ ‬هذه‭ ‬المهارات،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬منظم‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬كان‭ ‬الاتفاق‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬الهجرة‭ ‬الآمنة‭ ‬والمنظمة‭ ‬والنظامية‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬اتفاق‭ ‬حكومي‭ ‬دولي،‭ ‬تم‭ ‬إعداده‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬‮«‬الأمم‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغطية‭ ‬جميع‭ ‬أبعاد‭ ‬الهجرة‭ ‬الدولية،‭ ‬بطريقة‭ ‬كلية‭ ‬وشاملة،‭ ‬وجرى‭ ‬اعتماده‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬حكومي‭ ‬دولي‭ ‬بشأن‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬مراكش‮»‬،‭ ‬ديسمبر‭ ‬2018‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬رحبت‭ ‬‮«‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬بهذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬كإطار‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬إدارة‭ ‬الهجرة،‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬مسألة‭ ‬المهاجرين‭ ‬وحقوقهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬صميمها،‭ ‬وتقدم‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لفئة‭ ‬المهاجرين،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬الهجرة‭ ‬ووجهتها‭. ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬الالتزامات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬العالمي‭ ‬هو‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬السلبية‭ ‬للهجرة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬مكافحة‭ ‬الفقر،‭ ‬والتمييز،‭ ‬ومعالجة‭ ‬التشرد،‭ ‬ومواجهة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬والكوارث،‭ ‬وزيادة‭ ‬توافر‭ ‬المسارات‭ ‬وتنويعها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هجرة‭ ‬آمنة‭ ‬ومنظمة‭ ‬ونظامية‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬أوضاعا‭ ‬هشة‭.‬

وبعد‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬العالمي‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الهجرة‭ ‬الآمنة‭ ‬والمنظمة‭ ‬والنظامية‮»‬،‭ ‬انعقد‭ ‬المنتدى‭ ‬الدولي‭ ‬الأول‭ ‬لاستعراض‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بنيويورك‭ (‬1720‭) ‬مايو‭ ‬2022‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬تحضيرات‭ ‬هذا‭ ‬المنتدى،‭ ‬عقدت‭ ‬‮«‬شبكة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الإقليمية‭ ‬للهجرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬جلسة‭ ‬حوار‭ ‬جمعت‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬المعنيين‭ ‬بالهجرة‭. ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬مؤتمر‭ ‬‮«‬الاستعراض‭ ‬الإقليمي‭ ‬الأول‭ ‬للاتفاق‭ ‬العالمي‭ ‬للهجرة‭ ‬الآمنة‭ ‬والمنظمة‭ ‬والنظامية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬يومي‭ (‬24‭ ‬و25‭ ‬فبراير‭) ‬2020،‭ ‬حيث‭ ‬قدم‭ ‬ممثلو‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬النتائج‭ ‬الرئيسية‭ ‬للتقارير‭ ‬الوطنية‭ ‬الطوعية‭ ‬للاتفاق‭ ‬العالمي،‭ ‬كما‭ ‬قدموا‭ ‬تجاربهم‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهتهم‭ ‬والدروس‭ ‬المستفادة،‭ ‬وأفضل‭ ‬الممارسات‭ ‬والخطط‭ ‬المستقبلية‭.‬

ويأتي‭ ‬مؤتمر‭ ‬‮«‬روما‮»‬‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬الجهد،‭ ‬ليربط‭ ‬بين‭ ‬الهجرة‭ ‬والتنمية،‭ ‬فكلاهما‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة،‭ ‬إذا‭ ‬حدثت‭ ‬تنمية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬المصدر‭ ‬قلت‭ ‬الهجرة‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬الاستقبال،‭ ‬ووضعت‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الاتفاق‭ ‬العالمي‭ ‬المذكور‭. ‬وبالفعل،‭ ‬أطلق‭ ‬المؤتمر‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬لصندوق‭ ‬تمويل‭ ‬المشاريع‭ ‬الاستثمارية‭ ‬ومراقبة‭ ‬الحدود،‭ ‬الهادف‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تدفق‭ ‬المهاجرين‭ ‬إلى‭ ‬السواحل‭ ‬الأوروبية‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وباستثناء‭ ‬الصندوق،‭ ‬لم‭ ‬يعلن‭ ‬المؤتمر‭ ‬أي‭ ‬إجراءات‭ ‬أخرى،‭ ‬واعتبرته‭ ‬‮«‬ميلوني‮»‬‭ ‬‮«‬بداية‭ ‬عمل‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬لعملية‭ ‬روما،‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولوياتها‭ ‬محاربة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية،‭ ‬وإدارة‭ ‬تدفقات‭ ‬الهجرة‭ ‬القانونية،‭ ‬ودعم‭ ‬اللاجئين،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬التعاون‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬لدعم‭ ‬تنمية‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬بلدان‭ ‬المصدر‮»‬‭. ‬واستمرارا،‭ ‬أعطت‭ ‬الأولوية‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية؛‭ ‬لأنها‭ ‬أكثر‭ ‬استدامة‭ ‬للتعاون؛‭ ‬لكن‭ ‬غياب‭ ‬‮«‬فرنسا‮»‬،‭ ‬و«ألمانيا‮»‬‭ -‬القوتين‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭- ‬يلقي‭ ‬بظلال‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬نجاح‭ ‬مخرجات‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر،‭ ‬ويضعه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الخطاب‭ ‬الانتخابي‭ ‬لميلوني،‭ ‬وكأنها‭ ‬بهذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬أوفت‭ ‬بأحد‭ ‬وعودها‭ ‬الانتخابية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الخبرات‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬سابقا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الأمنية،‭ ‬والتشديد‭ ‬على‭ ‬مراقبة‭ ‬الحدود؛‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬أي‭ ‬نتيجة،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬يظل‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬حلول‭ ‬موازية‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتنموية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المصدر‭ ‬هي‭ ‬الحلول‭ ‬الفعالة‭ ‬والنافذة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬التمويل‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أعلنته‭ ‬قمة‭ ‬روما،‭ ‬قد‭ ‬سبقته‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬الصندوق‭ ‬الائتماني‭ ‬الأوروبي‭ ‬للطوارئ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إفريقيا‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬أوروبا‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ (‬2015-2020‭)‬،‭ ‬وخصص‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة‭ ‬لمراقبة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية،‭ ‬ولم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوة‭ ‬باعتراف‭ ‬أوروبي،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬دور‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬كان‭ ‬ضئيلاً،‭ ‬مقارنة‭ ‬بمعدلات‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬المصدر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المساعدات‭ ‬والقروض‭ ‬كان‭ ‬يذهب‭ ‬معظمها‭ ‬لغايات‭ ‬استهلاكية،‭ ‬وليست‭ ‬استثمارية،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬أثر‭ ‬قصير‭ ‬المدى‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يزول،‭ ‬لتبقى‭ ‬الأسباب‭ ‬الحقيقية‭ ‬للهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬موجودة‭ ‬دون‭ ‬معالجة‭. ‬

وبناء‭ ‬عليه،‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬إجراءات‭ ‬تنموية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جادة‭ ‬وتتعلق‭ ‬أيضًا‭ ‬بتحسين‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال،‭ ‬حتى‭ ‬تستطيع‭ ‬أيضًا‭ ‬جذب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المصدر‭ ‬الفقيرة،‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬إمكانات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭. ‬وقد‭ ‬ربط‭ ‬المؤتمر‭ -‬كما‭ ‬ذكرنا‭- ‬بين‭ ‬الهجرة‭ ‬والتنمية،‭ ‬شأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬حوار‭ (‬5+5‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤه‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬بمثابة‭ ‬منتدى‭ ‬دون‭ ‬إقليمي،‭ ‬يمثل‭ ‬أولى‭ ‬المبادرات‭ ‬الرابطة‭ ‬بين‭ ‬الهجرة‭ ‬والتنمية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ (‬المغرب‭ ‬‭ ‬الجزائر‭ ‬‭ ‬ليبيا‭ ‬‭ ‬تونس‭ ‬‭ ‬موريتانيا‭ ‬‭ ‬إسبانيا‭ ‬‭ ‬فرنسا‭ ‬‭ ‬إيطاليا‭ ‬‭ ‬مالطا‭ ‬‭ ‬البرتغال‭). ‬

وفي‭ ‬مارس‭ ‬الماضي،‭ ‬ترأس‭ ‬‮«‬المغرب‮»‬‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوزاري‭ ‬الثامن‭ ‬لهذا‭ ‬الحوار‭ ‬حول‭ ‬الهجرة‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬نحو‭ ‬تحديد‭ ‬إطار‭ ‬عمل‭ ‬شامل‭ ‬ومتوافق‭ ‬ومتوازن،‭ ‬بخصوص‭ ‬معالجة‭ ‬متميزة‭ ‬لظاهرة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الروابط‭ ‬الموجودة‭ ‬بين‭ ‬الهجرة‭ ‬والتنمية،‭ ‬وبين‭ ‬الهجرة‭ ‬المنظمة‭ ‬والتنقل،‭ ‬وبين‭ ‬دمج‭ ‬المهاجرين‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوقهم،‭ ‬ومكافحة‭ ‬تهريب‭ ‬المهاجرين‭ ‬والاتجار‭ ‬بحقوقهم‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مؤتمر‭ ‬روما‭ ‬قد‭ ‬تبنى‭ ‬‮«‬خطابا‭ ‬مغايرا‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬يُظهر‭ ‬تعاونا‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬فاعلية‮»‬،‭ ‬واعتبارها‭ ‬‮«‬شريكة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الظاهرة،‭ ‬وحاول‭ ‬تقويض‭ ‬الاتهامات‭ ‬الموجهة‭ ‬بالعداء‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬ومنحه‭ ‬أولوية‭ ‬لقضايا‭ ‬المناخ‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتأكيده‭ ‬دور‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الظاهرة،‭ ‬وتشديده‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬التنسيق‭ ‬الجماعي؛‭ ‬فإن‭ ‬فرص‭ ‬نجاح‭ ‬نتائجه‭ ‬تظل‭ ‬مقيدة‭ ‬بتغليب‭ ‬الاتفاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الجهود‭ ‬الجماعية،‭ ‬وفقدان‭ ‬الإجماع‭ ‬الأوروبي‭.‬

وفي‭ ‬الأخير،‭ ‬يبقى‭ ‬المؤتمر‭ ‬إحدى‭ ‬المنصات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الممتد،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬تركيزه‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬أوروبا،‭ ‬برغم‭ ‬المشاركات‭ ‬الواضحة‭ ‬من‭ ‬خارجها‭ ‬حتى‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬مؤتمرا‭ ‬أوروبيا‭ ‬إفريقيا،‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬دوليا،‭ ‬فيما‭ ‬يتسع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بقضية‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬ليشمل‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا