في تلك اللّحظة المتأخّرة من اللّيل كانت السّاعة تشير إلى منتصف اللّيل إلّا عشر دقائق، انتفضتُ من فراشي وركضتُ نحو مكتبي الصّغير أبحث عن قلم وبعض أوراق، بيديّ المرتعشتين كانت الأوراق تتطاير هنا وهناك وكان القلب يرتجفُ معها... كنتُ أحسُّ أنّ دقّاته تتسارعُ وتتصارعُ مع الزّمن لكنّ صوتا من أعماقي كان يهتفُ بل يصرخُ بأعلى صوته:
«هيّا يا أحلام انتفضي وانفُضي غبار أزمنةٍ، إنّكِ مجموعة أحلام ولستِ حلمًا واحدا، أليسَ هذا اسمكِ؟
إذنْ، كوني الأحلام الجميلة».
وفي ذات اللحظة كان الفكرُ يربكهُ، يُوقفه، ينهرُهُ...
خرجتْ منّي تنهيدة عميقة أحسستُها أراحتني ممّا بداخلي من صراعٍ فابتسمتُ كما كنتُ منذُ طفولتي وشبابي، ابتسامة أملٍ وإصرار في آنٍ.
لا يزال الوقت يمرّ رتيبا ثقيلا، بل لكأنّه قد توقّف عن المسير، لا تزال منتصف اللّيل إلّا تسعة دقائق، نظرتُ إلى السّاعة الحائطيّة،
- ها قد مرّت دقيقة واحدة، جيّد جدّا.
لأوّل مرّة أسعدُ بتباطؤِ عقارب السّاعة، هكذا هو الإنسانُ يأملُ أن يُطَوّعَ الزّمنَ لخدمته. قلتُ ذلك وأنا ماأزالُ أبعثر الأوراق باحثة عن ورق أبيض..
- الحمد للّه، أخيرا. ها هي مجموعة أوراق.
عندئذٍ، فتحتُ درج مكتبي الأيمن والوحيد أخرجتُ ما في جوفه من دفاتر وملفّاتٍ تحوّل بياضها اصفرارا... بحثت لكن هذه المرّة ليس طويلا. فوجهتي باتت واضحة أمامي تمام الوضوح، أخرجتُ ملفًا كُتب عليه بخطّ غليظٍ أحمرَ: «قصص قصيرة للنّشر».
وضعته أمامي وقد كانت السّاعة تشير إلى منتصف اللّيل إلّا سبع دقائق... بعض الثّواني فقط ويغلق باب الاشتراك في المسابقة العربيّة... وفي هذه الثّواني القليلة توهّج الحلم بداخلي وانتصب صامدا محلّقا في الأفق البعيد... رأيتني صبيّة مرفرفة كفراشة تبتسم لها دروب الحياة...
في هذه الثّواني القليلة سكنني الحلم وهزّني الإصرار والعزيمة فما عادت يديّ مرتجفتين وما عاد الزّمن يبعدني عنه حلما سكنني منذ أكثر من ثلاثة عقود وهذه القصص بين درج مكتبي:
- لقد حان أوان القطاف، لقد حان فلا تتيبّسي.
رفعتُ سمّاعة الهاتف وأعلنتُ بكلّ عزم:
- أريد الاشتراك في المسابقة.
فجاءني الصّوت ممزوجا بالحلم منغمسا في ذاتي الحالمة على الدّوام...
{ أديبة وقاصة تونسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك