العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

موسكو كما رأيتها هذه المرة

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٢٦ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

زرت‭ ‬موسكو‭ ‬مؤخرا‭ ‬بعد‭ ‬انقطاع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬دام‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬بسبب‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬‮«‬كوفيد19‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬خسارة‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها،‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العقوبات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بلغت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬7000‭ ‬عقوبة‭ ‬شملت‭ ‬مختلف‭ ‬الجوانب‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجوانب،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬المواطن‭ ‬الموسكوفي‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬ودورة‭ ‬الحياة‭ ‬مستمرة‭ ‬والجميع‭ ‬يمارس‭ ‬عمله‭ ‬ونشاطه‭ ‬وكأن‭ ‬البلاد‭ ‬لا‭ ‬تعيش‭ ‬حالة‭ ‬حرب،‭ ‬وتسمع‭ ‬أخبار‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬حالها‭ ‬حال‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

ما‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬التطورات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬خصخصة‭ ‬مترو‭ ‬الأنفاق‭ ‬هذه‭ ‬التحفة‭ ‬المعمارية‭ ‬الجميلة‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬مفخرة‭ ‬الدولة‭ ‬السوفيتية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مفخرة‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬الذي‭ ‬بنى‭ ‬عام‭ ‬1935‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬يعتبر‭ ‬المترو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الفضلى‭ ‬للتنقل‭ ‬بين‭ ‬مناطق‭ ‬موسكو‭ ‬وأحيائها‭ ‬المختلفة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للتنقل‭ ‬لمحدودي‭ ‬الدخل‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬تنقلاتهم‭ ‬على‭ ‬المترو،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬التذاكر‭ ‬بنسبة‭ ‬شكلت‭ ‬عبئا‭ ‬إضافيا‭ ‬على‭ ‬محدودي‭ ‬الدخل‭ ‬وتسريح‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الحيوي‭ ‬وخصوصا‭ ‬بائعي‭ ‬التذاكر‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬هل‭ ‬سيستفيد‭ ‬المتقاعدون‭ ‬من‭ ‬مزايا‭ ‬الاستخدام‭ ‬المجاني‭ ‬للمترو‭ ‬بعد‭ ‬الخصخصة‭.‬

أما‭ ‬المترو‭ ‬نفسه‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬يعج‭ ‬بمستخدمي‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬مشغول‭ ‬بهاتفه‭ ‬ولا‭ ‬ترى‭ ‬شخصا‭ ‬يحمل‭ ‬كتابا‭ ‬أو‭ ‬يقرأ‭ ‬جريدة،‭ ‬بعكس‭ ‬أيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬المترو‭ ‬إلا‭ ‬ويقرأ‭ ‬رواية‭ ‬أو‭ ‬يقرأ‭ ‬كتابا‭ ‬وجريدة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الطلبة‭ ‬الأجانب‭ ‬لا‭ ‬يدخلون‭ ‬محطات‭ ‬المترو‭ ‬إلا‭ ‬وبيدهم‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬جريدة‭ ‬لقراءتها‭ ‬فترة‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬المترو‭. ‬ومن‭ ‬المظاهر‭ ‬التي‭ ‬لاحظتها‭ ‬زيادة‭ ‬أعداد‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬والقادمة‭ ‬من‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬ملاذا‭ ‬آمنا‭ ‬لهم‭ ‬ومكانا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬تؤمن‭ ‬دخلا‭ ‬معقولا‭ ‬لهم‭ ‬ولأسرهم،‭ ‬فترى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬حصرا‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬وتحديدا‭ ‬جمهوريات‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬مثل‭ ‬قرغيزستان‭ ‬وأوزبكستان‭ ‬وطاجيكستان‭ ‬الذين‭ ‬استقروا‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬ويعملون‭ ‬في‭ ‬الفنادق‭ ‬والمطاعم‭ ‬ويعملون‭ ‬سائقي‭ ‬سيارات‭ ‬أجرة‭ ‬وعمال‭ ‬بناء،‭ ‬والذين‭ ‬يسهمون‭ ‬بكل‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬إعمار‭ ‬موسكو‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬منتشرين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬موسكو‭ ‬يقومون‭ ‬ببناء‭ ‬الجسور‭ ‬وإصلاح‭ ‬الشوارع‭ ‬والقيام‭ ‬بعمليات‭ ‬التوسعة‭ ‬رغم‭ ‬الظروف‭ ‬المناخية‭ ‬غير‭ ‬الملائمة‭ ‬وبأجور‭ ‬معقولة‭ ‬مقارنة‭ ‬بمستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭.‬

ما‭ ‬يسهل‭ ‬قدوم‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬الرخيصة‭ ‬الاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬أُبرمت‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬والتي‭ ‬تسمح‭ ‬بحرية‭ ‬دخول‭ ‬مواطني‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والاستقرار‭ ‬فيها‭ ‬شريطة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الإقامة،‭ ‬ولذلك‭ ‬نرى‭ ‬هذه‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والكبار‭ ‬التي‭ ‬تتوافد‭ ‬على‭ ‬موسكو‭ ‬وربما‭ ‬المدن‭ ‬الروسية‭ ‬الرئيسية‭ ‬والقادمين‭ ‬من‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الإسلامية‭ ‬بنين‭ ‬وبنات‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬لتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬معيشتهم‭ ‬ومعيشة‭ ‬أسرهم‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭.‬

رغم‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬تحسن‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬الموسكوفيين،‭ ‬ويمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للناس‭ ‬والاقبال‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الشقق‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬أحياء‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬بخدماتها‭ ‬واحتياجاتها‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬توسع‭ ‬الرقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬للمدينة،‭ ‬واكبها‭ ‬بناء‭ ‬محطات‭ ‬مترو‭ ‬جديدة‭ ‬لتتماشى‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬على‭ ‬المدينة‭.‬

أما‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬تربى‭ ‬بعد‭ ‬المرحلة‭ ‬السوفيتية‭ ‬حاله‭ ‬حال‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬جيل‭ ‬الهمبرغر‭ ‬والبيبسي‭ ‬كما‭ ‬سماهم‭ ‬زعيم‭ ‬الحزب‭ ‬الليبيرالي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الروسي‭ ‬الراحل‭ ‬فلاديمير‭ ‬جيرنوفسكي‭ ‬فهو‭ ‬جيل‭ ‬غير‭ ‬مبال‭ ‬وجيل‭ ‬اتكالي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬أصبحت‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية‭ ‬محببة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬السياح‭ ‬الخليجيين،‭ ‬ويمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬السياح‭ ‬القادمين‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وسلطنة‭ ‬عمان‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بأجوائها‭ ‬اللطيفة‭ ‬صيفا‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬حر‭ ‬ورطوبة‭ ‬أجواء‭ ‬الخليج‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا