العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قمة «بريكس» وتحدي الهيمنة الأمريكية

بقلم: د. ليلى نقولا {

السبت ٢٦ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

انعقدت‭ ‬القمة‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬لدول‭ ‬بريكس‭ ‬في‭ ‬جوهانسبرج‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية،‭ ‬بمشاركة‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬المؤسسة‭ ‬للمجموعة‭ ‬وحضورهم،‭ ‬منهم‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬المضيفة‭ ‬الرئيس‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقي‭ ‬سيريل‭ ‬رامافوزا،‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الهندي‭ ‬ناريندرا‭ ‬مودي‭ ‬والرئيس‭ ‬البرازيلي‭ ‬لويس‭ ‬إيناسيو‭ ‬لولا‭ ‬دا‭ ‬سيلفا،‭ ‬لكن‭ ‬بغياب‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬وقيل‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مذكرة‭ ‬التوقيف‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭.‬

وشمل‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬القمة‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مناقشة‭ ‬الأمور‭ ‬التقليدية‭ ‬السابقة،‭ ‬قضايا‭ ‬مهمة،‭ ‬هي‭ ‬مثار‭ ‬جدل‭ ‬وتباين‭ ‬في‭ ‬الآراء‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المنضوية،‭ ‬منها‭: ‬تأثيرات‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وانضمام‭ ‬دول‭ ‬جديدة‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة،‭ ‬والعملة‭ ‬الموحَّدة‭. ‬فما‭ ‬المتوقَّع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضايا،‭ ‬وما‭ ‬تأثيرها؟

1-‭  ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭: ‬يتفاوت‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬بريكس،‭ ‬فبينما‭ ‬ازدادت‭ ‬تجارة‭ ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬تراجعت‭ ‬الصادرات‭ ‬الروسية‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬الواسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬حزمات‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

وتطلع‭ ‬القادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬القمة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مفيدة‭ ‬تساعد‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬وتطوير‭ ‬إنتاجها،‭ ‬زراعياً‭ ‬وصناعياً،‭ ‬كما‭ ‬تطلع‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬قطعها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الرئيسين‭ ‬بوتين‭ ‬وشي‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ ‬للقادة‭ ‬الأفارقة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الوعد‭ ‬الروسي‭ ‬بتأمين‭ ‬حاجات‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬والأسمدة‭ ‬مجاناً‭.‬

2‭-  ‬انضمام‭ ‬دول‭ ‬جديدة‭: ‬تتمتع‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭ ‬بإمكانات‭ ‬هائلة،‭ ‬فمعدل‭ ‬نمو‭ ‬الصادرات‭ ‬بين‭ ‬دولها،‭ ‬ومستوى‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬فيها،‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي،‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقارير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬وتجدر‭ ‬الاشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حصة‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬ارتفعت‭ ‬من‭ ‬18%‭ ‬إلى‭ ‬26%‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2010‭ ‬و2021‭. ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬جعلت‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة،‭ ‬بحيث‭ ‬أعربت‭ ‬23‭ ‬دولة‭ ‬عن‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬الانضمام،‭ ‬منها‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬والإمارات‭ ‬والجزائر‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وإيران‭ ‬والأرجنتين‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬وغيرها‭.‬

ومن‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬يشكّل‭ ‬انضمام‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬تحوّلاً‭ ‬نوعياً‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬المجموعة،‭ ‬بسبب‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬النفطية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬الدولتان‭.‬

وتطمح‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬المجموعة‭ ‬وضم‭ ‬دول‭ ‬جديدة،‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تحدٍّ‭ ‬للإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬لنفوذهما‭ ‬وقدرتهما‭ ‬على‭ ‬فك‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تفرضها‭ ‬على‭ ‬الدولتين،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الصراع‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭.‬

كما‭ ‬يطمح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬إلى‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬قدرة‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬وتغيير‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬السائد،‭ ‬الذي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الآليات‭ ‬والقواعد‭ ‬الغربية‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬منع‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية،‭ ‬ولم‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬التي‭ ‬تتهم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بازدواجية‭ ‬المعايير‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬مؤسِّسة،‭ ‬كالهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تبدو‭ ‬متحفظة‭ ‬بشأن‭ ‬دخول‭ ‬أعضاء‭ ‬جدد‭ ‬بامتيازات‭ ‬كاملة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬الانضمام‭ ‬بصورة‭ ‬واسعة‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التباين،‭ ‬فكرياً‭ ‬ومصلحياً،‭ ‬ضمن‭ ‬المجموعة‭ ‬الواحدة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيحدّ‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬أو‭ ‬السير‭ ‬وفق‭ ‬أجندة‭ ‬ثابتة‭ ‬الأهداف‭. ‬كما‭ ‬يخشى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الروس‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬قرارات‭ ‬المجموعة‭ ‬بعد‭ ‬إدخال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬حلفائهم،‭ ‬فيكون‭ ‬لهم‭ ‬الرأي‭ ‬الراجح‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عملية‭ ‬تصويت‭ ‬مقبلة‭.‬

3‭-  ‬العملة‭ ‬الموحَّدة‭ ‬الجديدة‭: ‬ناقشت‭ ‬قمة‭ ‬بريكس‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬مسألة‭ ‬إنشاء‭ ‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬للتداول‭ ‬بين‭ ‬أعضائها،‭ ‬وهي‭ ‬فكرة،‭ ‬إن‭ ‬نجحت،‭ ‬يعدّ‭ ‬كثيرون‭ ‬أنها‭ ‬ستسهم،‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬كبير،‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭ ‬على‭ ‬التحويلات‭ ‬العالمية‭.‬

وفي‭ ‬رأي‭ ‬مغاير،‭ ‬يَعُدّ‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬الغربيين‭ ‬أن‭ ‬إطلاق‭ ‬بريكس‭ ‬عملة‭ ‬مدعومة‭ ‬بالذهب‭ ‬لن‭ ‬يشكّل‭ ‬تهديداً‭ ‬كبيراً‭ ‬لهيمنة‭ ‬الدولار،‭ ‬إذ‭ ‬تمثل‭ ‬الديون‭ ‬الأمريكية‭ ‬الهائلة‭ ‬لمعظم‭ ‬دول‭ ‬بريكس‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬سندات‭ ‬حكومية‭ ‬أمريكية‭ ‬وأسهم‭ ‬وحسابات‭ ‬جارية‭. ‬وبناء‭ ‬عليه‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬سيعني‭ ‬إقبالاً‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬لأنه‭ ‬مازال‭ ‬العملة‭ ‬العالمية‭ ‬الأكثر‭ ‬ثباتاً‭ ‬لغاية‭ ‬الآن،‭ ‬ومازال‭ ‬يتمتع‭ ‬بالثقة‭ ‬التي‭ ‬تجعله‭ ‬مرغوباً‭ ‬فيه‭ ‬كعملة‭ ‬احتياطية‭ ‬عالمية‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تمّ‭ ‬اقرار‭ ‬مبدأ‭ ‬إنشاء‭ ‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬فإن‭ ‬الانتقال‭ ‬اليها‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تحوّل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬المجموعة،‭ ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬احتاج‭ ‬الأوروبيون‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المجموعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬ككل،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬عملة‭ ‬اليورو،‭ ‬وهذا‭ ‬الامر‭ ‬احتاج‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬تقريباً‭.‬

{‭ ‬أستاذة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬اللبنانية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا