العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل نعيش عصر الأزمات والكوارث؟

بقلم: د. زكريا الخنجي.

الأحد ٢٧ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬غدت‭ ‬أخبار‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬والأزمات‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وتصنيفاتها‭ ‬تتزايد،‭ ‬وربما‭ ‬جاء‭ ‬تصريح‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ (‬أنطونيو‭ ‬غوتيريش‭) ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬ليتوج‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عصر‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬قد‭ ‬انتهى،‭ ‬والآن‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬عهد‭ (‬الغليان‭ ‬الحراري‭ ‬العالمي‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الحقائق‭ ‬العلمية‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬كلام؟‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭.‬

ولكن‭ ‬استكمالاً‭ ‬لكلام‭ ‬الأمين‭ ‬العام،‭ ‬فإنه‭ ‬يوضح‭ ‬أن‭ ‬عواقب‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ (‬واضحة‭ ‬ومأساوية‭) ‬حيث‭ ‬ستجرف‭ ‬الأمطار‭ ‬الموسمية‭ ‬الأطفال‭ ‬وستهرب‭ ‬العائلات‭ ‬من‭ ‬لهيب‭ ‬النيران‭ ‬وسينهار‭ ‬العمال‭ ‬بسبب‭ ‬الحر‭ ‬الشديد‭. ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصيف‭ ‬يقصد‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬2023‭- (‬قاس‭) ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أجزاء‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأوروبا،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أنها‭ (‬كارثة‭) ‬للكوكب‭ ‬بأسره‭.‬

وأكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬التوقعات‭ ‬والتحذيرات‭ ‬المتكررة،‭ ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬الوحيدة‭ ‬هي‭ (‬سرعة‭ ‬التغير‭)‬،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ (‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬صار‭ ‬هنا‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬أيضًا‭: ‬‮«‬لا‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التردد،‭ ‬لا‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأعذار،‭ ‬لا‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬انتظار‭ ‬الآخرين‭ ‬للتحرك‭ ‬أولاً‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬قضية‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬قضية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬كلها‭ ‬تهدد‭ ‬بقاء‭ ‬البشرية‭ ‬واستقرارها‭ ‬في‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬فهناك‭ ‬عدد‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والأزمات‭ ‬تحيط‭ ‬بالإنسان‭ ‬والكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬بعضها‭ ‬أو‭ ‬جلها‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بالاقتصاد،‭ ‬وعدد‭ ‬منها‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالبيئة‭ ‬والصحة‭ ‬والطبيعة،‭ ‬فلنستعرض‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

عودة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وأزمة‭ ‬الغذاء‭ ‬الساخنة

يثير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭: ‬

لماذا‭ ‬كان‭ ‬عهد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وسباق‭ ‬التسلح‭ ‬الخطير،‭ ‬والصراع‭ ‬الآيديولوجي‭ ‬الوجودي‭ ‬المتأجج‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭ ‬الشيوعي‭ ‬والرأسمالي،‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬تقلصت‭ ‬فيه‭ ‬الصراعات‭ ‬الآيديولوجية،‭ ‬وتسيَّدت‭ ‬فيه‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الغربية‭ ‬دون‭ ‬منازع؟‭ ‬وحتى‭ ‬الصين،‭ ‬الشيوعية‭ ‬رسميًا،‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬تنهج‭ ‬نهجًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬رأسماليًا؟

ولماذا‭ ‬أصبحنا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الحِلْفَين‭ ‬العسكريين‭ ‬العملاقين،‭ ‬الناتو‭ ‬ووارسو،‭ ‬حيث‭ ‬الرؤوس‭ ‬النووية‭ ‬المتقابلة،‭ ‬وحالة‭ ‬الإنذار‭ ‬القصوى‭ ‬واقتراب‭ ‬الأصابع‭ ‬من‭ ‬أزرار‭ ‬الرؤوس‭ ‬النووية‭ ‬أحيانًا،‭ ‬بأنه‭ ‬أكثر‭ ‬أمانًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬الذي‭ ‬اختفى‭ ‬فيه‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬كليًا،‭ ‬وانضم‭ ‬معظم‭ ‬أعضائه‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وأصبحت‭ ‬فيه‭ ‬القوى‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الغربية‭ ‬أقوى‭ ‬عسكريًا‭ ‬وأغنى‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬وأكثر‭ ‬تطورًا‭ ‬علميًا‭ ‬وأسرع‭ ‬لوجستيًا‭ ‬واتصاليًا؟‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬الوسائل‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والتعاون‭ ‬الدولي‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬الحربين‭ ‬الكونيتين‭ ‬المدمرتين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

ربما‭ ‬يُعزى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراع،‭ ‬فهو‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬الثروة‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الآيديولوجية،‭ ‬وكذلك‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬التفاهم‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬المتصارعة،‭ ‬وصعوبة‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬الخلافية،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالنزاع‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬فلا‭ ‬الروس‭ ‬مستعدون‭ ‬للتراجع‭ ‬عن‭ ‬تدخلهم‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالهزيمة‭ ‬ولعق‭ ‬الجراح،‭ ‬ولا‭ ‬الغربيون‭ ‬مستعدون‭ ‬للتساهل‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التجاوز‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬يعتبرونها،‭ ‬وتعتبر‭ ‬نفسها،‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭.‬

والحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬متجاورتين،‭ ‬بل‭ ‬ألقت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬ضاعفت‭ ‬من‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة،‭ ‬بسبب‭ ‬فرض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬والنشاطات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كافة،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬التضخم‭ ‬بشكل‭ ‬متسارع،‭ ‬وأوقفت‭ ‬إمدادات‭ ‬القمح‭ ‬العالمية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬خلق،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يخلق،‭ ‬أزمة‭ ‬غذاء‭ ‬عالمية‭ ‬خطيرة،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬أنها‭ ‬أوقفت‭ ‬تصدير‭ ‬القمح‭ ‬من‭ ‬دولتين‭ ‬رئيسيتين‭ ‬لإنتاج‭ ‬القمح‭ ‬العالمي،‭ ‬هما‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬بينها‭ ‬الهند‭ ‬مثلاً،‭ ‬وهي‭ ‬منتج‭ ‬كبير‭ ‬للحبوب،‭ ‬إلى‭ ‬إيقاف‭ ‬صادراتها‭ ‬من‭ ‬الحبوب،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التلاعب‭ ‬في‭ ‬الأسعار،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬فاقم‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الفقيرة‭ ‬منها،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬الأثمان‭ ‬العالية‭ ‬للقمح‭ ‬والمنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية‭. ‬ولقد‭ ‬قرأنا‭ ‬ما‭ ‬حذَّر‭ ‬به‭ ‬المبعوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬العالمي‭ (‬كاري‭ ‬فاولار‭) ‬من‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬الغذاء‭ ‬العالمية‭ ‬لن‭ ‬تختفي‭ ‬قريبًا،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تستمر‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

وما‭ ‬يزيد‭ ‬الأزمة‭ ‬تفاقمًا‭ ‬هو‭ ‬الإنفاق‭ ‬المتسارع‭ ‬على‭ ‬التسلح‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬ودول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬الأموال‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التطوير‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬أخذت‭ ‬تتدفق‭ ‬على‭ ‬الجيوش‭ ‬ومصانع‭ ‬الأسلحة‭. ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬سينخفض‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭.‬8% ‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ5‭.‬7% في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬تخلله‭ ‬إغلاق‭ ‬شامل‭ ‬لمعظم‭ ‬الأنشطة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عديدة‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وأنه‭ ‬سيبقى‭ ‬بهذا‭ ‬المستوى‭ ‬خلال‭ ‬عامي‭ ‬2023‭ ‬و2024،‭ ‬بينما‭ ‬سينخفض‭ ‬معدل‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭ ‬بنسبة‭ ‬5% ‭ ‬هذا‭ ‬العام‭. ‬هكذا‭ ‬تشير‭ ‬التقارير‭.‬

الاقتصاد‭ ‬أزمة‭ ‬عالمية‭ ‬دائمة

اقتصاديًا،‭ ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬تضخم‭ ‬وديون،‭ ‬إذ‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬قنبلة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنفجر‭ ‬باقتصاده‭ ‬بين‭ ‬لحظة‭ ‬وأُخرى،‭ ‬مع‭ ‬استفحال‭ ‬الغلاء‭ ‬وشح‭ ‬السيولة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة‭. ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تُنذر‭ ‬بها‭ ‬المؤشرات‭ ‬بانهيار‭ ‬محتمل،‭ ‬فالاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬مرّ‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المخاطر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭. ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬كثير‭ ‬منا‭ ‬يتذكر‭ ‬انهيار‭ ‬سوق‭ ‬الإسكان‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬والأزمة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬ذلك‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وكذلك‭ ‬أزمة‭ (‬منطقة‭ ‬اليورو‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬نتائج‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬وبلغت‭ ‬ذروتها‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2010‭ ‬و2012‭. ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬الأزمة‭ ‬عندما‭ ‬أعلنت‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬عجزها‭ ‬عن‭ ‬سداد‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬تمويل‭ ‬ديونها‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬إنقاذ‭ ‬بنوكها‭ ‬المحاصرة،‭ ‬دون‭ ‬مساعدة‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬مالية‭ ‬خارجية،‭ ‬وشملت‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬المنطقة‭ ‬الأوروبية‭ ‬كالبرتغال‭ ‬واليونان‭ ‬وقبرص‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬إسبانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬بشكل‭ ‬أقل‭ ‬حدة،‭ ‬ووضعت‭ ‬المنطقة‭ ‬برمتها‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ولكن،‭ ‬شهدت‭ ‬نهاية‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬وبداية‭ ‬2023‭ ‬صدور‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬الآفاق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لعام‭ ‬2023،‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬هو‭ ‬إجماعها‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬ركود‭ ‬وتضخم‭. ‬ويأتي‭ ‬التنبؤ‭ ‬بركود‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بعد‭ ‬بداية‭ ‬تعافيه‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وتضرر‭ ‬سوق‭ ‬الطاقة‭ ‬والحبوب‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬فهل‭ ‬هي‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬تضخم‭ ‬متبوع‭ ‬بركود‭ ‬عام؟‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إجماعا‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬غريب‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬حاد،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يشير‭ ‬أحدث‭ ‬تقرير‭ ‬للبنك‭ ‬الدولي‭ ‬عن‭ ‬الآفاق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬العالمي‭ ‬سيتباطأ‭ ‬بشدة‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬1.7% ‭ ‬خلال‭ ‬2023‭. ‬ولا‭ ‬يستثني‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬اقتصادًا‭ ‬معينًا،‭ ‬بل‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬اقتصادات‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬سيكون‭ ‬تراجع‭ ‬النمو‭ ‬عمومًا‭ ‬حادًّا‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انخفاض‭ ‬توقعات‭ ‬النمو‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬95% ‭ ‬من‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المتقدمة‭ ‬ونحو‭ ‬70% ‭ ‬من‭ ‬اقتصادات‭ ‬الأسواق‭ ‬الصاعدة‭ ‬والاقتصادات‭ ‬النامية‭.‬

أما‭ ‬تقرير‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬لعام‭ ‬2022‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬أزمة‭ ‬فوق‭ ‬أزمة‭) ‬فيشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬يواجه‭ ‬حاليًا‭ ‬أكبر‭ ‬اختبار‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬بعد‭ ‬ارتفاع‭ ‬التكاليف‭ ‬الصحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬أثّر‭ ‬بصفة‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬سبل‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الانعكاسات‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬جراء‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الارتفاع‭ ‬الحاد‭ ‬لأسعار‭ ‬الغذاء‭ ‬والوقود‭. ‬يضاف‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬اتساع‭ ‬نطاق‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬توسع‭ ‬حجم‭ ‬الهشاشة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬دخل‭ ‬الأفراد‭ ‬ومستويات‭ ‬معيشتهم‭.‬

كوارث‭ ‬طبيعية‭ ‬تتوج‭ ‬الأزمات

لم‭ ‬يهدأ‭ ‬العالم‭ ‬ولم‭ ‬يستقر‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬حتى‭ ‬أعلنت‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬الاستعداد‭ ‬للتصدي‭ ‬للفيروس‭ ‬المتحور‭ ‬الجديد،‭ ‬فكيف‭ ‬حدث؟

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬المنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬للأرصاد‭ ‬الجوية‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬سبتمبر‭ ‬2021‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مثل‭ ‬الفيضانات‭ ‬وموجات‭ ‬الحر،‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬زادت‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الخمسين‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية‭ ‬وأودت‭ ‬بحياة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬شخص،‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬خسائر‭ ‬بلغت‭ ‬3‭.‬64‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار،‭ ‬وحسب‭ ‬تقرير‭ ‬أممي،‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬سيشهد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ (‬نوبات‭ ‬الطقس‭ ‬المتطرف‭).‬

كما‭ ‬تشير‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موجات‭ ‬الحر‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬باتت‭ ‬أمرًا‭ ‬شائعًا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬ولايات‭ ‬أمريكا‭ ‬كواشنطن‭ ‬وأوريغون‭ ‬وكذلك‭ ‬مقاطعة‭ ‬بريتيش‭ ‬كولومبيا‭ ‬الكندية،‭ ‬وتسببت‭ ‬المستويات‭ ‬القياسية‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ (‬قبة‭ ‬حرارية‭) ‬نادرة‭ ‬القوة‭ ‬حيث‭ ‬حُبس‭ ‬الهواء‭ ‬الساخن‭ ‬أياما،‭ ‬في‭ ‬وفاة‭ ‬المئات‭. ‬

وفي‭ ‬مدغشقر،‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭ ‬الحاد‭ ‬يعاني‭ ‬قرابة‭ ‬1‭.‬14‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬إذ‭ ‬يضطر‭ ‬كثيرون‭ ‬إلى‭ ‬أكل‭ ‬الصبار‭ ‬وأوراق‭ ‬الأشجار‭ ‬وحتى‭ ‬الجراد‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬المجاعة‭. ‬ويقول‭ ‬العلماء‭ ‬إن‭ ‬الوضع‭ ‬المتردي‭ ‬في‭ ‬مدغشقر‭ ‬يشكل‭ ‬أول‭ ‬مجاعة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬يكون‭ ‬سببها‭ ‬الرئيسي‭ ‬ظاهرة‭ (‬التغير‭ ‬المناخي‭).‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬مما‭ ‬يجدر‭ ‬ذكره‭ ‬أنه‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬النازحين‭ ‬جراء‭ ‬الصراعات‭ ‬والكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬معدل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬عشر‭ ‬سنوات؛‭ ‬إذ‭ ‬بلغ‭ ‬رقمًا‭ ‬قياسيًا‭ ‬تجاوز‭ ‬عتبة‭ ‬55‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬فروا‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭. ‬كذلك‭ ‬اضطر‭ ‬قرابة‭ ‬26‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬عبور‭ ‬حدود‭ ‬بلادهم‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الملامح،‭ ‬تُرى‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬هل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬والكوارث‭ ‬مدبرة،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬بالفعل‭ ‬بأسباب‭ ‬طبيعية‭ ‬غير‭ ‬بشرية؟‭ ‬وربما‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم،‭ ‬أين‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا