العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

استشراف مستقبل الصراع على أرض فلسطين

بقلم: أحمد عيسى

الأربعاء ٣٠ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

يقول‭ ‬المفكر‭ ‬الإداري‭ ‬العظيم‭ ‬‮«‬بيتر‭ ‬إف‭ ‬دراكر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬علما‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ (‬أفكار‭ ‬دراكر‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭)‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬في‭ ‬المذكرة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬استشراف‭ ‬المستقبل‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬مكتبة‭ ‬جرير‭ ‬السعودية‭ ‬المعروفة‭ ‬قد‭ ‬نشرت‭ ‬الطبعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬إن‭ ‬علماء‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬يقيسون‭ ‬نجاحاتهم‭ ‬بعدد‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬توقعوا‭ ‬حدوثها‭ ‬وحدثت‭ ‬بالفعل،‭ ‬ولم‭ ‬يحسبوا‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ضمن‭ ‬توقعاتهم‭.‬

ربما‭ ‬يتحقق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬مستشرفو‭ ‬المستقبل،‭ ‬ولكنهم‭ ‬ربما‭ ‬يغفلون‭ ‬أهم‭ ‬الأشياء‭ ‬في‭ ‬الحقائق‭ ‬الواضحة‭ ‬الماثلة‭ ‬أمامهم،‭ ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعيرونها‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭.‬

ويتابع‭ ‬دراكر‭: ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬لسنا‭ ‬بصدد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عند‭ ‬توقع‭ ‬المستقبل،‭ ‬فالأشياء‭ ‬المهمة‭ ‬والمميزة‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬نتيجة‭ ‬تغيرات‭ ‬في‭ ‬القيم،‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والأهداف،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استنتاجها‭ ‬وليس‭ ‬التنبؤ‭ ‬بها‭.‬

ويضيف‭ ‬دراكر‭: ‬ولكن‭ ‬أهم‭ ‬عمل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬مدير‭ ‬المؤسسة‭ ‬هو‭ ‬تحديد‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬بالفعل،‭ ‬فالتحدي‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬المجتمع‭ ‬بمجاليه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬هو‭ ‬استغلال‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬بالفعل‭ ‬كفرص‭ ‬سانحة،‭ ‬فالشيء‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬توقع‭ ‬المستقبل‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬بالفعل‭ ‬ثم‭ ‬تنمية‭ ‬المناهج‭ ‬التي‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬إدراك‭ ‬وتحليل‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭.‬

ويختم‭ ‬دراكر‭ ‬مذكرته‭ ‬باقتراح‭ ‬إجراء‭ ‬عملي‭ ‬لمديري‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تبتغي‭ ‬التقدم‭ ‬والترقي‭: ‬حدد‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬واكتب‭ ‬ورقة‭ ‬عن‭ ‬احتمالية‭ ‬استمرار‭ ‬تلك‭ ‬الاتجاهات‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬حياتك‭ ‬ومؤسستك‭.‬

العالم‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬يتحول‭ ‬ويتغير،‭ ‬وقد‭ ‬دفع‭ ‬هذا‭ ‬التغير‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬إلى‭ ‬القول‭: ‬‮«‬عام‭ ‬2023‭ ‬هو‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬لصالح‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬عنوان‭ ‬مقالة‭ ‬للخبير‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عاما‭ (‬ميخائيل‭ ‬بلتنيك‭) ‬نشرت‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬موندويس‭ ‬الأمريكي‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الموافق‭ ‬18‭ ‬أغسطس‭ ‬2023‭.‬

وقد‭ ‬بنى‭ ‬بلتنيك‭ ‬توقعه‭ ‬هذا‭ ‬تأسيساً‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬متغيرات؛‭ ‬الأول‭ ‬منها‭ ‬يتعلق‭ ‬بحقيقة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭ ‬كدولة‭ ‬فصل‭ ‬عنصري‭ ‬‮«‬أبارتهايد‮»‬‭ ‬الوسم‭ ‬الذي‭ ‬تزداد‭ ‬قناعة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬وكل‭ ‬يوم‭. ‬ويستطرد‭ ‬بلتنيك‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬أسبوعيا‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬مطالبة‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬ووقف‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬القضائية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬عنصرية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أنها‭ ‬تطالب‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬لمواطنيها‭ ‬اليهود‭ ‬فقط،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬للمواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالصعود‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬الخطابة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بحقوقهم‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬اقتران‭ ‬اسم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالأبارتهايد‭ ‬على‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬11‭ ‬مليون‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الواحد‭ ‬طبقاً‭ ‬لموقع‭ ‬سيمراش‭(‬Semrush‭) ‬؛‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬هذا‭ ‬الاقتران‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬50‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬بحسب‭ ‬مذكرة‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلة‭ ‬تقييم‭ ‬استراتيجي‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬معهد‭ ‬إسرائيل‭ ‬لدراسات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬قبل‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭.‬

أما‭ ‬المتغير‭ ‬الثاني‭ ‬فيدور‭ ‬حول‭ ‬التغيرات‭ ‬الدراماتيكية‭ ‬الآخذة‭ ‬بالازدياد‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الأمريكي‭ ‬ودعمه‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬إذ‭ ‬تظهر‭ ‬تقارير‭ ‬أخرى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬داعماً‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬هرم‭ ‬قيادة‭ ‬الحزب‭ ‬إلا‭ ‬رأس‭ ‬الهرم‭ ‬فقط،‭ ‬أما‭ ‬قاعدته‭ ‬ووسطه‭ ‬فقد‭ ‬حسموا‭ ‬أمرهم‭ ‬نحو‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يحسم‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بالكامل‭ ‬لصالح‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمان‭.‬

ويتعلق‭ ‬المتغير‭ ‬الثالث‭ ‬بصعود‭ ‬الصين‭ ‬ونهاية‭ ‬حقبة‭ ‬القطب‭ ‬الواحد،‭ ‬ومطالبتها؛‭ ‬أي‭ ‬الصين‭ ‬وشركائها‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الصاعدة،‭ ‬لقيادة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬برفع‭ ‬الظلم‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تجلى‭ ‬أيما‭ ‬تجل‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬لقمة‭ ‬بريكس‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬أجادل‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬عليه،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬‮«‬أن‭ ‬العدل‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يسير‭ ‬عجلات‭ ‬التاريخ‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬شاعرنا‭ ‬العظيم‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬إعلان‭ ‬استقلال‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬فتح‮»‬‭ ‬صاحبة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وقيادتها‭ ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬قرارها‭ ‬بعقد‭ ‬مؤتمرها‭ ‬الثامن‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬أن‭ ‬استغلال‭ ‬واستثمار‭ ‬ما‭ ‬تنطوي‭ ‬عليه‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬عدم‭ ‬إنتاج‭ ‬الماضي‭ ‬واختيار‭ ‬المؤهلين‭ ‬الأكفاء‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬وإدراك‭ ‬اللحظة‭ ‬والبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ (‬ميخائيل‭ ‬بلتنيك‭) ‬في‭ ‬مقالته‭.‬

 

{‭ ‬باحث‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا