إن التضاد أو التمايز المزعوم بين الدين والعلم هو ثمرة فعل ثقافي غربي أساساً.
وإن علينا أن نسترجع المبادرة في تصحيح الصلة بين الدين والعلم، وذلك بالرجوع إلى مصدر يتجاوز التحريفات والانتحالات والغلو والافراط والتفريط، وهذا المصدر هو القرآن الكريم، وما يتبعه من سنة صحيحة.
وإننا بالرجوع إلى القرآن نتمكن من تصحيح تلك الصلة بين الدين والعلم، تلك الصلة التي ران عليها نموذج حضاري وثقافي غربي، ليس بالضرورة أن يُتخذ نموذجا وقدوة، في بناء هذه الصلة الضرورية بين الدين والعلم.
وبالرجوع إلى القرآن الكريم وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم نجد مجموعة مبادئ وقواعد تؤسس للصلة السليمة بين الدين والعلم، تحقق مصالح الإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة. ولعل أول ما يؤسس العلاقة بين الدين والعلم هو الصورة التي نجدها في القرآن عن العلم والعلماء ومكانة العلماء في الإسلام. فالمكانة العليا هي للعلماء في المجتمع وفي التدين وفي كل مناشط الحياة، وهي ليست مكانة سحرية أو خرافية، أو موروثة برابطة الدم أو النسب الاسطوري، كما كان في الأمم السابقة، بل هي مكانة موضوعية تصنع وفق مناهج موضوعية، وهي مكانة مفتوحة لمن أراد أن يتبوأها، بغضّ النظر عن جنسه ونسبه ولغته ولونه ومكانته الاجتماعية، لأنها مؤسسة على تحصيل المعرفة وفق مناهج موضوعية، بها يحقق الانسان تدينه الحق، ويحقق عمارته للأرض، وبناء حضارته، وبلوغ مقاصده في الدنيا وفي الآخرة.
إن القرآن رفع من مكانة العلماء إلى درجات لم تحدث في أي دين آخر ولا في كتاب سماوي آخر. يقول تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» [سورة المجادلة:11]، و«وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا» [سورة طه:114]. وجاء في الحديث «من سلك طريقاً يبتغي به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ»، بل إن مما امتن الله به على رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه علمه ما لم يكن يعلم، «وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» [سورة النساء: 113].
ليس هذا فحسب، بل جعل الله سبحانه وتعالى شهادة العلماء على وحدانيته وقيامه بالقسط مقرونة بشهادة الله سبحانه وملائكته، قال تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [سورة آل عمران: 18].
{ باحث جزائري، دكتوراه في دراسات الحضارة والفلسفة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك