العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في عالم التكتلات الجديدة

بقلم: د. عمرو حمزاوي

السبت ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

 

منذ‭ ‬بدايات‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬وأوضاع‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬مطرد‭.‬

كانت‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بانتصار‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تفككت‭ ‬الكتلة‭ ‬الشرقية‭ ‬وزال‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭.‬

كانت‭ ‬التسعينيات‭ ‬هي‭ ‬عقد‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الانفرادية‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬عقد‭ ‬التدخلات‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفائها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الصراعات‭ ‬الإقليمية‭ (‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬وحروب‭ ‬يوغوسلافيا‭ ‬السابقة‭ ‬كمثالين‭)‬،‭ ‬عقد‭ ‬الاستتباع‭ ‬الروسي‭ ‬للإرادة‭ ‬الغربية‭ ‬الذي‭ ‬جسده‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسين‭ ‬بخضوعه‭ ‬التام‭ ‬للأمريكيين‭ ‬والأوروبيين‭ ‬وكمون‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬فضلت‭ ‬مواصلة‭ ‬جهودها‭ ‬التنموية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والابتعاد‭ ‬التام‭ ‬عن‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬المستعرة‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬حمل‭ ‬تحولات‭ ‬عديدة‭ ‬ومتتالية‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أولى،‭ ‬عادت‭ ‬روسيا‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬الفعل‭ ‬الدولي‭ ‬وتوجهت‭ ‬إلى‭ ‬مناوءة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬وشرق‭ ‬أوروبا‭ ‬ومناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ (‬عبر‭ ‬الحليف‭ ‬الإيراني‭ ‬والحليف‭ ‬السوري‭) ‬وإفريقيا‭ (‬شمالا‭ ‬وجنوبا‭) ‬وفى‭ ‬آسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬الصين‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬شهدت‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬2020‭ ‬صعودا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وماليا‭ ‬محموما‭ ‬للصين‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬صاحبة‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ووسعت‭ ‬من‭ ‬شبكات‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية‭ ‬ومن‭ ‬إقراضها‭ ‬التنموي‭ ‬لدول‭ ‬الجنوب‭ ‬ومن‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وشرعت‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الحيوية‭ ‬لأمنها‭ ‬بمضامينه‭ ‬المتكاملة‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬الهنديالهادي‭ ‬إلى‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬مرورا‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬ثالثة،‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الفترة‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬بلدان‭ ‬وسط‭ ‬أوروبا‭ ‬والبلقان‭ ‬وفي‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬الآسيوية‭ ‬والإفريقية‭ ‬ونتج‭ ‬عنها‭ ‬إما‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬الحكم‭ ‬أو‭ ‬انهيار‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬وانفجار‭ ‬الصراعات‭ ‬الأهلية‭ ‬أو‭ ‬أزمات‭ ‬أمن‭ ‬إنساني‭ ‬متراكمة‭ ‬وطويلة‭ ‬المدى‭. ‬وإزاء‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬انفجرت‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بما‭ ‬تحويه‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬نفط‭ ‬وغاز‭ ‬هائلة‭ ‬ومصالح‭ ‬استراتيجية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬للقوى‭ ‬الكبرى‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬تحرك‭ ‬كبار‭ ‬العالم‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحهم‭.‬

لم‭ ‬تترك‭ ‬روسيا‭ ‬ولا‭ ‬الصين‭ ‬المجال‭ ‬للمعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬المقاد‭ ‬أمريكيا‭ ‬للفعل‭ ‬بمفرده‭. ‬حضرت‭ ‬روسيا‭ ‬بقوة‭ ‬فيما‭ ‬خص‭ ‬أزمات‭ ‬وصراعات‭ ‬إيران‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬وبعض‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وحضرت‭ ‬الصين‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وتجاريا‭ ‬وتنمويا‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬وأمنيا‭ ‬ثانيا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬الهنديالهادي‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفي‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬الجانب‭ ‬الأوروبي‭ ‬المجال‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بمفردها‭ ‬لتفرض‭ ‬إرادتها‭ ‬باسم‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفي‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بل‭ ‬زاحمها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭. ‬وكذلك‭ ‬طورت‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬علاقات‭ ‬تعاون‭ ‬مركبة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ (‬استيراد‭ ‬الطاقة‭ ‬مثالا‭) ‬لم‭ ‬تتدهور‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬اشتعال‭ ‬الحرب‭ ‬الروسيةالأوكرانية‭ ‬في‭ ‬2022،‭ ‬ومع‭ ‬الصين‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وتجاريا‭ (‬الاستثمارات‭ ‬الصناعية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬الأوروبية‭ ‬الهائلة‭ ‬نموذجا‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬ابتعدت‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬منافسة‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬الهنديالهادي‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬الوسطى‭ ‬والجنوبية‭.‬

تغيرت‭ ‬إذن‭ ‬التفاعلات‭ ‬العالمية‭ ‬ودخلت‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬الصراعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬المختلفة‭ ‬وفي‭ ‬سياقات‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬عديد‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬غابت‭ ‬فترات‭ ‬كروسيا‭ ‬أو‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬كمونها‭ ‬كالصين‭ ‬أو‭ ‬سعت‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية‭ ‬كالدول‭ ‬الأوروبية‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬استنزفت‭ ‬أدواتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬رأسمالها‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والآيديولوجي‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬الكثيرة‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬التسعينيات،‭ ‬وارتفعت‭ ‬أصوات‭ ‬نخبها‭ ‬السياسية‭ ‬والبحثية‭ ‬تطالب‭ ‬بتقليل‭ ‬الانكشاف‭ ‬الأمريكي‭ ‬عالميا‭ ‬وتحجيم‭ ‬الدور‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬حيث‭ ‬يستطيع‭ ‬الحلفاء‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحهم‭ ‬ومصالح‭ ‬واشنطن‭ ‬إذا‭ ‬قرروا‭ ‬الاستثمار‭ ‬الجاد‭ ‬في‭ ‬موازنات‭ ‬الدفاع‭ ‬والأمن‭ ‬وكذلك‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬حيث‭ ‬الأزمات‭ ‬والصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهى‭.‬

وفيما‭ ‬خص‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬دفعت‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬والبحثية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بحقيقة‭ ‬تراجع‭ ‬أهمية‭ ‬مصالح‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬هناك‭ ‬مع‭ ‬تحقيقها‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭. ‬أما‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬منطقتنا،‭ ‬فتحركت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬آسيويا‭ ‬لمواجهة‭ ‬الصعود‭ ‬الصيني‭ ‬المهدد‭ ‬لمصالحها‭ ‬ومصالح‭ ‬حلفائها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬الهنديالهادي،‭ ‬وإفريقيا‭ ‬للانفتاح‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬الأفقر‭ ‬حيث‭ ‬التبعية‭ ‬للإقراض‭ ‬التنموي‭ ‬الصيني‭ ‬وحيث‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والأمنية‭ ‬مع‭ ‬العملاق‭ ‬الآسيوي‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬مستمر‭.‬

ومع‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬وتداعياتها‭ ‬الصعبة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬تكالب‭ ‬كبار‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬تعويض‭ ‬خسائرهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية‭ ‬بأنماط‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬وبصنوف‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التحالفات‭ ‬الدولية‭ ‬تارة‭ ‬لأغراض‭ ‬التنمية‭ ‬والاستثمار‭ ‬وتارة‭ ‬لأغراض‭ ‬الإقراض،‭ ‬صار‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬القوة‭ ‬الكبرى‭ ‬الوحيدة‭ ‬المتحكمة‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة؛‭ ‬فقد‭ ‬أضحت‭ ‬الصين‭ ‬منافسا‭ ‬شرسا،‭ ‬وتنامت‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬وصادرات‭ ‬السلاح‭ ‬الروسية،‭ ‬واتسعت‭ ‬مجالات‭ ‬التعاون‭ ‬التنموي‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬وعديد‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬وباتت‭ ‬لدول‭ ‬الجنوب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الحكومات‭ ‬الصينية‭ ‬والروسية‭ ‬والهندية‭ ‬وطلب‭ ‬قروضها‭ ‬التنموية‭ ‬ومساعداتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬والصناعية‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬القروض‭ ‬والمساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭.‬

ولم‭ ‬يسبب‭ ‬اشتعال‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭-‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬2022‭ ‬سوى‭ ‬توضيح‭ ‬تراتبية‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬أو‭ ‬بعيدا‭ ‬عنه‭. ‬فاتضح‭ ‬احتياج‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬إلى‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عسكريا‭ ‬وأمنيا‭ ‬وكذلك‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تبعيتها‭ ‬للطاقة‭ ‬المستوردة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭. ‬وظهر‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬روسيا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الصين‭. ‬وباتت‭ ‬جلية‭ ‬رغبة‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬ومواصلة‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬المحور‭ ‬الصينيالروسي‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بعلاقات‭ ‬تعاون‭ ‬جيدة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭. ‬وحين‭ ‬سعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬الهند‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬النفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬المتزايد‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الآسيوية‭ ‬وفي‭ ‬المحيطين‭ ‬الهادي‭ ‬والهندي‭ ‬وقدمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عروض‭ ‬التعاون‭ ‬السخية‭ (‬مذكرات‭ ‬التفاهم‭ ‬الموقعة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬خلال‭ ‬الزيارة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لرئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الهند‭)‬،‭ ‬تحفظ‭ ‬الطرف‭ ‬الهندي‭ ‬على‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬عملاق‭ ‬آسيوي‭ ‬يجاوره‭ ‬ويتفوق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬والقدرات‭ ‬وله‭ ‬معه‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة‭ ‬ورفض‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬تحالفات‭ ‬عالمية‭ ‬وإقليمية‭ ‬غرضها‭ ‬الوحيد‭ ‬حصار‭ ‬الصين‭.‬

العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬2023،‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬منافسة‭ ‬ثنائية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬المتراجعة،‭ ‬والصين،‭ ‬العملاق‭ ‬الآسيوي‭ ‬الصاعد‭. ‬وعلى‭ ‬وقع‭ ‬هذه‭ ‬المنافسة‭ ‬الثنائية‭ ‬أيضا‭ ‬تتحدد‭ ‬ملامح‭ ‬التفاعلات‭ ‬الدولية‭ ‬الجديدة‭ ‬ومواقف‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والهند‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭. ‬وعلى‭ ‬وقعها،‭ ‬أخيرا،‭ ‬تتشكل‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وسياسات‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬المعروض‭ ‬أمريكيا‭ ‬وغربيا‭ ‬والمعروض‭ ‬صينيا‭ ‬وروسيا‭ ‬وهنديا‭.‬

وليس‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند‭ ‬لتوسيع‭ ‬عضوية‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬البريكس‮»‬‭ ‬بضم‭ ‬مصر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬إفريقيا‭ ‬والسعودية‭ ‬وإيران‭ ‬والإمارات‭ ‬آسيويا‭ ‬والأرجنتين‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬سوى‭ ‬المثال‭ ‬الراهن‭ ‬الأكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬على‭ ‬عالم‭ ‬التفاعلات‭ ‬والتكتلات‭ ‬الجديدة‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يحيط‭ ‬بنا‭ ‬وشرع‭ ‬يغير‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومركزية‭ ‬الغرب‭.‬

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

في‭ ‬جامعة‭ ‬ستانفورد‭ ‬الأمريكية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا