العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل انتهى الحلم الديمقراطي في السودان؟

بقلم: فاروق يوسف

السبت ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

اقتتل‭ ‬العسكر‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬فتراجع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬عن‭ ‬آماله‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬إنجازات‭ ‬تاريخية‭.‬

لقد‭ ‬أعاق‭ ‬العسكر‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وحين‭ ‬دخلت‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الحكم‭ ‬ازداد‭ ‬المجتمع‭ ‬تخبطا‭ ‬وضياعا‭. ‬وكما‭ ‬يُقال‭ ‬‮«‬البوصلة‭ ‬انكسرت‮»‬‭.‬

كان‭ ‬العسكر‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬واجهة‭ ‬التغيير‭. ‬عسكري‭ ‬أنهى‭ ‬حكم‭ ‬النميري‭ ‬وعسكري‭ ‬آخر‭ ‬قاد‭ ‬البشير‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭. ‬والآن‭ ‬عسكريان‭ ‬يختصمان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ينفرد‭ ‬أحدهما‭ ‬بالحكم‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الطريق‭ ‬الوعرة‭ ‬والشائكة‭ ‬حدثت‭ ‬كوارث‭ ‬كثيرة‭ ‬كتبت‭ ‬تاريخ‭ ‬السودان‭ ‬بدماء‭ ‬ضحايا‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬أنهم‭ ‬يقيمون‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬قرر‭ ‬المحاربون‭ ‬الطاعنون‭ ‬في‭ ‬القسوة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منطقة‭ ‬حرام‭ ‬لمعاركهم‭.‬

ألا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فريق‭ ‬بعينه‭ ‬على‭ ‬حق؟‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬ذلك‭ ‬الفريق‭ ‬فيما‭ ‬يتم‭ ‬استبعاد‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬حلم‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بعودة‭ ‬العسكر‭ ‬إلى‭ ‬معسكراتهم‭ ‬أو‭ ‬ثكناتهم؟

لقد‭ ‬انصرف‭ ‬المجتمع‭ ‬حين‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬البشير‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بداية‭ ‬لتاريخ‭ ‬سوداني‭ ‬جديد‭. ‬ذلك‭ ‬تاريخ‭ ‬يكتبه‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مغيبا‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭.‬

ولكن‭ ‬عيون‭ ‬العسكر‭ ‬كانت‭ ‬مصوبة‭ ‬على‭ ‬الخارج‭. ‬توهموا‭ ‬أن‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬سيفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مغلقة‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭.‬

لم‭ ‬يستمر‭ ‬ذلك‭ ‬الوهم‭ ‬طويلا،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬الحكام‭ ‬الجدد‭ ‬لم‭ ‬يعترف‭ ‬بذلك‭ .‬

تدهورت‭ ‬آمال‭ ‬العسكر‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الشعب‭ ‬يرنو‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬آخر‭ ‬بآمال‭ ‬مختلفة‭. ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يتعلق‭ ‬بهوية‭ ‬الشعب‭ ‬ضروري‭ ‬لمعرفة‭ ‬تلك‭ ‬الآمال‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬حسن‭ ‬البشير‭ ‬قد‭ ‬اقتيد‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬فإن‭ ‬مرحلته‭ ‬لم‭ ‬تنته‭. ‬تحت‭ ‬القشرة‭ ‬يقف‭ ‬الإسلاميون‭ ‬وهم‭ ‬دعاة‭ ‬سودان‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬آمال‭ ‬شعبه‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬مدنية‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬يخرجون‭ ‬رؤوسهم‭ ‬ليكونوا‭ ‬سادة‭ ‬المشهد‭.‬

جزء‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬هناك‭ ‬تعرض‭ ‬لعمليات‭ ‬غسل‭ ‬دماغ‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬مدنية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يقاوم‭ ‬قيام‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬لأنها‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬تعلمها‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭.‬

لذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستهانة‭ ‬بالبرهان‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضد‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬حميدتي‭. ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬قوات‭ ‬حميدتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬غض‭ ‬النظر‭ ‬عنه،‭ ‬ولكن‭ ‬جمهور‭ ‬البرهان‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬قاعدته‭ ‬لن‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬لا‭ ‬غالب‭ ‬ولا‭ ‬مغلوب‭. ‬الحرب‭ ‬فرصة‭ ‬لاستعادة‭ ‬زمن‭ ‬حسن‭ ‬الترابي‭ ‬بكل‭ ‬انحطاطه‭ ‬وتراثه‭ ‬العدواني‭.‬

ربما‭ ‬ضحك‭ ‬السودانيون‭ ‬حين‭ ‬سمعوا‭ ‬حميدتي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬سودان‭ ‬جديد‭. ‬بعضهم‭ ‬ضحك‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬تناقضا‭ ‬بين‭ ‬الكلمتين‭ ‬‮«‬سودان‭ ‬وجديد»؛‭ ‬فالسودان‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم‭ ‬متجذر‭ ‬في‭ ‬ماضويته‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬جديدا‭. ‬السودان‭ ‬قديم‭. ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬قدره‭.‬

أما‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يثق‭ ‬بالعسكر،‭ ‬تجربة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬خلخلة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وكسر‭ ‬بوصلته‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬يضحك‭ ‬سودانيون‭ ‬لأن‭ ‬عقول‭ ‬العسكر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬فكرة‭ ‬سودان‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مدني‭ ‬بتعددية‭ ‬حزبية‭ ‬تكون‭ ‬أساسا‭ ‬لسياسة‭ ‬جديدة‭ ‬يكشف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬انتمائه‭ ‬إلى‭ ‬العصر،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أوهام‭ ‬خارجية‭.‬

يدرك‭ ‬السودانيون‭ ‬المتنورون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬مدنية‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬العسكر‭ ‬يمسكون‭ ‬بزمام‭ ‬السلطة‭. ‬وما‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬إلا‭ ‬انعكاس‭ ‬لتلك‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُحل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬انهزم‭ ‬أحد‭ ‬الطرفين‭.‬

ليس‭ ‬حميدتي‭ ‬هو‭ ‬الحل،‭ ‬أما‭ ‬البرهان‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬قاعدته‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬سالما‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أزمنة،‭ ‬اعتقد‭ ‬السودانيون‭ ‬أنهم‭ ‬غادروها‭.‬

يكذب‭ ‬الطرفان‭ ‬حين‭ ‬يتحدثان‭ ‬عن‭ ‬سودان‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭. ‬وما‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬إنما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحرب‭ ‬فرصة‭ ‬للتخلص‭ ‬منهما‭ ‬معا‭. ‬وذلك‭ ‬أمر‭ ‬أشبه‭ ‬بالمستحيل‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬جيوشا‭ ‬صارت‭ ‬تعتاش‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع‭. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تفعله‭ ‬تلك‭ ‬الجيوش‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تخلى‭ ‬الطرفان‭ ‬عن‭ ‬رغبتهما‭ ‬في‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وسلما‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬ممثلا‭ ‬بأحزاب‭ ‬مدنية؟‭ ‬تلك‭ ‬خرافة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القبول‭ ‬بانضمامها‭ ‬إلى‭ ‬خرافات‭ ‬الواقع‭ ‬السوداني‭ ‬الممتد‭ ‬عميقا‭ ‬في‭ ‬السحر‭ ‬الإفريقي‭.‬

يتمنى‭ ‬البرهان‭ ‬وحميدتي‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬سودان‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬إلا‭ ‬بالصيغة‭ ‬التي‭ ‬تناسبهما،‭ ‬وهي‭ ‬استمرار‭ ‬لزمن‭ ‬التعايش،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لنسيان‭ ‬ما‭ ‬انتهيا‭ ‬إليه‭. ‬حينها‭ ‬سيتم‭ ‬نسيان‭ ‬خرافة‭ ‬سودان‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مدني‭ ‬جديد‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬نسيان‭ ‬سواها‭ ‬من‭ ‬الخرافات‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا