العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

موسم الانقلابات في القارة الإفريقية

بقلم: هاني عوكل

الاثنين ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

على‭ ‬طريقة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬سلكت‭ ‬المسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬ثم‭ ‬بقيت‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬استولت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬العسكريين‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬الجابون،‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬عدة‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬فوز‭ ‬الرئيس‭ ‬المخلوع‭ ‬علي‭ ‬بونجو‭ ‬بفترة‭ ‬رئاسية‭ ‬ثالثة‭.‬

هذا‭ ‬الانقلاب‭ ‬سبقه‭ ‬آخر‭ ‬قبل‭ ‬شهرين‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬النيجر‭ ‬التي‭ ‬أطاح‭ ‬عسكريوها‭ ‬بالرئيس‭ ‬محمد‭ ‬بازوم،‭ ‬وخرجوا‭ ‬إلى‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬لشرعنة‭ ‬انقلابهم‭ ‬بالقول‭: ‬إنه‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬فساد‭ ‬ورشاوى‭ ‬وتدهور‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬وسوء‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومي‭.‬

خارطة‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬كثيرة‭ ‬وتتجاوز‭ ‬المائة‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والسبب‭ ‬يتعلق‭ ‬بعوامل‭ ‬كثيرة،‭ ‬أبرزها‭ ‬التركيبة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬للبلاد،‭ ‬وضعف‭ ‬وغياب‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وتداخل‭ ‬السلطتين‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية،‭ ‬والتعدي‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬العام‭.‬

العامل‭ ‬الأهم‭ ‬يتصل‭ ‬بتردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمعيشية‭ ‬وغياب‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان،‭ ‬وتحول‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬إلى‭ ‬حواضن‭ ‬لتنامي‭ ‬الحركات‭ ‬المتمردة،‭ ‬يتبع‭ ‬ذلك‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الحكومات‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬الحد‭ ‬المعقول‭ ‬من‭ ‬الاحتياجات‭ ‬المطلوبة‭ ‬لمواطنيها‭.‬

ومع‭ ‬كثرة‭ ‬هذه‭ ‬الانقلابات،‭ ‬بدا‭ ‬أنها‭ ‬مختومة‭ ‬باسم‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وبدا‭ ‬أن‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬متصالحة‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬الانقلابات‭ ‬والتمردات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أنها‭ ‬تلمس‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬الحكومات‭ ‬القائمة،‭ ‬ومرحبة‭ ‬بفكرة‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬باب‭ ‬يأتي‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬على‭ ‬بروتوكول‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬الذي‭ ‬يُمكّن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬للجم‭ ‬الحركات‭ ‬الانقلابية،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فعّالاً‭ ‬بالشكل‭ ‬الكبير،‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬سوى‭ ‬تعليق‭ ‬عضويتها‭ ‬ورفض‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬دولي‭ ‬خارجي‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬ثمة‭ ‬مقاييس‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الغرب،‭ ‬لكنها‭ ‬كافية‭ ‬ومقنعة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭. ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬مثلاً‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لتعزيز‭ ‬الديمقراطية‭ ‬عبر‭ ‬التداول‭ ‬السلمي‭ ‬والفصل‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭. ‬وتجد‭ ‬في‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬غياباً‭ ‬لكل‭ ‬مظاهر‭ ‬الأمن‭ ‬والذهاب‭ ‬نحو‭ ‬الدولة‭ ‬الفاشلة‭ ‬ولا‭ ‬تسامح‭ ‬مع‭ ‬العابثين‭ ‬والمتمردين‭ ‬مهما‭ ‬حصل‭. ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬تتفق‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬هي‭ ‬الخيار‭ ‬الأمثل‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والرخاء‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭.‬

لكن‭ ‬برأي‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬أن‭ ‬التمسك‭ ‬بالسلطة‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬معلوم،‭ ‬وتزوير‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬بنتائج‭ ‬انتخابات‭ ‬مزيفة،‭ ‬والأهم‭ ‬ذهاب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬قاع‭ ‬الفقر‭ ‬السحيق،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يجعل‭ ‬التمرد‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬أمراً‭ ‬مقبولاً‭ ‬لدى‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬الإفريقية‭.‬

هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الجابون‭ ‬وقبلها‭ ‬النيجر‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬وغينيا‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬فيها‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬ستحقق‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان،‭ ‬وستعيد‭ ‬البلاد‭ ‬فوراً‭ ‬إلى‭ ‬المسار‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬حققت‭ ‬الشرط‭ ‬الرئيس‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬بمسألة‭ ‬تغيير‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬المُجرّبة‭.‬

بالتأكيد‭ ‬إصبع‭ ‬الاتهام‭ ‬دائماً‭ ‬موجه‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وتحديداً‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬استنزفت‭ ‬وتستنزف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬كل‭ ‬خيرات‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬استعمرتها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وقادة‭ ‬الانقلاب‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬وبوركينافاسو‭ ‬تحدثوا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬الفرنسي‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬ثروات‭ ‬دولهم‭.‬

كذلك‭ ‬لا‭ ‬تعفى‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬دورها‭ ‬الخفي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الحركات‭ ‬الانقلابية‭ ‬وسط‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ويلحظ‭ ‬أنها‭ ‬تحاول‭ ‬تعظيم‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬النفوذ‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وهذا‭ ‬مرتبط‭ ‬بالصراع‭ ‬الجاري‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬والتدخل‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية‭.‬

الجابون‭ ‬ليست‭ ‬الدولة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬يستولي‭ ‬فيها‭ ‬العسكر‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬تمردات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬موجة‭ ‬استفادة‭ ‬الحركات‭ ‬الانقلابية‭ ‬من‭ ‬السخط‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭.‬

أساساً‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مظاهر‭ ‬نجاح‭ ‬الحركات‭ ‬الانقلابية‭ ‬يتصل‭ ‬بممارسة‭ ‬الأدوات‭ ‬الإكراهية‭ ‬أو‭ ‬ركوب‭ ‬موجة‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬السلطوية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وما‭ ‬تشهده‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬هو‭ ‬ترحيب‭ ‬المواطنين‭ ‬بأي‭ ‬نتائج‭ ‬تزيح‭ ‬قادة‭ ‬الحكم‭ ‬عن‭ ‬بيوتهم‭ ‬العاجية‭.‬

وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات،‭ ‬واعتبارها‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭ ‬ودستورية،‭ ‬ينبغي‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬مولود‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بأحقية‭ ‬المواطن‭ ‬الإفريقي‭ ‬في‭ ‬التنعم‭ ‬بثروات‭ ‬بلاده‭ ‬وتحقيق‭ ‬الشفافية‭ ‬والعدالة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ولا‭ ‬يحترم‭ ‬الآخر‭ ‬ويقبل‭ ‬بالتداول‭ ‬السلمي‭ ‬للسلطة،‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬فاشل،‭ ‬ومصيره‭ ‬مرتبط‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الإفريقية‭.‬

موسم‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬لن‭ ‬ينتهي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬القانون‭ ‬والفوارق‭ ‬الطبقية،‭ ‬ومصادرة‭ ‬ثروات‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬فئات‭ ‬ضيقة،‭ ‬وهو‭ ‬لن‭ ‬ينتهي‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي‭ ‬بالتنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬ومساعدتها‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬العثرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تحديداً‭.‬

كذلك‭ ‬لن‭ ‬ينتهي‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الدولة‭ ‬الطامحة‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬التي‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬السمعة‭ ‬السيئة‭ ‬للحقبة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬وستفعل‭ ‬موسكو‭ ‬المستحيل‭ ‬لشيطنة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وإضافة‭ ‬أصدقاء‭ ‬أفارقة‭ ‬إلى‭ ‬خارطة‭ ‬نفوذها‭ ‬الدولي‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا