العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا بعد توسيع عضوية مجموعة «بريكس»؟

بقلم: د. زياد أحمد بهاء الدين

الثلاثاء ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

حظي‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬بدعوة‭ ‬مصر‭ ‬للانضمام‭ ‬إليها‭ (‬بجانب‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬وإيران‭ ‬والأرجنتين‭) ‬باهتمام‭ ‬إعلامي‭ ‬كبير،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المكاسب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتوقعة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

وفي‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬يعد‭ ‬مكسبا‭ ‬سياسيا‭ ‬ودبلوماسيا‭ ‬لا‭ ‬يُستهان‭ ‬به،‭ ‬ويستحق‭ ‬الإشادة؛‭ ‬لما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬الحضور‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

ولكن‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فإنني‭ ‬أنصح‭ ‬بالتروي‭ ‬في‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بقيمة‭ ‬وتبعات‭ ‬الانضمام،‭ ‬وتجنب‭ ‬رفع‭ ‬التوقعات‭ ‬بأكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي،‭ ‬لأن‭ ‬المكاسب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الممكنة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬الأجل‭ ‬القريب‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬البعض‭. ‬ولتوضيح‭ ‬مبررات‭ ‬تحفظي‭ ‬دعونا‭ ‬نستعرض‭ ‬ملابسات‭ ‬تكوين‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬وتطورها‭.‬

على‭ ‬عكس‭ ‬التكتلات‭ ‬والمجموعات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تنشأ‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬رغبة‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬التعاون،‭ ‬فإن‭ ‬تعبير‭ ‬دول‭ ‬‮«‬بريك‮»‬‭ ‬سكَّه‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬جيم‭ ‬أونيل،‭ ‬وكان‭ ‬وقتئذ‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬المحللين‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الدولي‭ ‬‮«‬جولدمان‭ ‬ساكس‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬اخترع‭ ‬هذا‭ ‬اللفظ‭ ‬ليصف‭ ‬به‭ ‬مجموعة‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ (‬البرازيل‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند‭ ‬والصين‭) ‬الناشئة‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬نموا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬سريعا‭ ‬يؤهلها‭ -‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭- ‬لجذب‭ ‬استثمارات‭ ‬عالمية‭ ‬ضخمة،‭ ‬ولقيادة‭ ‬العالم‭ ‬اقتصاديا‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050‭.‬

وكما‭ ‬تنتشر‭ ‬الأفكار‭ ‬البسيطة‭ ‬والجريئة‭ ‬بسرعة‭ ‬شاعت‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬بين‭ ‬المحللين‭ ‬وفي‭ ‬أسواق‭ ‬المال،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬انعقاد‭ ‬القمة‭ ‬الأولى‭ ‬لأعضائها‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬رسمي،‭ ‬ثم‭ ‬انضمام‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عام‭ ‬2011‭. ‬وسادت‭ ‬الآمال‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬دفة‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬يصبح‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬التكتل‭ ‬قطبا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬ثانيا‭ ‬يواجه‭ ‬سيطرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬ومركز‭ ‬ثقل‭ ‬جديدا‭ ‬للاستثمار‭ ‬والإنتاج‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬الجذاب‭ ‬لم‭ ‬يتحقق،‭ ‬ولم‭ ‬تتحقق‭ ‬معه‭ ‬نبوءة‭ ‬جيم‭ ‬أونيل،‭ ‬لتضافر‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬عاما‭ ‬الماضية‭.‬

أولها‭ ‬أن‭ ‬قاطرة‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التي‭ ‬بشرت‭ ‬بها‭ ‬البنوك‭ ‬العالمية‭ ‬لم‭ ‬تستمر‭ ‬بذات‭ ‬الوتيرة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المذكورة‭. ‬الصين‭ ‬نمت‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬2000‭ ‬إلى‭ ‬2019‭ ‬بمتوسط‭ ‬سنوي‭ ‬مرتفع‭ ‬للغاية‭ ‬تجاوز‭ ‬8%،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعلت‭ ‬الهند‭ ‬التي‭ ‬نمت‭ ‬بمتوسط‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬7%‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬ذاتها‭. ‬أما‭ ‬البرازيل‭ ‬فلم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الإيقاع،‭ ‬إذ‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬السريع‭ ‬دخلت‭ ‬منذ‭ ‬2010‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬متعاقبة‭ ‬عادت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭. ‬وروسيا‭ ‬كذلك‭ ‬شهدت‭ ‬نموا‭ ‬سريعا‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات،‭ ‬ثم‭ ‬تراجعا‭ ‬حادا‭ ‬جعل‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الاثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬التالية‭ ‬بالكاد‭ ‬يتجاوز‭ ‬1%‭.‬

السبب‭ ‬الثاني‭ ‬أنه‭ ‬برغم‭ ‬انعقاد‭ ‬القمة‭ ‬الأولى‭ ‬للمجموعة‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬دولي‭ ‬مؤسسي‭ ‬فعال‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬مع‭ ‬تكتلات‭ ‬أخرى‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يترسخ‭ ‬وجودها‭ ‬العملي‭ ‬بشكل‭ ‬ملموس‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬بنك‭ ‬التنمية‭ ‬الجديد‮»‬‭ -‬ومقره‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬ومديرته‭ ‬رئيسة‭ ‬البرازيل‭ ‬السابقة‭- ‬قد‭ ‬تأسس،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محدود‭ ‬الأثر،‭ ‬وبالكاد‭ ‬تجاوز‭ ‬التمويل‭ ‬الممنوح‭ ‬منه‭ ‬ثلاثين‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬ستة‭ ‬وتسعين‭ ‬مشروعا‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭.‬

السبب‭ ‬الثالث‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يربطها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬رابط‭ ‬فكري‭ ‬ولا‭ ‬توجه‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬مشترك،‭ ‬بل‭ ‬بينها‭ ‬تنافر‭ ‬وتناقضات‭ ‬حادة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بين‭ ‬القطبين‭ ‬الكبيرين‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭.‬

وحتى‭ ‬داخليا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬فإن‭ ‬التناقضات‭ ‬السياسية‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬مثلما‭ ‬جرى‭ ‬مع‭ ‬البرازيل‭ ‬التي‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬الحكم‭ ‬اليساري‭ ‬ثم‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬ذهابا‭ ‬وإيابا،‭ ‬أو‭ ‬الهند‭ ‬التي‭ ‬تغيرت‭ ‬آيديولوجية‭ ‬حكمها‭ ‬تماما‭ ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬أو‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬ضحية‭ ‬صراعات‭ ‬داخلية‭. ‬وطبعا‭ ‬روسيا‭ ‬باتت،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬مقاطعة‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬العالم‭. ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬منع‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬سياسات‭ ‬ومواقف‭ ‬متسقة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭. ‬

وأخيرا،‭ ‬فإن‭ ‬السبب‭ ‬الرابع‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تقدمت‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬عاما‭ ‬التالية‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬تقدما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متصورا،‭ ‬وشرخت‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬مستقل،‭ ‬وباتت‭ ‬قوة‭ ‬يُحسب‭ ‬لها‭ ‬ألف‭ ‬حساب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬كما‭ ‬صار‭ ‬لها‭ ‬مشروع‭ ‬للتوسع‭ ‬الدولي‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬ليست‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬مكوناته‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬دعا‭ ‬حتى‭ ‬اللورد‭ ‬جيم‭ ‬أونيل‭ (‬وقد‭ ‬صار‭ ‬لوردا‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬البريطاني‭) ‬للتعليق‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬‭(‬Project‭ ‬Syndicate‭)‬‭ ‬بما‭ ‬معناه‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬تكتلا‭ ‬دوليا،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬اقتصادي‭ ‬ملموس‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬لتنافر‭ ‬مواقف‭ ‬وسياسات‭ ‬أعضائها‭.‬

أفكار‭ ‬كثيرة‭ ‬طُرحت‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية،‭ ‬عن‭ ‬تجارة‭ ‬دولية‭ ‬بعملات‭ ‬الدول‭ ‬أعضاء‭ ‬المجموعة،‭ ‬واستثمار‭ ‬وتجارة‭ ‬مشتركين،‭ ‬وأسواق‭ ‬جديدة‭ ‬للاقتراض،‭ ‬والقوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الجماعية‭ ‬لمجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬الأعضاء‭ ‬الستة‭ ‬الجدد،‭ ‬وكلها‭ ‬أفكار‭ ‬جديرة‭ ‬بالتفكير‭.‬

ولكن‭ ‬ظني‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬التوافق‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬أعضاء‭ ‬المجموعة‭ ‬سيظل‭ ‬عائقا‭ ‬رئيسا‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬قيامها‭ ‬بدور‭ ‬اقتصادي‭ ‬دولي‭ ‬فعال‭. ‬وعلينا‭ ‬إذن‭ -‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭- ‬التروي‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬المكاسب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتحفظ‭ ‬في‭ ‬التفاؤل،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬وطنية‭ ‬إصلاحية‭ ‬داخلية‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الراهنة‭.‬

{‭ ‬خبير‭ ‬اقتصادي‭ ‬وقانوني‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬المصري‭ ‬سابقا‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا