العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نظرة الإعلام الغربي إلى إفريقيا وسط التحولات العالمية

بقلم: د. رمزي بارود

الجمعة ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

‭ ‬تتجاوز‭ ‬العنصرية‭ ‬استخدام‭ ‬كلمات‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬الممارسات‭ ‬التمييزية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭. ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬بنمط‭ ‬التصورات‭ ‬السياسية‭ ‬والتصوير‭ ‬الفكري‭ ‬والعلاقات‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬البغيض‭.‬

يكفي‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بها‭ ‬تصوير‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬تتداول‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬فمن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬بطريقة‭ ‬إيجابية‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كانت‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬للقمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬قد‭ ‬صورت‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالكامل‭ ‬باعتبارها‭ ‬قارة‭ ‬فقيرة،‭ ‬يائسة‭ ‬ومتخلفة‭ ‬عن‭ ‬ركب‭ ‬التقدم‭ ‬والحضارة‭.‬

ويمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يستشف‭ ‬من‭ ‬العناوين‭ ‬الرئيسية‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية‭ ‬كانت‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لرهن‭ ‬موقفها‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬المال‭ ‬والغذاء‭.‬

عنونت‭ ‬وكالة‭ ‬أسوشييتد‭ ‬برس‭ ‬العالمية‭ ‬أحد‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022‭ ‬كالاتي‭: ‬‮«‬يقول‭ ‬بايدن‭ ‬للقادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ (‬تتدخل‭ ‬بكل‭ ‬قوتها‭) ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية‮»‬‭.‬

إن‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬بكل‭ ‬قوتها‮»‬‭ ‬تستخدم‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬البوكر‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للمخاطرة‭ ‬بكل‭ ‬شيء؛‭ ‬تم‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بهذه‭ ‬العبارة‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬كلما‭ ‬تطرق‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭.‬

وذكرت‭ ‬وكالة‭ ‬أسوشييتد‭ ‬برس‭ ‬أن‭ ‬بايدن‭ ‬عرض‭ ‬التزامًا‭ ‬أمريكيًا‭ ‬غير‭ ‬مشروط‭ ‬‮«‬بدعم‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬‮«‬النمو‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬تذكر‭ ‬بالعروض‭ ‬والوعود‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭.‬

لقد‭ ‬حاول‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬فقط‭ ‬المزايدة‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬روسيا‭ ‬لدول‭ ‬القارة‭ ‬الافريقية‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تتبنى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬موقفا‭ ‬مناهضا‭ ‬لموسكو،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬جهوده‭ ‬ومساعيه‭ ‬قد‭ ‬منيت‭ ‬بالفشل‭.‬

وعندما‭ ‬انعقدت‭ ‬القمة‭ ‬الروسية‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬والثامن‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬راحت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬الغربية‭ ‬تصعد‭ ‬من‭ ‬حملاتها‭ ‬وانتقاداتها،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬راحت‭ ‬تصور‭ ‬الأفارقة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬باعتبارهم‭ ‬متشردين‭ ‬سياسيين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬قللت‭ ‬من‭ ‬القيمة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والدول‭ ‬الإفريقية‭.‬

أبرزت‭ ‬شبكة‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‭ ‬الإخبارية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬‮«‬بوتين‭ ‬المعزول‭..‬‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬عنونت‭ ‬وكالة‭ ‬رويترز‭ ‬الإخبارية‭ ‬العالمية‭ ‬أحد‭ ‬تقاريرها‭ ‬هكذا‭: ‬‮«‬بوتين‭ ‬يعد‭ ‬الزعماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬بالحبوب‭ ‬المجانية‮»‬‭.‬

وبالمقابل‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً‭ ‬إلى‭ ‬إنفاق‭ ‬الزعماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬الدور‭ ‬المحتمل‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬سلمي‭ ‬للحرب‭ ‬المروعة‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬فقد‭ ‬أعرب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬عن‭ ‬خطاب‭ ‬سياسي‭ ‬صادق،‭ ‬ورفضوا‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬والتدخلات‭ ‬العسكرية‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭.‬

فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬المناقشة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬كانت‭ ‬ضئيلة‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬التفاوض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬سياسي‭ ‬أقوى‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العالمية،‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬

وبدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬التغطية‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬مبادرة‭ ‬حبوب‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ -‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬2022-‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تهدد‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬فقيرة‭ ‬بالفعل‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬الحال‭.‬

وفي‭ ‬خطاب‭ ‬ألقاه‭ ‬في‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬فلاديفوستوك‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي‭ ‬ادعى‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬87‭ ‬سفينة‭ ‬محملة‭ ‬بالحبوب‭ ‬وصل‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬مليوني‭ ‬طن‭ ‬إلى‭ ‬برنامج‭ ‬الغذاء‭ ‬العالمي‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأرقام‭ ‬الإجمالية‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬كانت‭ ‬محل‭ ‬خلاف،‭ ‬فإن‭ ‬مركز‭ ‬التنسيق‭ ‬المشترك‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬يورونيوز‭ ‬إن‭ ‬‮«‬بوتين‭ ‬محق‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬إنه‭ ‬تم‭ ‬شحن‭ ‬كمية‭ ‬صغيرة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برنامج‭ ‬الغذاء‭ ‬العالمي‮»‬‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬تحصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬شحنها‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬الأسود،‭ ‬فإن‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الرئيسية‭ ‬لم‭ ‬تشأ‭ ‬تصوير‭ ‬الأوروبيين‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬سكان‭ ‬يتضورون‭ ‬جوعاً،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬تصوير‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬قارة‭ ‬جشعة‭ ‬أيضاً‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬اللوم‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬أبداً‭ ‬على‭ ‬أوروبا،‭ ‬واستعمارها،‭ ‬وأسلحتها،‭ ‬وتدخلاتها‭ ‬السياسية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬اللوم‭ ‬يقع‭ ‬بسهولة‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭.‬

لنتأمل‭ ‬جيدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬تصدر‭ ‬أحد‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬كونفرسيشن‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬مثالاً‭ ‬جيداً‭: ‬‮«‬يقدم‭ ‬بوتين‭ ‬هبات‭ ‬غير‭ ‬مقنعة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬للتعويض‭ ‬عن‭ ‬إلغاء‭ ‬صفقة‭ ‬الحبوب‭ ‬الأوكرانية»؛‭ ‬إنه‭ ‬لتحيز‭ ‬مذهل‭.‬

والحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الزعماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬‮«‬هبات‮»‬‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬يأملون‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬جيوسياسي‭ ‬أقوى‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬سياسية‭ ‬عالمية‭ ‬متغيرة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير؛‭ ‬تماما‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬آخر‭. ‬

وسواء‭ ‬كان‭ ‬‮«‬سعي‮»‬‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬‮«‬يائسا‮»‬‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬فلا‭ ‬يهم‭ ‬كثيرا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬التحيز‭ ‬واضحا‭ ‬عندما‭ ‬تتم‭ ‬مقارنة‭ ‬اليأس‭ ‬الروسي‭ ‬المزعوم‭ ‬بنتائج‭ ‬القمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭.‬

تم‭ ‬تقديم‭ ‬‮«‬عرض‮»‬‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬محاولة‭ ‬لبناء‭ ‬الجسور‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬للتعاون‭ ‬المستقبلي‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يتم،‭ ‬بالطبع،‭ ‬باسم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬تشويه‭ ‬صورة‭ ‬إفريقيا‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭.‬

ولنأخذ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تعاملت‭ ‬بها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬2023م‭. ‬فالنيجر‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وهي‭ ‬امتداد‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬استعمرتها‭ ‬فرنسا‭. ‬وبعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬حصول‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬استقلالها‭ ‬الاسمي‭ ‬واصلت‭ ‬باريس‭ ‬ممارسة‭ ‬نفوذ‭ ‬سياسي‭ ‬قوي‭ ‬وسيطرة‭ ‬اقتصادية‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭. ‬فهو‭ ‬يضمن‭ ‬استمرار‭ ‬استغلال‭ ‬ثروات‭ ‬المستعمرات‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستعمرين‭ ‬السابقين‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬ثروة‭ ‬النيجر‭ ‬من‭ ‬خام‭ ‬اليورانيوم‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وقسم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭. ‬

قبل‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬عادت‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬كقوة‭ ‬عسكرية،‭ ‬باسم‭ ‬محاربة‭ ‬الجهاديين‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تزايدت‭ ‬أعمال‭ ‬العنف،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أجبر‭ ‬بلدان‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬على‭ ‬التمرد،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬جمهورية‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬ثم‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬ومالي،‭ ‬وتشاد،‭ ‬وأخيرا‭ ‬النيجر‭.‬

ويظهر‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬مالي‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬يتم‭ ‬تصوير‭ ‬النيجر‭ ‬باعتبارها‭ ‬أحد‭ ‬أتباع‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬

وهكذا‭ ‬جاء‭ ‬عنوان‭ ‬شبكة‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬يوم‭ ‬أغسطس‭ ‬2023م‭: ‬‮«‬قائد‭ ‬انقلاب‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬يجتمع‭ ‬مع‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬المتحالف‭ ‬مع‭ ‬فاغنر‭ ‬في‭ ‬مالي‮»‬‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬شبكة‭ ‬سي‭. ‬إن‭. ‬إن‭. ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬لاحتمال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬القادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬أجندات‭ ‬أو‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬خاصة‭ ‬بهم‭.‬

إن‭ ‬علاقة‭ ‬الغرب‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬إشكالية‭ ‬معقدة،‭ ‬وتمتد‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬الاستعمار،‭ ‬والاستغلال‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والعنصرية‭ ‬الصريحة‭.‬

إن‭ ‬الأفارقة‭ ‬يصبحون‭ ‬‮«‬حلفاء‮»‬‭ ‬جيدين‭ ‬عندما‭ ‬يمتثلون‭ ‬للخط‭ ‬والأجندات‭ ‬الغربية،‭ ‬ويكونون‭ ‬جائعين‭ ‬ومتخلفين‭ ‬ومشردين،‭ ‬ويسهل‭ ‬التلاعب‭ ‬بهم،‭ ‬وأنظمة‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬رفض‭ ‬شروط‭ ‬الغرب‭.‬

لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬ومواجهة‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬المهين‭ ‬الذي‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬نظرة‭ ‬عنصرية‭ ‬مقيتة‭. ‬إن‭ ‬إفريقيا،‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬السياسية‭ ‬الأخرى،‭ ‬منطقة‭ ‬معقدة‭ ‬ومتضاربة،‭ ‬وتستحق‭ ‬الفهم‭ ‬العميق‭ ‬والتقدير،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الأجندات‭ ‬الأنانية‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬قِلة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭.‬

 

‭ ‬{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬صحفي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا