العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

استراتيجية إبقاء العراق بلدا ضعيفا

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الآن‭ ‬وفي‭ ‬المستقبل‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬تفاصيل‭ ‬للقرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬القاضي‭ ‬بإبقاء‭ ‬العراق‭ ‬بلدا‭ ‬قابلا‭ ‬للتفكك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬سكانه‭ ‬أي‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬إرادتهم‭ ‬في‭ ‬بنائه‭.‬

وضع‭ ‬عراقيو‭ ‬الحكم‭ ‬أيديهم‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭ ‬وهم‭ ‬يرون‭ ‬التحركات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مؤخرا‭. ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭ ‬سيقع،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقلب‭ ‬المعادلات‭ ‬السياسية‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب‭. ‬ولأنهم‭ ‬لا‭ ‬يصلحون‭ ‬للعمل‭ ‬السياسي‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬منهم‭ ‬الخوف‭ ‬وصاروا‭ ‬يعدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬لمواجهة‭ ‬نهاية‭ ‬لطالما‭ ‬فكروا‭ ‬فيها‭.‬

ولكن‭ ‬مَن‭ ‬يصدق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الهلع‭ ‬فإنه‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬اثنين‭. ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طارئا‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬ودخل‭ ‬إليه‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يجلبه‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬لمكتسباته‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جاهلا‭ ‬بالمشروع‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬أحزاب‭ ‬وتنظيمات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بكل‭ ‬أذرعها‭ ‬العسكرية‭ ‬ومنها‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لإيران‭.‬

عراقيو‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬هم‭ ‬الاثنان‭ ‬معا‭. ‬ليست‭ ‬السياسة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬سوى‭ ‬المركب‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬مصالحهم‭ ‬وهم‭ ‬يعترفون‭ ‬بأن‭ ‬زعماء‭ ‬الأحزاب‭ ‬هم‭ ‬أولياء‭ ‬نعمتهم‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬الوعي‭ ‬الكافي‭ ‬الذي‭ ‬يؤهلهم‭ ‬لفهم‭ ‬استراتيجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الهادفة‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬إلى‭ ‬تجهيز‭ ‬غطاء‭ ‬حماية‭ ‬مستقبلي‭ ‬لإسرائيل‭.‬

يمكن‭ ‬توقع‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الآن‭ ‬وفي‭ ‬المستقبل‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬تفاصيل‭ ‬للقرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬القاضي‭ ‬بإبقاء‭ ‬العراق‭ ‬بلدا‭ ‬ضعيفا،‭ ‬دولة‭ ‬مهلهلة‭ ‬ورثّة‭ ‬وفاشلة‭ ‬في‭ ‬تصريف‭ ‬شؤون‭ ‬مواطنيها‭ ‬وخدمتهم‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمنهم‭ ‬واستقرارهم‭ ‬ودفع‭ ‬شبح‭ ‬الفقر‭ ‬عنهم‭ ‬مقابل‭ ‬ثروة‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬طبقة‭ ‬سياسية‭ ‬فاسدة‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬شيء‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يهمها‭ ‬نهب‭ ‬أكبر‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬وتهريبها‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬العراق‭.‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬سياسي‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬استعمال‭ ‬مصطلح‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الخاص‭. ‬فهو‭ ‬من‭ ‬المصطلحات‭ ‬المحظورة‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬استعملها‭ ‬المرء‭ ‬لاتّهم‭ ‬بولائه‭ ‬للنظام‭ ‬السابق‭. ‬ذلك‭ ‬اعتراف‭ ‬علني‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إسقاطه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬كان‭ ‬وطنيا‭. ‬صارت‭ ‬الوطنية‭ ‬تُخيف‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وهو‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدرّس‭ ‬‮«‬التربية‭ ‬الوطنية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مدارسه‭.‬

عودة‭ ‬إلى‭ ‬المشروع‭ ‬العسكري‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬محاولة‭ ‬لتحجيم‭ ‬التمدّدين‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حيوي‭ ‬يعتبره‭ ‬الأمريكان‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حصتهم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬حصة‭ ‬صنعت‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬الشعوب‭ ‬بضاعة‭ ‬رخيصة‭ ‬يمكن‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭. ‬

فالعراق‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬صناعة‭ ‬أمريكية‭ ‬التهمته‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تبدي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بكل‭ ‬إداراتها‭ ‬السياسية‭ ‬المختلفة‭ ‬أيّ‭ ‬اعتراض‭.‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬العداء‭ ‬الأمريكي‭ ‬لإيران‭ ‬الملالي‭ ‬موضع‭ ‬شك‭. ‬ففي‭ ‬سياق‭ ‬المشروع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الهادف‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬مستقبل‭ ‬آمن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬تمثل‭ ‬إيران‭ ‬صمام‭ ‬أمان‭ ‬وهي‭ ‬تقود‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬وشيئا‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬هاوية‭ ‬التخلف‭ ‬والانحطاط‭. ‬إيران‭ ‬مفيدة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬تحاول‭ ‬اللحاق‭ ‬بالصين‭ ‬لكن‭ ‬بأسلحة‭ ‬غبية،‭ ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يضحك‭ ‬منها‭. ‬فهي‭ ‬أسلحة‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬عصرنا‭ ‬الذي‭ ‬صممت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬أسلحته‭ ‬الذكية‭.‬

لا‭ ‬يصدق‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الضجيج‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تملأ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬فراغا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬تحمي‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬العراقية‭. ‬هل‭ ‬صارت‭ ‬القوة‭ ‬أكثر‭ ‬عمى‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل؟‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬الأمريكان‭ ‬من‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬المعادلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬لن‭ ‬يدخلوا‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬الروسي‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬إزاحة‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬والمليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬سيطرتها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬

ما‭ ‬هذا‭ ‬الخيال‭ ‬الفارغ‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬محتوى؟‭ ‬الجنون‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬أحواله‭. ‬‮«‬جعجعة‭ ‬بلا‭ ‬طحن‭ ‬أو‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬اللغط‭ ‬حول‭ ‬لا‭ ‬شيء‮»‬‭ ‬هو‭ ‬عنوان‭ ‬إحدى‭ ‬مسرحيات‭ ‬وليام‭ ‬شكسبير‭. ‬ولكنه‭ ‬مثل‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬بصيغ‭ ‬لغوية‭ ‬مختلفة‭.‬

يتحدث‭ ‬الأمريكان‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬ولبنان،‭ ‬وتلك‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬أكاذيبهم‭. ‬كان‭ ‬العراق‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬أيديهم‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬فعلوه‭ ‬لينهوا‭ ‬إمدادات‭ ‬السلاح‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نصدق‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬تقصف‭ ‬قوافل‭ ‬ومعسكرات‭ ‬ومخازن‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬لعبة‭ ‬تصدير‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭. ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بحماية‭ ‬مليشيا‭ ‬كردية‭ ‬فذلك‭ ‬لن‭ ‬يغير‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬سوريا‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجعجعة‭.‬

أما‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مراقبة‭ ‬الموانئ‭ ‬الإيرانية‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحريك‭ ‬أسطول‭ ‬بحري‭ ‬ضخم‭ ‬يتطلب‭ ‬نفقات‭ ‬هائلة‭. ‬وما‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬فائض‭ ‬القوة‭ ‬الغبية‭ ‬التي‭ ‬غزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بها‭ ‬العراق‭ ‬ودمرت‭ ‬مستقبله‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا