إعداد: نادية سعد معوض
صدرت في القاهرة مؤخرا عن مكتبة مدبولي طبعة جديدة من كتاب د. محمد فتحي القرش بعنوان: (العدالة والحرية بين المفهوم الإسلامي والمفهوم الغربي المعاصر: دراسة مقارنة). وقد استعرض الباحث في كتابه - وهو في الأصل رسالة للدكتوراه في الفلسفة السياسية من جامعة عين شمس المصرية -آراء وأفكار عدد كبير من المفكرين والفلاسفة الغربيين المعاصرين. لكنه في الجانب الإسلامي لم يركز على آراء وأفكار فقهاء ومفكري الإسلام، بينما ركز على النصوص الدينية مباشرة، وهي القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.
وليس ثمة شك في أن العدالة والحرية مفهومان يمثلان تطلعات الإنسان عبر مراحل التاريخ وفي مختلف الحضارات الإنسانية، وكانت هناك حضارات وثقافات تُعلي قيمة العدالة، وأخرى تعلي قيمة الحرية، وفي الحالة الأولى كان يمكن للعدالة أن تتحقق، لكنها تؤدي إلى استبداد سياسي، وفي الحالة الثانية تتحقق الحرية لكن ينتج عنها -غالبًا- ظلم اجتماعي، بينما جاء الإسلام فنظر إلى العدالة والحرية نظرة توازنية تتكامل بها الحرية مع العدالة في إطار تحرير الإنسان من طواغيت الفساد والاستبداد.
وفي البداية نشير إلى كتاب رائع صدر منذ أكثر من ثلاثين عامًا في سلسلة عالم المعرفة الكويتية الشهيرة، تحت عنوان: العدالة والحرية في فجر النهضة العربية الحديثة، للدكتور عزت قرني، تناول موضوعي العدالة والحرية عند كل من: رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وأديب إسحق وجمال الدين الأفغاني.
وقد صدر حديثًا في القاهرة كتاب تحت عنوان: العدالة والحرية.. بين المفهوم الإسلامي والمفهوم الغربي المعاصر.. رؤية مقارنة، للباحث الدكتور محمد فتحي القرش.
وهذا الكتاب عبارة عن دارسة مقارنة تنطلق من الفرضية التي تقول أن العدالة والحرية هما ركنا الدولة الإنسانية التي تتحقق فيها إنسانية الإنسان، وذلك يعنى أن الاتجاه لتطبيق العدالة على حساب الحرية أو الحرية على حساب العدالة هو انتقاص من إنسانية الإنسان.
يقول الباحث: إن استبعاد العدالة ولو جزئيًّا لصالح الحرية إنما يعني أن هناك علامات استفهام كثيرة حول تلك العدالة التي يضحى من أجلها بالحرية أو تلك الحرية التي يضحى من أجلها بالعدالة، لأن من العدل أن يكون الإنسان حرًا، كما أن الحرية لا تكتمل إلا بالعدل، وفي محاولة لتفحص تلك الفرضية بما يثبتها أو ينفيها قمت بدراسة العدالة والحرية في المفهوم الغربي المعاصر، وذلك في مفهومه الليبرالي الرأسمالي، ثم في مفهومه الماركسي الاشتراكي، إضافة إلى هذا تناولت الدراسة مفهومي العدالة والحرية في المفهوم الإسلامي، والمقصود هنا بالمفهوم الإسلامي هو ذلك النظام الذي يمكن أن يوضع كأسس وقوانين وآليات في ضوء التوجيهات والتعاليم الإسلامية التي تؤكد الوسطية.
ويعرض الباحث بالتحليل المقارن لكلا المفهومين، المفهوم الغربي المعاصر، والمفهوم الإسلامي في نظريتهما للعدالة والحرية، وتحاول الدراسة أن تجمع بين قيمتي العدالة والحرية بوصفهما غاية الفلسفة السياسية، والجمع بينهما في تلك الدراسة إنما ينبع من القناعة بأن أي دراسة متعمقة في معنى العدالة لابد أن يوازيها في نفس الوقت دراسة متعمقة في معنى الحرية.
والدراسة تضم ثلاثة أبواب، وهي العدالة والحرية، والفكر السياسي، وهو يشتمل على فصلين، الأول يحدد فيه الباحث مفهوم العدالة والحرية من خلال مبحثين، الأول بعنوان: تحديدات سياسية، تناول فيه تعريف الفلسفة السياسية، ثم المصطلح اللغوي للعدالة والحرية، والثاني بعنوان: الحضارات الشرقية القديمة والفكر اليوناني، ويحاول فيه الباحث تتبع العدالة والحرية في تلك الحضارات، وكذلك في الفكر اليوناني، أما الفصل الثاني فهو بعنوان: العدالة والحرية بين الفكر والواقع، والثاني في الفكر السياسي الإسلامي والفكر الغربي الحديث.
يرى الباحث أنه لا يمكن إنكار أن الحرية السياسية قيمة إنسانية عليا، وأنها أتاحت للعقل حرية التفكير وحرية التعبير، وأعلت من قيمة الإبداع الإنساني، وجعلت الفرد قيمة في حد ذاته، لأنه إنسان، بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه.. وهذه القيم حدّت من توحش الرأسمالية والظلم الاجتماعي.
ويرى الباحث أن الحرية في الغرب قامت في إطار رد الفعل على الاستبداد في العصر الكنسي، ولذا فإن الحرية شابها التطرف، خاصة في الجوانب الاقتصادية، بينما الحرية في المفهوم الإسلامي تقوم على الاعتدال، وبسبب روح الاعتدال تلك حدث التوازن بين الحرية والعدالة، ومن ثم كانت هناك ضوابط للملكية في الإسلام، ومن حق الحاكم أن يتخذ إجراءات استثنائية لتحقيق العدل الاجتماعي والتوازن بين الفقراء والأغنياء.
وأن الإجراءات الاستثنائية التي يمكن للحاكم أن يتخذها ليست مطلقة، بل مرتبطة بظروف خاصة، وهي قلة موارد الدولة، وتعرض المجتمع لأزمة خانقة، كما حدث في زمن الخليفة العادل عمر بن الخطاب، عام المجاعة.
يقول الباحث: إن هذا التأكيد للحرية والعدالة وارتباطهما الوثيق في المفهوم الإسلامي، يقي الحرية من أن تتضمن ظلمًا اجتماعيًا، وكذلك لا يأتي العدل متضمنًا الاستبداد بسبب الاعتداء على الحرية، فمن العدل أن يكون الإنسان حرًا، كما أن الحرية لا تكتمل إلا بالعدل. هذا التكامل بين الحرية والعدالة يحمي المجتمع من بعض المقولات الخادعة، مثل ما راج كثيرًا عن فكرة المستبد العادل، كما أنه يحمي المجتمع من قيام دولة دينية - ثيو قراطية-، فالدولة يجب أن تكون مدنية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك