يااااااه، دوائر جميلة، ملونة، فقاعات، وفقاعات بلورية زرقاء، صفراء، برتقالية كبيرة، متوسطة، صغيرة، لطالما كنت أجد متعتي في النفخ في تلك الحلقة الدائرية فتتشكل البالونات المدهشة.
أخيراً جاء يوم الإجازة الأسبوعي، لقد كان اسبوعاً طويلاً ومملاً.
عند الظهيرة، داهمني شعور جامح، دفعني بأن أفعل شيئاً ما، شيء غير اعتيادي، مضى الكثير والكثير من الوقت وأنا لم أفعل شيئا جديدا، الحيوية تأتي إلى المرء عندما يكون في إجازة عن العمل، إنها فرصته للاسترخاء والاستجمام.
اقتحمت المطبخ، كالطفل الذي يتتبع أمه في أي مكان تتواجد، وجدت زوجتي تطهي الحساء، ترتدي مريلة الطهي وتتولى تحريك الحساء بملعقة خشبية، كانت رائحة البروكلي تنبعث فتنعش الجو نسيماً خلاباً، قرأت في وجهها آثار التعب، أردت أقنع نفسي بأنني طاه ماهر، أخبرتها: هل يمكنني المساعدة؟ نعم. عليك أن تتولى تحريك الحساء على مهل ريثما انتهي من تحضير طبق السلطة وبعض الأعمال المنزلية، لا تنسى أن تطفئ النار بعد 5 دقائق.
حسناً..
عندئذ، غادرت المطبخ.
بكل ما أوتيت من قوة وبحماس أخذت مكانها، كالطفل الذي كوفئ بقطعة من الشكولاته اللذيذة.
حينها، ومن كل حدب وصوب تهافتت علي ذكريات الطفولة كما يتساقط المطر بغزارة على الأرض الجرداء فينعشها، فتألق مزاجي وتوردت وجنتاي، كأني على مشارف أن ألج حديقة غناءً ستستقبلني بأحضانها، وبورود اللافندر، والأوركيد ياااه لجمالها، وفي وسطها تنتصب شتى أنواع الألعاب الرائعة، عندها تذكرت طفولتي، نعم طفولتي، وتحديداً في مدرستي في درس العلوم، وما يصفونه لنا عن الأحياء البحرية؟ وكيف تتغذى الكائنات فيها، شيئاً ما أوقفني عن خيالات لبرهة، رائحة غريبة بدأت تتسلل إلى أنفي تمتزج بشيء من الشياط أو شيء ينم عن التماس كهربائي، لكني لم أعر الأمر أية اهتمام، فالذكريات الجميلة لازالت تسيطر علي بنداوتها، كنت مستمراً في التقليب ورائحة الشياط تزداد وتزداد، حتى غمر الفضاء أمامي بهالة سوداء، غير مكترث أغمضت عيني لأغوص في ذكريات أخرى، كأن المكان كان بلا إضاءة، ساهماً مشدوهاً، وانا أتنقل من فكرة الى اخرى، وفجأة كانت هناك إضاءة خافتة، تصغر وفجأة تكبر وتلتهب!
لغط أقراني في المدرسة لازال يتردد في أذناي، كان يتزامن رنين جرس انتهاء الدوام المدرسي بسمفونية لازالت تتردد في مخيلتي، تبهرنا نحن الأطفال، خاصةً بعد يوم دراسي طويل كنا لا نحتمله.
قلبي الصغير لازال يرفرف، عندما تقترب موسيقى سيارة الآيسكريم منا، والشاب بزيه الأزرق السماوي ذي الخطوط الوردية التي تذكرني بنكهات الآيسكريم والقبعة ذات الألوان التي تتناسق مع ذلك الزي.
هالة من النار ترتفع، تذكرت الألعاب النارية، كنا نذهب لمشاهدتها أيام احتفالات البلاد باليوم الوطني.
كانت الحشود تستأنس، وتصفر كلما كانت هيئة النار تتمثل في شكل مميز، باقة ورود، صورة لرئيس البلدة، وبعض الشخصيات المرموقة.
كنت أندهش حينها، وأكون منبهراً أشد انبهار.
حينها كنت أقف مع أختي ونتنافس في نفخ فقاعات الصابون بألوانها الرائعة، وتزداد ضحكاتنا وصياحنا، هههه.
فتحتُ عيناي، وأنا مازلت أنفخ في الفقاعات، ياااه أخيراً عادت الأنوار لتملاً المطبخ أكثر وأكثر، كنت مندهشاً ومبتسماً، اشحت بوجهي، لأرى دخانا وحريقا يلتهم المنزل المجاور.
سيارات الإطفاء، أبواق السيارات، حشود الناس المجتمعة، لغط العابرين.
وأنا مازلت أحرك قدح الحساء، أرى الجمع من حولي وانا مستمر في تأملاتي.
نظرت إلى القدر كانت النار مطفأة، هههه، لقد نسيت زوجتي أن تشعل النار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك