العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الدول النامية تدفع فاتورة الدول المتقدمة

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرنٍ‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬والدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬حياة‭ ‬مزدهرة‭ ‬ومتقدمة،‭ ‬ومتسارعة‭ ‬في‭ ‬النمو،‭ ‬وشديدة‭ ‬التطور‭ ‬والرقي‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬والقطاعات‭ ‬التنموية‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬الضعيفة‭ ‬والنامية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تغوص‭ ‬في‭ ‬سباتٍ‭ ‬عميق‭ ‬من‭ ‬الجهل‭ ‬والتخلف‭ ‬وضعف‭ ‬الحركة‭ ‬التنموية‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬تسيح‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬فساداً‭ ‬وتدميراً،‭ ‬وتعبث‭ ‬بثرواتها‭ ‬وخيراتها‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬وتستبيح‭ ‬كافة‭ ‬حرمات‭ ‬بيئتنا‭ ‬العامة‭ ‬والمشتركة،‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والأدغال‭ ‬النائية،‭ ‬وفي‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭ ‬المظلمة‭ ‬السحيقة،‭ ‬وفي‭ ‬أعالي‭ ‬السماء‭ ‬وفي‭ ‬الفضاءات‭ ‬العليا،‭ ‬فلم‭ ‬تُبق‭ ‬شبراً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأوساط‭ ‬البيئية‭ ‬إلا‭ ‬وأضرت‭ ‬به،‭ ‬ودهورت‭ ‬صحته‭ ‬نوعاً‭ ‬وكماً‭. ‬

ونتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬الأعمال‭ ‬التنموية‭ ‬الواسعة‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬فقد‭ ‬انكشفت‭ ‬مظاهر‭ ‬التدهور‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭ ‬بسبب‭ ‬عبث‭ ‬أيديهم‭ ‬فيها‭ ‬واستنزافهم‭ ‬مواردها،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬المرضية‭ ‬وأعراض‭ ‬العلل‭ ‬والأسقام‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬بيئتنا‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬لم‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬نزولها‭ ‬على‭ ‬كوكبنا،‭ ‬وإنما‭ ‬عمَّت‭ ‬شرورها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬فشملت‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬برمتها،‭ ‬وأفسدت‭ ‬حياة‭ ‬جميع‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬نفسها‭ ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬النامية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬أو‭ ‬مسؤولية‭ ‬في‭ ‬وقوعها‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬انخفاض‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬الواقعة‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬والتغير‭ ‬المناخي‭ ‬ومظاهره‭ ‬الكثيرة‭ ‬والمتعددة،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬سخونة‭ ‬الأرض‭ ‬وارتفاع‭ ‬حرارتها،‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وزيادة‭ ‬حمضية‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬وتداعياتها‭ ‬العميقة‭ ‬والواسعة‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬البيئي،‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬والصحي،‭ ‬والأمني‭.‬

ولذلك‭ ‬فمن‭ ‬المفروض‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬المتهمة‭ ‬بوقوع‭ ‬هذه‭ ‬الكوارث‭ ‬البيئية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬فاتورة‭ ‬التصدي‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر،‭ ‬وأن‭ ‬تدفع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬المسؤولة‭ ‬تكاليف‭ ‬مكافحة‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭. ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬استفادت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬مردودات‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام،‭ ‬ولكنها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإنها‭ ‬تضغط‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬النامية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تحبو‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬التنموية‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬شعوبها؛‭ ‬فتقوم‭ ‬بإرهابها‭ ‬تارة‭ ‬بالقوة‭ ‬السياسية‭ ‬الناعمة،‭ ‬وتارة‭ ‬بالوسائل‭ ‬والمنظمات‭ ‬والمعاهدات‭ ‬الأممية‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬فاتورة‭ ‬علاج‭ ‬مرض‭ ‬كوكبنا‭.‬

ومن‭ ‬آخر‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬الدمار‭ ‬البيئي‭ ‬والصحي‭ ‬الذي‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬أنشطة‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كشَفَتها‭ ‬دراسة‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬أغسطس‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬علوم‭ ‬وتقنية‭ ‬البيئة‮»‬‭ (‬Environmental‭ ‬Science‭ ‬and‭ ‬Technology‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬المساهمات‭ ‬المرتفعة‭ ‬غير‭ ‬المتناسبة‭ ‬للأسلحة‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬عمرها‭ ‬60‭ ‬عاماً‭ ‬تُفسر‭ ‬استمرار‭ ‬التلوث‭ ‬الإشعاعي‭ ‬في‭ ‬الخنازير‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بافاريا‭ ‬الألمانية‮»‬‭.‬

فهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬قدَّمت‭ ‬الحل‭ ‬لأحد‭ ‬الألغاز‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحير‭ ‬علماء‭ ‬أوروبا‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وهو‭ ‬الارتفاع‭ ‬المطرد‭ ‬في‭ ‬تركيز‭ ‬الاشعاع‭ ‬في‭ ‬عضلات‭ ‬الخنازير‭ ‬البرية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬غابات‭ ‬ألمانيا‭ ‬والنمسا،‭ ‬مقارنة‭ ‬بانخفاض‭ ‬تركيز‭ ‬الاشعاع‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬البيئية‭ ‬والحيوانات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭. ‬فالتفسير‭ ‬الأولي‭ ‬لهذه‭ ‬المعضلة،‭ ‬أو‭ ‬الاعتقاد‭ ‬القديم‭ ‬السائد،‭ ‬وجه‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬لكارثة‭ ‬تشيرنوبيل‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬أبريل‭ ‬1986،‭ ‬فلوثت‭ ‬معظم‭ ‬مناطق‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بالإشعاع،‭ ‬وبدرجةٍ‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬المجاورة‭ ‬وعلى‭ ‬مسافة‭ ‬آلاف‭ ‬الكيلومترات‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الكارثة‭. ‬

فهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الميدانية‭ ‬أخذت‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬عضلات‭ ‬48‭ ‬خنزيراً‭ ‬برياً‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬مناطق‭ ‬في‭ ‬غابات‭ ‬بافاريا‭ (‬Bavaria‭) ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬ألمانيا‭ ‬التي‭ ‬تبعد‭ ‬نحو‭ ‬1300‭ ‬كيلومتر‭ ‬من‭ ‬تشيرنوبيل،‭ ‬وأَجْرتْ‭ ‬عليها‭ ‬التحاليل‭ ‬الاشعاعية‭ ‬لمعرفة‭ ‬تركيز‭ ‬ونوعية‭ ‬الاشعاع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخنازير،‭ ‬حيث‭ ‬تركزت‭ ‬التحاليل‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬التلوث‭ ‬الاشعاعي‭ ‬بعنصر‭ ‬السيزيوم‭ ‬ونظائره‭ ‬المتعددة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬السيزيوم‭-‬137،‭ ‬والسيزيوم‭-‬135‭. ‬وكانت‭ ‬النتائج‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬العلماء‭ ‬كانوا‭ ‬يظنون‭ ‬أن‭ ‬التلوث‭ ‬الاشعاعي‭ ‬آخذ‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬مصدرٍ‭ ‬مستمر‭ ‬للمواد‭ ‬المشعة،‭ ‬فالتركيز‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬العينات‭ ‬كان‭ ‬مرتفعاً‭ ‬جداً‭ ‬وأعلى‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬الخاصة‭ ‬بتركيز‭ ‬المواد‭ ‬المشعة‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللحوم‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬للاستهلاك‭ ‬الآدمي،‭ ‬فالتلوث‭ ‬بالسيزيوم‭ ‬المشع‭ ‬في‭ ‬عضلات‭ ‬الخنزير‭ ‬تراوح‭ ‬بين‭ ‬370‭ ‬و15‭ ‬ألف‭ ‬بيكرليز‭ ‬من‭ ‬السيزيوم‭ ‬المشع‭ ‬لكل‭ ‬كيلوجرام‭ ‬من‭ ‬عضلات‭ ‬الخنزير،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬المواصفة‭ ‬الأوروبية‭ ‬لنسبة‭ ‬الاشعاع‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬هي‭ ‬600،‭ ‬والمواصفة‭ ‬اليابانية‭ ‬100‭ ‬بيكرليز‭ ‬لكل‭ ‬كيلوجرام‭.‬

ولتحديد‭ ‬مصدر‭ ‬التلوث‭ ‬الاشعاعي‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬مستمراً‭ ‬في‭ ‬غابات‭ ‬ألمانيا‭ ‬والنمسا‭ ‬وأوروبا‭ ‬عامة،‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬قام‭ ‬الباحثون‭ ‬بدراسة‭ ‬نسبة‭ ‬نظير‭ ‬السيزيوم‭-‬135‭ ‬إلى‭ ‬السيزيوم‭-‬137‭ (‬135Cs‭/‬137Cs‭)‬،‭ ‬وجاءت‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬بالهم،‭ ‬ولم‭ ‬يفكر‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬ذلك؛‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬التلوث‭ ‬الاشعاعي‭ ‬المستمر‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬للخنازير‭ ‬البرية‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬إشعاعية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬عاماً،‭ ‬وهذه‭ ‬المصادر‭ ‬هي‭ ‬سباق‭ ‬تجارب‭ ‬التفجيرات‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬سابقاً،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وبريطانيا‭. ‬فالملوثات‭ ‬المشعة‭ ‬التي‭ ‬انبعثت‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬التجارب‭ ‬النووية‭ ‬نتيجة‭ ‬لانشطار‭ ‬الذرة‭ ‬وانقسام‭ ‬النواة‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬فلوثت‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭ ‬رأسياً‭ ‬وأفقياً،‭ ‬ثم‭ ‬ترسبت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ترسباً‭ ‬جافاً‭ ‬أو‭ ‬رطباً‭ ‬مع‭ ‬الأمطار‭ ‬والثلوج،‭ ‬فلوثت‭ ‬أيضاً‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬واستقرت‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬التربة‭ ‬وتراكمت‭ ‬فيها،‭ ‬ثم‭ ‬أخذت‭ ‬رويداً‭ ‬رويداً‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬رأسياً‭ ‬إلى‭ ‬النباتات،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الفطريات‭ ‬التي‭ ‬امتصت‭ ‬المواد‭ ‬المشعة‭ ‬وتراكمت‭ ‬فيها‭ ‬وزادت‭ ‬نسبتها‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬ثم‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الحيوانات،‭ ‬كالخنازير‭ ‬البرية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬السلسلة‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬بالإنسان‭. ‬

فهذا‭ ‬المثال‭ ‬الحي‭ ‬يؤكد‭ ‬لنا‭ ‬جميعاً‭ ‬أن‭ ‬تداعيات‭ ‬التفجيرات‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وعلى‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬وتحت‭ ‬الأرض،‭ ‬وفي‭ ‬البحار‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد،‭ ‬ولن‭ ‬تنتهي‭ ‬أبداً،‭ ‬فبعض‭ ‬الملوثات‭ ‬المشعة‭ ‬مثل‭ ‬السيزيم‭-‬135‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬نصف‭ ‬عمر‭ ‬طويل‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬2‭.‬3‭ ‬مليون‭ ‬سنة،‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬بيئتنا‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬والإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ستظل‭ ‬مشعة‭ ‬ملايين‭ ‬السنين،‭ ‬وستظل‭ ‬تتراكم‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬بيئتنا،‭ ‬وتهلك‭ ‬صحتنا‭.‬

فمن‭ ‬سيدفع‭ ‬فاتورة‭ ‬تدمير‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬بالإشعاع‭ ‬والملوثات‭ ‬السامة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتلويث‭ ‬التربة‭ ‬بالمواد‭ ‬المسرطنة،‭ ‬وإفساد‭ ‬صحتنا‭ ‬وصحة‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية؟

ومن‭ ‬سيتحمل‭ ‬عبء‭ ‬وكلفة‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬وتنظيف‭ ‬كوكبنا‭ ‬مما‭ ‬ارتكبته‭ ‬أيدي‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتطورة‭ ‬ونتيجة‭ ‬لأعمالها‭ ‬التنموية‭ ‬وتفوقها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬سلاح‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬النووي؟‭! ‬

 

bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا