العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل اقترب خراب «الهيكل الثالث» في إسرائيل؟

بقلم: د. مصطفى البرغوثي

الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

وصف‭ ‬زعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬السابق‭ ‬بيني‭ ‬جانتس‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬صدام‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والمعارضة‭ ‬بخراب‭ ‬الهيكل‭ ‬الثالث،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أسطورة‭ ‬انهيارين‭ ‬سابقين‭ ‬للكيان‭ ‬اليهودي‭.‬

ولا‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬الأوصاف‭ ‬الحادّة‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬الانقسام‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬الذي‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬متظاهر‭ ‬ضد‭ ‬الانقلاب‭ ‬القضائي‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭. ‬

ولعلّ‭ ‬المفارقة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬ما‭ ‬تسمّى‭ ‬المعارضة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أنها،‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬تعارض‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشؤون‭ ‬اليهود‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬تؤيدها‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تردّد‭ ‬في‭ ‬اعتداءاتها‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬جنين‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وفي‭ ‬توسيعها‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬وتعميقها‭ ‬منظومة‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تدعم‭ ‬مصنع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الذي‭ ‬أفرز‭ ‬الأصولية‭ ‬اليهودية‭ ‬الفاشية‭ ‬التي‭ ‬تعارضها‭ ‬وتغذّيه‭ ‬وتسانده،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المعارضة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عاجزة،‭ ‬بحكم‭ ‬عنصريّتها‭ ‬أيضاً،‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬مادامت‭ ‬تؤيّد‭ ‬وتدعم‭ ‬باليد‭ ‬اليمنى‭ ‬ما‭ ‬تعارضه‭ ‬باليد‭ ‬اليسرى‭. ‬

وكان‭ ‬لافتاً‭ ‬للنظر‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬الفاشي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريتش‭ ‬أنه‭ ‬تشاور‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬يش‭ ‬عتيد،‭ ‬قطب‭ ‬المعارضة‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يترأسّه‭ ‬يائير‭ ‬لبيد،‭ ‬في‭ ‬خطّته‭ ‬لفرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الاستيطانية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تسمى‭ ‬مناطق‭ ‬‮«‬أ‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬ب‮»‬‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لتدمير‭ ‬فرصة‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭.‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أي‭ ‬فروق‭ ‬جدّية‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب‭ ‬الصهيونية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فمن‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬الفاشي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬خطأً‭ ‬‮«‬اليسار‭ ‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬تُجمع‭ ‬الأحزاب‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬بالكامل،‭ ‬وعلى‭ ‬رفض‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬والعودة،‭ ‬وتصرّ‭ ‬جميعها‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬القدس‭ ‬بكاملها‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وترفض‭ ‬جميعها‭ ‬إزالة‭ ‬المستعمرات‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وتتمسّك‭ ‬بيهودية‭ ‬الكيان‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬ونظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬العنصري‭.‬

وكما‭ ‬توقع‭ ‬بعض‭ ‬الحكماء‭ ‬الاسرائيليين،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تُصغِ‭ ‬الأغلبية‭ ‬إليهم،‭ ‬أصبح‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأطول‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬والممتزج‭ ‬بنكبة‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬السرطان‭ ‬الذي‭ ‬ينهش‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬

فتح‭ ‬الاحتلال‭ ‬الباب‭ ‬للاستيطان‭ ‬الاستعماري،‭ ‬الذي‭ ‬أفرز‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬والفاشية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تدمّر‭ ‬اليوم‭ ‬الجهاز‭ ‬القضائي‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬دكتاتوريتها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسّ‭ ‬باستقلالية‭ ‬القضاء،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬تعيينات‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬صلاحياتها،‭ ‬وصلاحيات‭ ‬المستشار‭ ‬القانوني‭ ‬للحكومة‭. ‬ولذلك‭ ‬هدفان؛‭ ‬فرض‭ ‬سيطرة‭ ‬اليمين‭ ‬الفاشي‭ ‬المتطرّف،‭ ‬وإزالة‭ ‬أي‭ ‬معوّقات‭ ‬قضائية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬ضعيفة،‭ ‬لعملية‭ ‬ضمّ‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وتهويدها‭ ‬والاستيلاء‭ ‬اللصوصي‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الحالية‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬ائتلاف‭ ‬بين‭ ‬اليهودية‭ ‬الأصولية‭ ‬الفاشية‭ ‬التي‭ ‬يمثلها‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬وسموتريتش‭ ‬ومعسكر‭ ‬التطرّف‭ ‬القومي‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬ومنظومة‭ ‬الفساد‭ ‬التي‭ ‬يجسدها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬شاس‭ ‬الديني‭ ‬درعي،‭ ‬وكلاهما‭ ‬متّهم‭ ‬بقضايا‭ ‬فساد‭ ‬عديدة،‭ ‬ودرعي‭ ‬نفسه‭ ‬أُدين‭ ‬وسُجن،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يحاول‭ ‬نتنياهو‭ ‬تدمير‭ ‬الجهاز‭ ‬القضائي‭ ‬لمنع‭ ‬محاكمته،‭ ‬وللسماح‭ ‬لدرعي‭ ‬بالعودة‭ ‬وزيراً‭ ‬في‭ ‬حكومته‭. ‬وستبقى‭ ‬المعارضة‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬عاجزة،‭ ‬مادامت‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬أنها‭ ‬بتأييدها‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستعمار‭ ‬العنصري‭ ‬تعزّز‭ ‬مصنع‭ ‬الفاشية‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬أنتج‭ ‬وسيواصل‭ ‬إنتاج‭ ‬من‭ ‬تعارضهم‭.‬

ما‭ ‬تشهده‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليس‭ ‬مجرّد‭ ‬انقسام‭ ‬داخلي‭ ‬عميق،‭ ‬بل‭ ‬حالة‭ ‬انهيار‭ ‬داخلي،‭ ‬وانقلاب‭ ‬إن‭ ‬نجح‭ ‬سيؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬سيطرة‭ ‬الفاشية‭ ‬اليهودية‭ ‬الأصولية،‭ ‬وتعرية‭ ‬الادّعاء‭ ‬الكاذب‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

ولذلك‭ ‬آثار‭ ‬خطيرة،‭ ‬أولها‭ ‬التمزّق‭ ‬الذي‭ ‬يشهده‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬بإعلان‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الطيارين‭ ‬والضباط‭ ‬والجنود‭ ‬امتناعهم‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬الخدمة‭ ‬الاحتياطية‭ ‬أو‭ ‬التطوّع،‭ ‬ولذلك‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬لأن‭ ‬جنود‭ ‬الاحتياط‭ ‬يمثلون‭ ‬ثلثي‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬

وثانيها‭ ‬التدهور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بانسحاب‭ ‬استثمارات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬استثمارات‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬وتراجع‭ ‬البورصة،‭ ‬والعملة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وثالثها‭ ‬الغضب‭ ‬الذي‭ ‬يجتاح‭ ‬الأوساط‭ ‬الليبرالية‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬شكّلت‭ ‬تاريخياً‭ ‬الداعم‭ ‬الأكبر‭ ‬لبقاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬سياسياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬ومعنوياً،‭ ‬والمموّل‭ ‬والمنظم‭ ‬للوبيات‭ ‬الضغط‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العالم،‭ ‬وانفتاح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬لتصاعد‭ ‬نشاطات‭ ‬المقاطعة‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬والتضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ورابعها‭ ‬الرعب‭ ‬من‭ ‬انكشاف‭ ‬إسرائيل‭ ‬بزوال‭ ‬غطائها‭ ‬القضائي‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬الدولي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬الذي‭ ‬يترافق‭ ‬مع‭ ‬تقديم‭ ‬عشرات‭ ‬الدول‭ ‬مرافعات‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬ونظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭.‬

ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬ترسّخ‭ ‬القناعة‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بانعدام‭ ‬أي‭ ‬فرص‭ ‬للحلول‭ ‬الوسط،‭ ‬أو‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬المؤسّسة‭ ‬الصهيونية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬والإدراك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسّسة‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬إلا‭ ‬لغة‭ ‬القوة،‭ ‬ولن‭ ‬تردع‭ ‬إلا‭ ‬بالمقاومة‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬والمقاطعة‭ ‬عليها‭.‬

لا‭ ‬تمثل‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬الداخلي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬انعطافاً‭ ‬نحو‭ ‬الفاشية‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الناتج‭ ‬الطبيعي‭ ‬تاريخياً‭ ‬لمنظومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاضطهاد‭ ‬العنصرية،‭ ‬ولا‭ ‬حل‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬بإسقاط‭ ‬الاحتلال‭ ‬وكل‭ ‬منظومة‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬العنصرية‭. ‬

ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬الانقسام‭ ‬فرصة‭ ‬إضافية‭ ‬لإضعاف‭ ‬الاحتلال‭ ‬وسيطرته،‭ ‬لو‭ ‬تمكّنت‭ ‬القوى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬انقسامها،‭ ‬وتغليب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬الحزبية‭ ‬والفئوية‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬وهمية‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭.‬

 

{‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا