العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مرسوم البرهان.. هل ينهي الحرب في السودان؟

بقلم: د. نبيل العسومي

الاثنين ١١ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

صدر‭ ‬عن‭ ‬الفريق‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬البرهان‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬السيادة‭ ‬السوداني‭ ‬مرسوم‭ ‬بحل‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬حوالي‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬عنصر‭ ‬بين‭ ‬جنود‭ ‬وضباط‭ ‬وذلك‭ ‬لجعل‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬المتمردة‭ ‬خارج‭ ‬مظلة‭ ‬الشرعية‭ ‬القانونية‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬حميدتي‭ ‬رئيس‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬لهذا‭ ‬المرسوم‭ ‬فإنه‭ ‬يمتلك‭ ‬القوة‭ ‬القانونية‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬أخرجت‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬خارج‭ ‬منظومة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬وبالتالي‭ ‬تصبح‭ ‬مجرد‭ ‬مليشيات‭ ‬أو‭ ‬عصابات‭ ‬متمردة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الشرعية‭ ‬وعلى‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬التي‭ ‬يرأسها‭ ‬الفريق‭ ‬البرهان‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬بشرعية‭ ‬مؤكدة‭ ‬وبدعم‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬يخوض‭ ‬معركة‭ ‬كبيرة‭ ‬لتوحيد‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬واحدة‭ ‬كمقدمة‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬والتحول‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬دستوري‭ ‬مدني‭ ‬منتخب‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬معظم‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬السودانية‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬تخريبية‭ ‬ومن‭ ‬المساس‭ ‬بوحدة‭ ‬السودان‭ ‬أرضا‭ ‬وشعبا‭ ‬وضد‭ ‬المساس‭ ‬أيضا‭ ‬بوحدة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أوضاع‭ ‬السودانية‭ ‬الحالية‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬الأساسي‭ ‬لضمان‭ ‬وحدة‭ ‬السودان‭ ‬واستقلاله‭ ‬وسيادته‭.‬

السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هل‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬البرهان‭ ‬كفيل‭ ‬بإنهاء‭ ‬وجود‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬أو‭ ‬عودتها‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية؟‭.‬

جميع‭ ‬المؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬صعوبة‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬المسألة‭ ‬تتجاوز‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬والقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬والقوى‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الشقيق‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬خاصة‭ ‬وإن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مرشحة‭ ‬للاستمرار‭ ‬وتقدر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬سوداني‭ ‬اليوم‭ ‬معرضون‭ ‬للمجاعة‭ ‬بعد‭ ‬تعطل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والإنتاج‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬والبطالة‭ ‬وعجز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية‭ ‬عن‭ ‬الوفاء‭ ‬باحتياجات‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬المنكوب‭ ‬بهذه‭ ‬الحرب‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬السودانيين‭ ‬قد‭ ‬قتلوا‭ ‬أو‭ ‬شردوا‭ ‬من‭ ‬بيوتهم‭ ‬وأن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬منهم‭ ‬قد‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬السودان‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬آمن‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه‭ ‬وصورة‭ ‬الوضع‭ ‬قاتمة‭ ‬والصراع‭ ‬معقد‭ ‬وتطور‭ ‬بشكل‭ ‬دراماتيكي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬للحلول‭ ‬السلمية‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬جميع‭ ‬الوساطات‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬سلمي‭ ‬يعيد‭ ‬للسودان‭ ‬الشقيق‭ ‬استقراره‭ ‬وأمن‭ ‬شعبه‭.‬

لقد‭ ‬بات‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحديد‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬ستستمر‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬ولا‭ ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬حلها،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬المرسوم‭ ‬الجديد‭ ‬القاضي‭ ‬بحل‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬فمليشيات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والعتاد‭ ‬والأفراد‭ ‬والدعم‭ ‬الخارجي‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬عديدة‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬التحدي‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭.‬

لقد‭ ‬عجزت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬وعجزت‭ ‬الوساطات‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬وسطى‭ ‬ترضي‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬وتعيد‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬الأزمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بعد‭ ‬نزوح‭ ‬ملايين‭ ‬السودانيين‭ ‬عن‭ ‬ديارهم‭ ‬وبلداتهم‭ ‬وقراهم‭ ‬وأصبحوا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ماسة‭ ‬للسكن‭ ‬والغذاء‭ ‬والرعاية‭ ‬الطبية‭ ‬وتعجز‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لشدة‭ ‬احتياجات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يعيش‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العراء،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬ببعدها‭ ‬الإنساني‭ ‬والعسكري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬مرشحة‭ ‬إلى‭ ‬التفاقم‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬بوادر‭ ‬قوية‭ ‬أو‭ ‬جادة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬والجامعة‭ ‬العربية‭ ‬ومنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بالخروج‭ ‬بحل‭ ‬ينهي‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الدامي‭ ‬ويأتي‭ ‬بالفرقاء‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬ينقذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬سوداني‭ ‬يعيشون‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬مزرية‭ ‬مهددين‭ ‬بالجوع‭ ‬والمرض‭ ‬وحتى‭ ‬العطش‭.‬

إن‭ ‬الحل‭ ‬لهذه‭ ‬المعضلة‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمور‭ ‬على‭ ‬الأقل‭:‬

1-‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬التنسيق‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬لتشكيل‭ ‬فريق‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الفرقاء‭ ‬مباشرة‭ ‬ووضع‭ ‬تصور‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬سلميا‭ ‬وعودة‭ ‬كل‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬إلى‭ ‬ثكناتها‭ ‬وإصدار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لفتح‭ ‬باب‭ ‬يشجع‭ ‬الأفراد‭ ‬والضباط‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بحقوقهم‭.‬

2-‭ ‬أن‭ ‬تجتمع‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬المدنية‭ ‬السودانية‭ ‬حول‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬انتقالية‭ ‬مؤقتة‭ ‬بالتوافق‭ ‬الوطني‭ ‬لتكون‭ ‬مهمتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬تنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬حرة‭ ‬ونزيهة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭.‬

3-‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأفريقية‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬دعما‭ ‬سخيا‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬السودان‭ ‬والمساعدة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬النازحين‭ ‬واللاجئين‭ ‬وإعادتهم‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬التي‭ ‬هجروا‭ ‬منها‭ ‬نتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا