هو القائد أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن ترقنت بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي، أحد الشخصيات التاريخية التي حكمت المغرب الأقصى مدة 40 سنة في القرن الـ11 الميلادي، وعاش نحو قرن. ويعد أقوى الأمراء الذين حكموا دولة المرابطين. وكان للقائد ابن تاشفين دور تاريخي في إنقاذ الحكم العربي للأندلس الذي أوشك على السقوط ونجح في جعل العرب يحكمون الاندلس مدة 4 قرون أخرى.
ولد يوسف بن تاشفين -ثاني ملوك الدولة المرابطية بعد ابن عمه أبو بكر بن عمر اللمتوني- حوالي سنة 400 للهجرة الموافق 1009 ميلادية في منطقة لمتونة، وهي إحدى قبائل صنهاجة بموريتانيا.
نشأ ابن تاشفين على حب الجهاد داخل أسرة ملتزمة بدينها الإسلامي، كما كان شجاعا وقياديا وهو صغير السن. أخذ يوسف ابن تاشفين تعاليم الدين الإسلامي على يد الفقيه الشيخ عبدالله بن ياسين، الذي كان له الفضل في تكوين الجيل الأول من حركة المرابطين، وتعلم منه الفروسية إلى جانب التكوين الديني.
وهكذا تميز تكوين ابن تاشفين بحضور البعد الديني والتربوي والجسدي، مما أهله بعد ذلك لقيادة جيش المرابطين، الذي وحّد به بلاد المغرب والأندلس. ووصفه ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» بأنه كان «حليما كريما ديّنا خيّرا، يحب أهل العلم والدين ويحكّمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء».. هذه الصفات أسهمت في تكوين شخصية يوسف بن تاشفين القيادية.
في الوقت الذي كان فيه ابن تاشفين يواصل فتوحاته ببلاد المغرب، ويعمل على استتباب الأمن والاستقرار بالدولة المرابطية، كان المسلمون في بلاد الأندلس يعيشون الويلات بسبب القمع والاضطهاد من قبل ملوك الإفرنجة الصليبيين. وكان ملوك الطوائف الأندلسية يدفعون الجزية والهدايا كل عام إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة لنيل رضاه.
وعندما ضاقوا ذرعا من تصرفات ملك قشتالة، أعلنوا التمرد عليه وامتنعوا عن دفع الجزية، وأقدم أمير إشبيلية المعتمد بن عباد على قتل كل الأشخاص الذين كلفهم ألفونسو السادس بتحصيل الجزية والهدايا. تَمَرُد المسلمين جعل ملوك الإفرنجة (ملوك إسبانيا وفرنسا والبرتغال) يتفقون على طرد كل المسلمين من بلاد الأندلس، وخاصة بعد سقوط طُليطلة، إذ كان المسلمون في الأندلس يحكمون 22 دويلة صغيرة، ولكل دويلة ملك، فيما سمي عهد «ملوك الطوائف».
وبدأ الخناق يشتد على ملوك الطوائف الذين كانوا يعيشون في البذخ والترف، فقاموا بالاستنجاد بيوسف بن تاشفين أمير الدولة المرابطية، ليدافع عنهم ويقيهم شر ألفونسو السادس وحلفائه. ولم تكن مسألة الاستنجاد والاستغاثة بالأمير المرابطي محل إجماع من قبل ملوك الطوائف، لخشيتهم من تبعات هذه الفكرة على ملكهم.
وفي هذا الاستنجاد خلد أمير إشبيلية المعتمد بن عباد كلمته التاريخية: «رعي الجِمال عند ابن تاشفين خير عندي من رعي الخنازير عند ألفونسو». في إشارة إلى أن العيش تحت حكم ابن تاشفين خير له من العيش تحت حكم ملك قشتالة ألفونسو السادس.
واستجاب ابن تاشفين -الذي تجاوز عمره حينها 70 عاما- لنداء الاستغاثة الذي وجهه ملوك الطوائف، وجهز جيشا ضخما دخل به مدينة الجزيرة الخضراء التي كانت تحت حكم المعتمد بن عباد، فحصنها وجعلها قاعدة خلفية لقواته العسكرية.
وبدأ في تبادل الرسائل مع ملك قشتالة، ودعاه إما للإسلام أو الاستسلام ودفع الجزية، لكن ألفونسو رفض ذلك، الأمر الذي دفع يوسف بن تاشفين إلى عبور البحر بجيوشه ودخول الأندلس. وانضمت إليه جيوش بعض ملوك الطوائف استعدادا لمعركة «الزلاقة» الفاصلة التي جرت سنة 479 هـ الموافقة لسنة 1086، وغيّرت تاريخ الأندلس ومددت حكم المسلمين هناك 4 قرون.
وبعد فتحه بلاد الأندلس وانتصاره على الصليبيين ومبايعة ملوكها وأمرائها له، أصبح الأمير يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية الكبرى الممتدة من السنغال جنوبا إلى الاندلس شمالا ومن مدينة بجاية الجزائرية شرقا حتى المحيط الأطلسي غربا.
وتوفي أمير الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين في شهر محرم عام 500 هـ الموافق 1106م، عن عمر قارب 100 عام، بعدما عانى من المرض في آخر سنة من عمره، ودفن بمدينة مراكش المغربية حيث يوجد قبره.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك