العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

اتجاهات العلاقة بين الدولة والمجتمع

بقلم: د. ناجي صادق شراب

الجمعة ١٥ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المقاربات‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬لنا‭ ‬التطورات‭ ‬السياسية‭ ‬والتفاعلات‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬وشكل‭ ‬السلطة‭ ‬وظاهرة‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬وحالات‭ ‬الاستقرار‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬وانتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬السياسي‭ ‬مقاربة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭. ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬لنا‭ ‬تعدد‭ ‬أشكال‭ ‬وتباين‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭.‬

وبقدر‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬بقدر‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬من‭ ‬فرضية‭ ‬أن‭ ‬بيئة‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬تختلف‭ ‬بمتغيراتها‭ ‬ومكوناتها‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭. ‬فالحكم‭ ‬ركيزته‭ ‬الدولة‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬ثلاثة‭ ‬الإقليم‭ ‬وهو‭ ‬حدود‭ ‬الحكم‭ ‬والسلطة‭ ‬والشعب‭ ‬الذي‭ ‬تمارس‭ ‬عليه‭ ‬السلطة‭ ‬والسيادة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬الإرادة‭ ‬العليا‭ ‬وهي‭ ‬أساس‭ ‬السلطة‭ ‬ومنها‭ ‬تستمد‭ ‬وجودها‭.‬

وعليه‭ ‬فإن‭ ‬الحكم‭ ‬هو‭ ‬تفاعل‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬وبقدر‭ ‬قوة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتماسكه‭ ‬بقدر‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬توغل‭ ‬السلطة‭. ‬فالمجتمع‭ ‬يمثل‭ ‬الجانب‭ ‬اللاسلطوي‭ ‬للسلطة‭ ‬والحكم‭ ‬والدولة‭ ‬تمثل‭ ‬الجانب‭ ‬السلطوي‭. ‬والسلطة‭ ‬في‭ ‬أوسع‭ ‬معانيها‭ ‬تعني‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الآخرين‭ ‬وإلزامهم‭ ‬بما‭ ‬تقرره‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬وقوانين‭ ‬وسياسات‭.‬،‭ ‬وتلجأ‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لامتلاكها‭ ‬كل‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬أمنية‭ ‬وقوة‭ ‬اقتصادية‭.‬

وأيضا‭ ‬تحكمها‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬سمات‭ ‬قوة‭ ‬المجتمع‭. ‬والعلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬تأخذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شكل،‭ ‬الشكل‭ ‬الأول‭: ‬تغول‭ ‬المجتمع‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬الماركسية‭ ‬الشيوعية،‭ ‬وتغول‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ .‬

والشكل‭ ‬الثالث‭: ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬والذي‭ ‬تمثله‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬الديموقراطية‭ ‬والرشيدة‭. ‬وهنا‭ ‬تثار‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬عن‭ ‬شرعية‭ ‬السلطة‭ ‬ونشأتها‭ ‬وفرض‭ ‬طاعتها،‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬المجتمع‭ ‬وفاعليته‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تبرز‭ ‬المدرسة‭ ‬السلوكية‭ ‬وأن‭ ‬السلوك‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬التغيير‭ ‬ومن‭ ‬يحدد‭ ‬العلاقة،‭ ‬والمدرسة‭ ‬الهيكلية‭ ‬والمؤسساتية‭ ‬وإنها‭ ‬من‭ ‬تحدد‭ ‬العلاقة‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬مساراتها‭. ‬فالتغيير‭ ‬يعنى‭ ‬حرية‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬حقوقهم،‭ ‬وأما‭ ‬أنصار‭ ‬المدرسة‭ ‬الثانية‭ ‬يرون‭ ‬الالتزام‭ ‬والخضوع‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬وأوامر‭.‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬سابق‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يفرض‭ ‬شكل‭ ‬الحكم‭: ‬فالمجتمع‭ ‬المتعدد‭ ‬إثنيا‭ ‬ومذهبيا‭ ‬وأقليات‭ ‬يفرض‭ ‬شكل‭ ‬الحكم‭ ‬الفيدرالي‭ ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬المجتمع‭ ‬المتجانس‭ ‬يفرض‭ ‬مركزية‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬تعرفنا‭ ‬من‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ماذا‭ ‬ومتى‭ ‬وكيف؟‭ ‬والسلطة‭ ‬تحكم‭ ‬سيطرتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬القسر‭ ‬والإجبار‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬علاقة‭ ‬عضوية‭ ‬تكاملية،‭ ‬وأن‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الحد‭ ‬وكبح‭ ‬جماح‭ ‬السلطة‭. ‬يبقى‭ ‬شكل‭ ‬التوازن‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية‭ ‬وأساسه‭ ‬المواطنة‭ ‬الواحدة‭ ‬ومقاربة‭ ‬الحقوق‭ ‬المتساوية‭. ‬وتتوقف‭ ‬العلاقة‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المحددات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭. ‬فعلى‭ ‬أساس‭ ‬المجتمع‭ ‬تبرز‭ ‬عوامل‭ ‬التناسق‭ ‬المجتمعي‭ ‬والحقوق‭ ‬ومستوى‭ ‬التعليم‭ ‬والفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬وقوة‭ ‬الثقافة‭ ‬المدنية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وقوة‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬المتاحة،‭ ‬والتعددية‭ ‬السياسية‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬ومحددات‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬فاعلية‭ ‬المجتمع‭.‬

وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الدولة‭ ‬تبرز‭ ‬قوة‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬ومنظومة‭ ‬القوانين‭ ‬والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬العسكر‭ ‬والسلطة‭ ‬ومدنية‭ ‬الحكم‭ ‬والالتزام‭ ‬بالشرعية‭ ‬والسياسة‭ ‬القائمة،‭ ‬وطبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬السلطة‭ ‬الثلاث‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬التوازن‭. ‬وكما‭ ‬نرى‭ ‬الآن‭ ‬محاولة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إجراء‭ ‬تعديلات‭ ‬قضائية‭ ‬بهدف‭ ‬زيادة‭ ‬تغول‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وتراجع‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬وتعرض‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬كله‭ ‬لخطر‭ ‬البقاء‭. ‬وتفسر‭ ‬لنا‭ ‬أيضا‭ ‬ظاهرة‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬والصراع‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وظاهرة‭ ‬الحروب‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كليبيا‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وسببها‭ ‬محاولة‭ ‬تغول‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬لمحدداته‭ ‬وتطوراته‭.‬

وبالمقابل‭ ‬توجد‭ ‬أنظمة‭ ‬حكم‭ ‬رشيدة‭ ‬وفاعله‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭.‬

ولعل‭ ‬الإشكالية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬منا‭ ‬الفهم‭ ‬والتحليل‭ ‬إن‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬تفعل‭ ‬وتخلق‭ ‬عوامل‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأثير‭ ‬العامل‭ ‬الخارجي،‭ ‬وبقدر‭ ‬استجابة‭ ‬الدولة‭ ‬لهذه‭ ‬التغييرات‭ ‬بقدر‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬والتمكين‭ ‬السياسي‭ ‬لكل‭ ‬الشرائح‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المرأة‭ ‬وتداول‭ ‬السلطة‭. ‬وبقدر‭ ‬تأصيل‭ ‬ظاهرة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬السياسية‭ ‬وتقليص‭ ‬ظاهرة‭ ‬الفردانية‭ ‬الشخصانية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭.‬

ويبقى‭ ‬هناك‭ ‬عامل‭ ‬ثالث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬تأثيره‭ ‬وهو‭ ‬تأثير‭ ‬البيئة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وهنا‭ ‬بقدرة‭ ‬قوة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬بقدر‭ ‬تحييد‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬لهذا‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭. ‬وهنا‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬لارتباطها‭ ‬بالقانون‭ ‬وحفظ‭ ‬المجتمع‭ ‬واستقراره‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬فاعلية‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬الشرعية‭ ‬والقوة‭ ‬للدولة‭. ‬

 

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا