أكدت د. صباح الجنيد، أستاذ نظم المعلومات الجغرافية والبيئة المشارك، الخبير المتخصص في دراسات قابلية تأثير تغير المناخ على الدول الجزرية والسواحل المنخفضة السطح، أن الكثير من الدراسات نوهت بأن سواحل جزر مملكة البحرين قد تواجه تحديات كبيرة من ارتفاع مستوى سطح البحر، ولكن، المملكة بدأت باتباع العديد من حلول التكيف المبدئية خلال العشرين سنة الماضية، وإن كانت بشكل غير مباشر، حيث إننا نعرف جميعا أن الأراضي هي المورد الأغلى من منظور مساحة المملكة، مما دفع متخذو القرار في المملكة إلى دفن سواحل بعض الجزر الرئيسة كجزيرة البحرين، والمحرق وسترة. وعملية الدفن تلك لها قوانين واضحة ومحددة بارتفاع مستوى الدفان المطلوب.
جاء ذلك في مقابلة حصرية لقسم الإعلام بجامعة الخليج العربي، تحدثت خلالها الدكتورة الجنيد، والتي تمتلك خبرة تزيد على 25 سنة في دراسات تغير المناخ وتأثيراته على الموارد الطبيعية والبشرية، والتي أسهمت خلال السنوات الماضية مع عديد من الخبراء والمتخصصين من مملكة البحرين ومن دول الخليج العربي في إعداد دراسات آثار تغير المناخ على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وساهمت في إعداد دراسات التقارير الوطنية لتغير المناخ في مملكة البحرين، الكويت، سلطنة عمان، والعراق المقدمة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وهذا نص المقابلة:
هل سواحل جزر مملكة البحرين معرضة لمخاطر ارتفاع سطح البحر في المستقبل المنظور؟؟
{ بداية القصة البشر مسؤولون عن التغير المناخي في السنوات الــــ200 الأخيرة من عمر كوكب الأرض.
لقد بدأ الإحساس الفعلي بتغير المناخ في كل أنحاء العالم بسبب الارتفاع في درجات الحرارة، وكما تؤكد الهيئات الدولية المتخصصة في دراسات البيئة أن المشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع درجة الحرارة، فهذا ليس سوى بداية القصة، فالأرض عبارة عن نظام متكامل يتصل بعضه ببعض، فأي تغيرات في منطقة معينة يمكن أن تؤثر في التغييرات في جميع المناطق الأخرى حول العالم. وستشمل عواقب وآثار تغير المناخ أمورا متعددة، منها، نوبات الجفاف الشديد، وندرة المياه، والحرائق المستعرة، وارتفاع مستويات سطح البحار، والفيضانات، وذوبان الجليد بما فيها الجليد القطبي، والعواصف الكارثية، وتدهور التنوع الأحيائي، وغيرها، وهذا يعتمد على المواقع الجغرافية للدول على سطح الكرة الأرضية.
ما جهود مملكة البحرين في التصدي لظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر؟ وهل عملية دفن السواحل المنخفضة أحد الحلول؟
{ نعم، ولكن، كما تذكر وتؤكد الكثير من الدراسات أن سواحل جزر مملكة البحرين قد تواجه تحديات كبيرة من ارتفاع مستوى سطح البحر، ولكن، من نافلة القول إن المملكة بدأت باتباع العديد من حلول التكيف المبدئية خلال العشرين سنة الماضية، وإن كانت بشكل غير مباشر، حيث إننا نعرف جميعا أن الأراضي هي المورد الأغلى من منظور مساحة المملكة، مما دفع متخذو القرار في المملكة إلى دفن سواحل بعض الجزر الرئيسة كجزيرة البحرين، والمحرق وسترة. وعملية الدفن تلك لها قوانين واضحة ومحددة بارتفاع مستوى الدفان المطلوب.
ونستطيع القول في هذا الموضوع إن مراجعة قوانين الدفان التي تمت في سنة 2008 عندما أصدرت وزارة الأشغال العامة في البحرين دليل التجريف واستصلاح الأراضي الذي يجب الالتزام به في جميع أنشطة استصلاح الأراضي وتجريفها في مملكة البحرين، 2008، وذلك بالتعاون مع الشركات المتخصصة كانت البداية العملية للتكيف مع ظاهرة ارتفاع منسوب سطح البحر. لقد وفر الدليل إرشادات أساسية جدًا لمستويات الاستصلاح من خلال بناء نماذج خرائطية متعددة أدخلت تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر ضمن العوامل الأساسية في تحديد مستوى عمود الدفان. ولقد قامت الوزارة بإدراج ارتفاع إضافي لمستوى استصلاح الأراضي من أجل تحديد مستوى آمن لاستصلاح الأراضي بزيادة مستوى الدفن بمقدار 40 سم إلى 50 سم لخرائطها للمائة سنة القادمة. في هذا الإطار، أضافت المعلومات الخاصة بتأثيرات العواصف، والضغط الجوي، وتكوين الرياح والأمواج، وتأثيرات المد والجزر، وكل المعلومات ذات العلاقة بتحديد مستوى الاستصلاح.
ويمكن ملاحظة المساحات المدفونة حول جزيرة المحرق من خلال الخرائط، والتي تعد حائط صد أو تكيف لارتفاع مستوى سطح البحر. وهي تغير خط الساحل في 1990 و2000.
وبالرجوع إلى موضوع تأثيرات ارتفاع سطح البحرين في سواحل جزر المملكة ليس بالموضوع الجديد... ولكنه مٌتجدد باستمرار، وذلك مرتبط بالتقارير التي تصدرها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي أصدرت تقريرها التقييمي السادس حول تغير المناخ في 2021-2023، وهي التقارير العلمية الموثوقة والتي تصدر عن الهيئة كل ست أو سبع سنوات. (الهيئة الحكومية الدولية بتغير المناخ تأسست في 1988 لتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات التصدي لهذه التغيرات).
حاليا لايزال العالم يقرأ ويراجع تقييم الهيئة السادس والذي اشتمل على الدراسات العلمية لما ورد في التقييم الخامس والذي صدر في 2014. هذه التقارير تؤكد مجموعة من آثار تغير المناخ على الموارد بالاعتماد على سيناريوهات محتملة لارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد وارتفاع سطح البحر والأحداث المتطرفة كالأعاصير والفيضانات، اعتمادا على البيانات الموثوقة المجمعة والدراسات العلمية والتطبيقية المنشورة في مختلف أنحاء العالم، والتي بدأت آثارها ملموسة في الكثير من مناطق العالم.
ما تأثيرات تغير المناخ على سواحل جزر مملكة البحرين؟
{ جميع الدول الجزرية والسواحل المنخفضة السطح ستواجه تحديات متعددة من أهمها ظاهرة ارتفاع سطح البحر والتقلبات الشديدة في العواصف والأعاصير والفيضانات بسبب تغير المناخ. ويعد ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدا مباشرا لهذه الأراضي، وتتزايد احتمالات التأثيرات السلبية بتركز السكان والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بهم بشكل كبير على طول المناطق الساحلية وجميع الباحثون في علوم السواحل والبحار والهيئات الدولية يؤكدون أن ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ هو مشكلة لجميع الدول وخاصة الجزرية منها.
ومن ضمن ما تقترحه دراسات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ كأساليب متاحة للمجتمعات الساحلية أثناء محاولتها التكيف مع المخاطر المتغيرة الناجمة عن تغير المناخ وارتفاع سطح البحر، التراجع عن خط الساحل من خلال نقل البنية التحتية، وإعادة توطين السكان، أو التجنب والحماية من خلال بناء الهياكل الهندسية المقاومة لمد المياه وإعادة توطين الغطاء النباتي، أو قبول الوضع الراهن الذي يتطلب تحديث البنية التحتية وإجراء تعديلات في تخطيط استخدامات الأراضي.
ولهذا فإن مراجعة قوانين دليل الاستصلاح الذي صدر في 2008، هي الخطوة الضرورية حاليا بما يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والعالمية حول تغير المناخ، ومع تغير التوقعات في ارتفاع مستوى سطح البحر، والذي يتغير باستمرار بزيادة المعلومات الكثيفة والدقيقة المجمعة من الجهات ذات العلاقة بالرصد البحري في مملكة البحرين وبالبيانات المنشورة من الدول المجاورة.
إن سواحل جزر مملكة البحرين مكتظة بالأنشطة وبالسكان، ومع ندرة الأراضي فإن الجهات المسؤولة في الدولة لديها اختيار أو مزاوجة الحلول المطلوبة لمواجهة آثار ارتفاع سطح البحر خلال المرحلة القادمة، وهي سياسة اختطتها الجهات المسؤولة في الدولة منذ سنوات عديدة بتحديد مستوى الدفان واستصلاح الأراضي، مع الأخذ في الاعتبار التكلفة الاقتصادية لتبنى السياسات المطلوبة.
ما التقديرات المبدئية لارتفاع سطح البحر حول جزر مملكة البحرين؟
{ ربما تتعرض الأراضي المنخفضة للسواحل خصوصا الجزء الجنوبي من جزيرة البحرين وجزيرة أم النعسان، لأن هذه المناطق منخفضة السطح وجزء منها عبارة عن سبخات ملحية، وبعضها تحت مستوى سطح البحر.
وضمن التقديرات المبدئية لكل الدراسات التي تمت خلال العشرين سنة الماضية تأرجحت التقديرات حول الأراضي التي قد تتعرض للغمر إما الجزئي أو الدائم وذلك على حسب البيانات المتوافرة ودقتها. والبيانات التي نعتمد عليها حاليا أكثر دقة من السابق، وبغض النظر عن أية إجراءات، ستظل بعض الأراضي تحت التهديد المباشر لارتفاع سطح البحر إذا ما زاد عن متر واحد، وربما تتعرض أجزاء من البنية التحتية في المناطق المهددة بالغمر بهذه الظاهرة.
لا شك أن الحلول القائمة على الطبيعة كاستزراع القرم على بعض شواطئ المملكة والمحافظة عليه في مناطق انتشاره الطبيعية يمكن أن يسهم في تثبيت الشواطئ والتخفيف من أثر المد فضلا عن توفيره موائل للحياة البرية والبحرية ناهيك عن إسهامه في عملية التخفيف من أثر تغير المناخ من خلال عزل الكربون في نظامه البيئي.
ولابد من لإشارة إلى أن سواحل جميع جزر البحرين الرئيسة تتغير حسب توجهات وسياسات الدولة، والأرقام المبدئية التي تذكر كنسب ومساحات للخسائر في الأراضي الساحلية أمام تمدد البحرين هي تقديرية، فمثلا، لهذه الدراسة حاليا التي نقوم بها فهي في حدود من 5% إلى 15% عند سيناريوهات نصف متر ومتر بالتوالي، ومعظمها أراضي الجنوب وجزيرة أم النعسان، إذا ظل الوضع على ما هو عليه. جزر حوار ليست مشمولة في الدراسة.
المناطق المنخفضة تحت توقعات النصف متر ومتر، وهي توقعات قد يزداد ارتفاع سطح البحر بمقدار نصف متر خلال الـ 70 سنة القادمة أو أقرب كثيرا من ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك