العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الدور الغربي في ضرب الأخوة الروسية الأوكرانية

بقلم: د. نبيل العسومي

الاثنين ١٨ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬المحزن‭ ‬حقا‭ ‬متابعة‭ ‬أخبار‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬جانبها‭ ‬العسكري‭ ‬والإنساني‭ ‬وذلك‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬السياسي‭ ‬والأسباب‭ ‬والمبررات‭ ‬سواء‭ ‬للعملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أو‭ ‬للهجمات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬الروسية‭ ‬أو‭ ‬العمليات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬المضادة‭ ‬فإن‭ ‬الجانب‭ ‬المحزن‭ ‬والمؤلم‭ ‬هو‭ ‬هذه‭ ‬الخسائر‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬يتكبدها‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬والشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬فالخسائر‭ ‬المادية‭ ‬لا‭ ‬تحصى‭ ‬ولا‭ ‬تعد‭ ‬على‭ ‬الطرفين‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الروسي‭ ‬لأن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تتلقى‭ ‬مساعدات‭ ‬مادية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتدعمها‭ ‬ماديا‭ ‬وعسكريا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬ولكن‭ ‬الخسائر‭ ‬الفادحة‭ ‬والمؤلمة‭ ‬أكثر‭ ‬هي‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تقضي‭ ‬يوميا‭ ‬على‭ ‬المئات‭ ‬وربما‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬وأغلبهم‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مكانه‭ ‬الطبيعي‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بكل‭ ‬اشكالها‭ ‬فكل‭ ‬يوم‭ ‬يمر‭ ‬تؤدي‭ ‬المعارك‭ ‬الهجومية‭ ‬والمضادة‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الطرف‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررا‭ ‬هو‭ ‬الطرف‭ ‬الأوكراني‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬حسب‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬66‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭.‬

الجانب‭ ‬المادي‭ ‬ينتهي‭ ‬أيضا‭ ‬بتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬وإقامتها‭ ‬عبر‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬لتوفير‭ ‬أسس‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬فتذهب‭ ‬اليوم‭ ‬أدراج‭ ‬الرياح‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬أغلب‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المنشآت‭ ‬ذات‭ ‬الاستخدام‭ ‬العسكري‭ ‬أو‭ ‬الاستخدام‭ ‬المزدوج‭ ‬مثل‭ ‬المخازن‭ ‬والمطارات‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬أغلبها‭ ‬أيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬

الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬والموجع‭ ‬والمؤلم‭ ‬هو‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬فكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬فإن‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬والشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬شعبان‭ ‬شقيقان‭ ‬ومستوى‭ ‬التواصل‭ ‬بينهما‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬بالأخوة‭ ‬والمصاهرة‭ ‬والمساكنة‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معرفتي‭ ‬الشخصية‭ ‬بطبيعة‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬خلال‭ ‬دراستي‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬روسي‭ ‬ومن‭ ‬هو‭  ‬أوكراني‭ ‬فمستوى‭ ‬الأخوة‭ ‬الترابط‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬كبير‭ ‬وخاصة‭ ‬إبان‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬الذي‭ ‬وفر‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬التقدم‭ ‬الصناعي‭ ‬والزراعي‭ ‬وحتى‭ ‬العسكري‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬قوة‭ ‬وجعل‭ ‬منها‭ ‬دولة‭ ‬كبيرة‭ ‬وقوية‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مستوى‭ ‬الأخوة‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬خرتشوف‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1954‭ ‬وجعلها‭ ‬تحت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬أراض‭ ‬روسية‭ ‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هنالك‭ ‬أي‭ ‬إشكال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬المتميزة‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬يتحدثون‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬كلغة‭ ‬أم‭ ‬وذلك‭ ‬تأكيدا‭ ‬للهوية‭ ‬المشتركة‭ ‬ومستوى‭ ‬العلاقة‭ ‬الثقافية‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬والذي‭ ‬يعرف‭ ‬مباشرة‭ ‬حقيقة‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬يكتشف‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬أن‭ ‬الشعبين‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬شعب‭ ‬واحد‭ ‬مع‭ ‬فوارق‭ ‬جغرافية‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬فوارق‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكد‭ ‬عليه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬خلال‭ ‬اجتماعه‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سوجي‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الروس‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬ليست‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬وإنما‭ ‬ضد‭ ‬النازية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ومن‭ ‬المحزن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬ومنذ‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬قد‭ ‬عمل‭ ‬بكل‭ ‬إصرار‭ ‬وقوة‭ ‬على‭ ‬جر‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬قاطرته‭ ‬ومحاولة‭ ‬فصلها‭ ‬عن‭ ‬ارتباطها‭ ‬التاريخي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والإنساني‭ ‬والثقافي‭ ‬عن‭ ‬أمها‭ ‬الحنونة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وقد‭ ‬صادف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬تراجع‭ ‬وضعف‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬مما‭ ‬مكن‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬هذه‭ ‬الرابطة‭ ‬القوية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬والشعبين‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬كي‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفه‭ ‬في‭ ‬محاصرة‭ ‬روسيا‭ ‬وعزلها‭ ‬وتهديد‭ ‬أمنها‭ ‬ووجودها‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬العداوة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬والشعبين‭ ‬وكي‭ ‬يصنع‭ ‬هذه‭ ‬العداوة‭ ‬ويحولها‭ ‬إلى‭ ‬بركان‭ ‬متفجر‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬ويعزز‭ ‬النازية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لأنها‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لتغذية‭ ‬الكراهية‭ ‬لروسيا‭ ‬وللروس‭ ‬وللثقافة‭ ‬الروسية‭ ‬وللغة‭ ‬الروسية‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬فظهرت‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬والشعارات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وتحولت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالثورة‭ ‬البرتقالية‭ ‬التي‭ ‬صنعها‭ ‬الغرب‭ ‬وخاصة‭ ‬الأمريكان‭ ‬الذين‭ ‬استطاعوا‭ ‬خلق‭ ‬قوة‭ ‬جديدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تسلم‭ ‬زمام‭ ‬الحكم‭ ‬وتكون‭ ‬معادية‭ ‬تماما‭ ‬لروسيا‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬ثمرة‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬الخطير‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬إعلان‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الدونباس‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والتي‭ ‬يسكنها‭ ‬أغلبية‭ ‬ساحقة‭ ‬من‭ ‬الروس‭ ‬وانطلقت‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬حرب‭ ‬جديدة‭ ‬قادها‭ ‬النظام‭ ‬المتطرف‭ ‬ضد‭ ‬روس‭ ‬الدونباس‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬حربا‭ ‬شعواء‭ ‬ضد‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وتبينت‭ ‬الأهداف‭ ‬الشريرة‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬وراءها‭ ‬حيث‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الروس‭ ‬وتطهير‭ ‬الدونباس‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬الأصليين‭ ‬ومحاصرة‭ ‬روسيا‭ ‬فكانت‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ضرورية‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬وحماية‭ ‬كيان‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والشعب‭ ‬الروسي‭ ‬والبقية‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الشعبان‭ ‬الشقيقان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا