العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

اتجاهات تحرر الجنوب العالمي وفرص نجاح التنمية

بقلم: د. عمرو حمزاوي

الثلاثاء ١٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬توسيع‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬والفرص‭ ‬التنموية‭ ‬والمكاسب‭ ‬التجارية‭ ‬والنقدية‭ ‬التي‭ ‬ستحملها‭ ‬العضوية‭ ‬الكاملة‭ ‬اعتبارا‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬2024،‭ ‬ثمة‭ ‬أهمية‭ ‬سياسية‭ ‬وجيو‭ ‬ــ‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبيرة‭ ‬لهذا‭ ‬التجمع‭ ‬ولدوره‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬ولحضوره‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬الممتدة‭ ‬عبر‭ ‬القارات‭ ‬الآسيوية‭ ‬والإفريقية‭ ‬والأمريكية‭ ‬اللاتينية‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تتصاعد‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬مصر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وإيران‭ ‬والأرجنتين‭ ‬إلى‭ ‬الأعضاء‭ ‬المؤسسين‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬وروسيا‭ ‬والبرازيل‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أولى‭ ‬وقبل‭ ‬التوسعة،‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬دول‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬ما‭ ‬يتجاوز‭ ‬40‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وتسهم‭ ‬اقتصادياته‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثلث‭ ‬الناتج‭ ‬العالمي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬ويدار‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬تبادلاته‭ ‬التجارية‭ ‬بالعملات‭ ‬الوطنية‭ ‬وليس‭ ‬الدولار،‭ ‬وقدم‭ ‬‮«‬بنك‭ ‬التنمية‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬التابع‭ ‬له‭ ‬قروضا‭ ‬تنموية‭ ‬لدوله‭ ‬ولدول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

اعتبارا‭ ‬من‭ ‬2024،‭ ‬سترتفع‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬انضمام‭ ‬الأعضاء‭ ‬الجدد‭ ‬وسيكتسب‭ ‬التجمع‭ ‬تنوعا‭ ‬جغرافيا‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والقرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬وجنوب‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تجمع‭ ‬‮«‬بريكس‭ ‬بلس‮»‬‭ ‬سيصير‭ ‬مع‭ ‬عضوية‭ ‬روسيا‭ ‬والسعودية‭ ‬وإيران‭ ‬والإمارات‭ ‬المورد‭ ‬الأكبر‭ ‬للطاقة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭.‬

نحن،‭ ‬إذا،‭ ‬أمام‭ ‬تجمع‭ ‬له‭ ‬قوة‭ ‬بشرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬كبرى‭ ‬ويتمتع‭ ‬بتنوع‭ ‬جغرافي‭ ‬حقيقي‭ ‬وبقدرات‭ ‬تنموية‭ ‬وثروات‭ ‬طبيعية‭ ‬هائلة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ابتعاد‭ ‬أعضاء‭ ‬‮«‬بريكس‭ ‬بلس‮»‬‭ ‬بالحسابات‭ ‬الراهنة‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬اندماج‭ ‬اقتصادي‭ ‬وتجاري‭ ‬ومالي‭ ‬مشابه‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬للتجارة‭ ‬الحرة‭ ‬كمنطقة‭ ‬‮«‬نافتا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وكندا‭ ‬والمكسيك،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مصادر‭ ‬قوتها‭ ‬وتنوعها‭ ‬وقدراتها‭ ‬تؤهلها‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬تكتلا‭ ‬عالميا‭ ‬مؤثرا‭ ‬بشرط‭ ‬حضور‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬السياسي‭ ‬والوعي‭ ‬الجيو‭ ‬ــ‭ ‬استراتيجي‭ ‬وتوافق‭ ‬إرادات‭ ‬الأعضاء‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬التدريجي‭ ‬للتعاون‭ ‬التنموي‭ ‬وللعلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬وفيما‭ ‬خص‭ ‬شرط‭ ‬التنسيق‭ ‬السياسي،‭ ‬أظهر‭ ‬الأعضاء‭ ‬المؤسسون‭ ‬لتجمع‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الدولي‭ ‬المشترك‭ ‬وعلى‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬والإسهام‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬قضاياهم‭ ‬العادلة‭.‬

قادت‭ ‬الصين‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الدولية‭ ‬المطالبة‭ ‬بحل‭ ‬سلمي‭ ‬للحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ــ‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬والممتنعة‭ ‬عن‭ ‬إدانة‭ ‬أحادية‭ ‬للغزو‭ ‬الروسي‭ ‬للأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬للتهديدات‭ ‬الواردة‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬وأمن‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬مثلها‭ ‬انضمام‭ ‬محتمل‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬والرافضة‭ ‬للانصياع‭ ‬للعقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭. ‬واشتركت‭ ‬الهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬معارضة‭ ‬توظيف‭ ‬الغرب‭ ‬لمنصة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإدانة‭ ‬روسيا،‭ ‬وفي‭ ‬تفنيد‭ ‬ازدواجية‭ ‬معايير‭ ‬الجانبين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬اللذين‭ ‬يريان‭ ‬في‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬فعلا‭ ‬إجراميا‭ ‬يناقض‭ ‬مبادئ‭ ‬وقواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بينما‭ ‬يبرران‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬والأبارتيد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ويتنصلان‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬سببه‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬ــ‭ ‬البريطاني‭ ‬للعراق‭ ‬والغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬ــ‭ ‬الأوروبي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬والتدخلات‭ ‬الغربية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والقرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا‭.‬

قادت‭ ‬الصين‭ ‬أيضا‭ ‬التجمع‭ ‬باتجاه‭ ‬التنسيق‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬للحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ــ‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬الروسية‭ ‬قد‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إمداد‭ ‬الجنوب‭ ‬بالقمح‭ ‬والحبوب‭ ‬الأساسية‭ ‬الأخرى‭ ‬بأسعار‭ ‬مخفضة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تبادلات‭ ‬بالمقايضة‭ ‬أو‭ ‬بقروض‭ ‬ميسرة‭ ‬لضمان‭ ‬أمنها‭ ‬الغذائي،‭ ‬فإن‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬اضطلعت‭ ‬بمبادراتها‭ ‬التنموية‭ ‬الكبرى‭ ‬مع‭ ‬الجنوب‭ (‬الحزام‭ ‬والطريق‭) ‬بالدور‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرا‭ ‬ومحدودة‭ ‬الدخل‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬السيئة‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬والتي‭ ‬عمقت‭ ‬منها‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ــ‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بارتفاعات‭ ‬أسعار‭ ‬الحبوب‭ ‬والطاقة‭ ‬ومعدلات‭ ‬التضخم‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭.‬

توسعت‭ ‬الصين‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬الإقراض‭ ‬التنموي‭ ‬لبلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬وفي‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بالعملات‭ ‬الوطنية‭ ‬وفي‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬جوارها‭ ‬الآسيوي‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬الشروط‭ ‬المالية‭ ‬للقروض‭ ‬والاستثمارات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬من‭ ‬قروض‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬والحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬قدمت‭ ‬وتقدم‭ ‬‮«‬شريانا‭ ‬لحياة‮»‬‭ ‬فقراء‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تراجع‭ ‬ويتراجع‭ ‬بها‭ ‬اهتمام‭ ‬الغرب‭ ‬بهم‭.‬

كما‭ ‬إن‭ ‬الصين،‭ ‬ومعها‭ ‬الهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬نشطت‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وفي‭ ‬سياقات‭ ‬مختلفة،‭ ‬إن‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مراقبة‭ ‬وستصبح‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬2024‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬مجموعة‭ ‬الـ77‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬كمنتديات‭ ‬التنمية‭ ‬والمناخ‭ ‬العالمية،‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬ومطالبها‭ ‬العادلة‭ ‬فيما‭ ‬خص‭ ‬حقوقها‭ ‬التنموية‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬تداعيات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تتسبب‭ ‬به‭ ‬وتتحمل‭ ‬كلفته‭ ‬والتعاطي‭ ‬مع‭ ‬تراكم‭ ‬ديون‭ ‬الجنوب‭ ‬وأزماته‭ ‬التجارية‭ ‬والمالية‭ ‬التي‭ ‬تستدعي‭ ‬حلا‭ ‬شاملا‭.‬

وحتما‭ ‬سيتصاعد‭ ‬هذا‭ ‬التنسيق‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والسياسي‭ ‬باسم‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬بانضمام‭ ‬دول‭ ‬كمصر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬والأرجنتين‭ ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬اهتمام‭ ‬تقليدي‭ ‬بتمثيل‭ ‬مصالح‭ ‬قاراتها‭ ‬وبالبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬شاملة‭ ‬وعادلة‭ ‬لأزمات‭ ‬التنمية‭ ‬والديون‭ ‬والتجارة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬ثالثة،‭ ‬وفيما‭ ‬خص‭ ‬شرط‭ ‬حضور‭ ‬الوعي‭ ‬الجيو‭ ‬ــ‭ ‬استراتيجي‭ ‬لدى‭ ‬تجمع‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬بكونه‭ ‬يمثل‭ ‬تكتلا‭ ‬عالميا‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الكونية‭ ‬للغرب‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والمال،‭ ‬فإن‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬للأعضاء‭ ‬المؤسسين‭ ‬للتجمع‭ ‬ولبعض‭ ‬المنضمين‭ ‬الجدد‭ ‬يدلل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭.‬

للحكومتين‭ ‬الصينية‭ ‬والروسية‭ ‬خطاب‭ ‬رسمي‭ ‬يرفض‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭ (‬مركزية‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬وسيطرة‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬والتبادلات‭ ‬البنكية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظام‭ ‬سويفت‭) ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬لها‭ ‬إن‭ ‬باعتماد‭ ‬العملات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬التبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬أو‭ ‬بالتوسع‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬المقايضة‭ ‬التجارية‭ ‬أو‭ ‬بتأسيس‭ ‬بنك‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تواضع‭ ‬رأسماله‭ ‬المعلن‭ ‬وتواضع‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬الرأسمال‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭.‬

أما‭ ‬الهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬كأعضاء‭ ‬مؤسسين،‭ ‬ومعهم‭ ‬مصر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬والأرجنتين‭ ‬كأعضاء‭ ‬جدد،‭ ‬فلهم‭ ‬تاريخيا‭ ‬خطابٌ‭ ‬تحرري‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تخليص‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬ويمد‭ ‬الخط‭ ‬على‭ ‬استقامته‭ ‬بين‭ ‬السيطرة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬للغرب‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬حتى‭ ‬بدايات‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬والاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬أسست‭ ‬له‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬1945‭ ‬وما‭ ‬لبثت‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬استمراره‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية،‭ ‬بل‭ ‬والسياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والأمنية‭.‬

تعي‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬جيدا،‭ ‬دون‭ ‬تورط‭ ‬في‭ ‬معاداة‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬تربطها‭ ‬به‭ ‬علاقات‭ ‬تعاون‭ ‬واسعة،‭ ‬الأهمية‭ ‬الجيو‭ ‬ــ‭ ‬استراتيجية‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬مصيدة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬والمستدامة‭ ‬للجنوب‭ ‬وتعميق‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬بلدانه‭ ‬لانتزاع‭ ‬حقوقها‭ ‬التي‭ ‬أهدرت‭ ‬تاريخيا‭ ‬بسبب‭ ‬ماضي‭ ‬وحاضر‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬واستعادة‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي‭.‬

ليس‭ ‬بغريب،‭ ‬إذا،‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬الحكومة‭ ‬الهندية‭ ‬عن‭ ‬عروض‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تنهال‭ ‬عليها‭ ‬اليوم‭ ‬لجرها‭ ‬إلى‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وأن‭ ‬تخرج‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬عدة‭ (‬الهبوط‭ ‬الناجح‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬المظلم‭ ‬من‭ ‬القمر،‭ ‬وقمة‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬جوهانسبرج‭ ‬وإعلان‭ ‬توسع‭ ‬التجمع‭) ‬بخطاب‭ ‬يموضع‭ ‬العملاق‭ ‬الآسيوي‭ ‬الصاعد‭ ‬داخل‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬كممثل‭ ‬لحقوق‭ ‬شعوبه‭ ‬وآمالها‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والعدالة‭ ‬والتقدم‭. ‬ليس‭ ‬بغريب،‭ ‬أيضا،‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬للدول‭ ‬المنضمة‭ ‬حديثا‭ ‬الى‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬المرحب‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬التجمع‭ ‬متطابقا‭ ‬في‭ ‬ترحيبه‭ ‬باسم‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬بالعضوية‭ ‬وفي‭ ‬تشديده‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬التنموية‭ ‬والمطالب‭ ‬العادلة‭ ‬لبلدانه‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬رابعة،‭ ‬وفيما‭ ‬خص‭ ‬مدى‭ ‬توافق‭ ‬إرادات‭ ‬أعضاء‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬التدريجي‭ ‬للتعاون‭ ‬التنموي‭ ‬وللعلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية‭ ‬بينها‭ ‬وكذلك‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الاندفاع‭ ‬الروسي‭ ‬السابق‭ ‬لأوانه‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬ونظام‭ ‬نقدي‭ ‬مشترك‮»‬‭ ‬وعن‭ ‬التصريحات‭ ‬الصينية‭ ‬عن‭ ‬تشجيع‭ ‬تعاملات‭ ‬تجارية‭ ‬شاملة‭ ‬بغير‭ ‬الدولار‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬سابقة‭ ‬لأوانها،‭ ‬فإن‭ ‬الثابت‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬رغبة‭ ‬الأعضاء‭ ‬المؤسسين‭ ‬والجدد‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬التجمع‭ ‬لمنازعة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭.‬

الصين،‭ ‬وهي‭ ‬المنافس‭ ‬الأكبر‭ ‬والأشرس‭ ‬للغرب،‭ ‬تريد‭ ‬قيادة‭ ‬تكتل‭ ‬عالمي‭ ‬مؤثر‭ ‬يدعم‭ ‬من‭ ‬قوتها‭ ‬وأوراقها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وتقدم‭ ‬نظير‭ ‬ذلك‭ ‬مساعدات‭ ‬تنموية‭ ‬واسعة‭. ‬أما‭ ‬روسيا،‭ ‬فتبحث‭ ‬عن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬عليها‭ ‬بتطوير‭ ‬منظومة‭ ‬بديلة‭ ‬للعلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية‭ ‬وتحتاج‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬بثقلهم‭ ‬الكبير‭.‬

‭ ‬بينما‭ ‬تعمل‭ ‬الهند‭ ‬ومعها‭ ‬الأعضاء‭ ‬الآخرون‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والمطالب‭ ‬التنموية‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الانكشاف‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والمال‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬توصيفه‭ ‬بالاعتماد‭ ‬الأحادي‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬المدارة‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ (‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭) ‬وتعظيم‭ ‬فرصها‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والشاملة‭.‬

أما‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للطاقة،‭ ‬فلها‭ ‬مصالح‭ ‬ترتبط‭ ‬إن‭ ‬بتقليل‭ ‬هيمنة‭ ‬الغرب‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مزايا‭ ‬تنافسية‭ ‬أكبر‭ ‬أو‭ ‬بتحقيق‭ ‬استقلالية‭ ‬تجارة‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬وسيطرة‭ ‬الدولار‭ ‬على‭ ‬مبادلاتها‭.‬

بحسابات‭ ‬اليوم،‭ ‬إذا،‭ ‬لسنا‭ ‬إزاء‭ ‬تجمع‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬مناظر‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬منطقة‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬كاملة‭ ‬تتطابق‭ ‬مع‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬نافتا‮»‬‭ ‬ويصبح‭ ‬من‭ ‬الخطأ،‭ ‬سياسيا‭ ‬وتحليلا،‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬بمعايير‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬السباق‭ ‬الأوروبي‭ ‬أو‭ ‬الأمريكي‭ ‬الشمالي‭. ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬مع‭ ‬تجمع‭ ‬ذي‭ ‬قدرات‭ ‬تنموية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬ومالية‭ ‬هائلة،‭ ‬وتنسيق‭ ‬سياسي‭ ‬متصاعد،‭ ‬ووعي‭ ‬واضح‭ ‬بالوزن‭ ‬الجيو‭ ‬ــ‭ ‬استراتيجي‭ ‬وبالدور‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي،‭ ‬وتوافق‭ ‬الإرادات‭ ‬لجهة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‭ ‬المؤسسين‭ ‬والجدد‭ ‬وبينهم‭ ‬وبين‭ ‬بقية‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬الذين‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‭ ‬ومطالبها‭ ‬العادلة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سئمت‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬ومن‭ ‬مراكمة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬للثروات‭ ‬على‭ ‬حسابها‭ ‬ومن‭ ‬الاستدانة‭ ‬لمؤسسات‭ ‬وبنوك‭ ‬الغرب‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬بجامعة‭ ‬ستانفورد‭ ‬الأمريكية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا