كتاب يرصد أقدم جماعة تجارية هندية أثرت في المنطقة
«بانيان البحرين» رحلة سبر أغوارها الكاتب د. نادر كاظم في أحدث إصدارته «من تاتا إلى البحرين»، الذي رصد من خلاله سيرة الجماعة التجارية الهندية الأهم والأقدم التي اتصلت بأسواق الخليج منذ قرون حتى اليوم، وتركت بصماتها العميقة في معظم نواحي حياة الناس في الخليج.
كان هذا هو محور الأمسية الثقافية التي أقامها نادي العروبة مساء الأربعاء ضمن موسمه الثقافي بحضور عدد من المهتمين والكُتاب والمطلعين على ثقافة تاريخ البحرين، تلك الأمسية التي أدراها عبد علي الغسرة الذي استعرض فصول الكتاب الذي تناول رحلة «البانيان» من سيراف إلى هرمز، حتى محور حياتهم الدينية التي مارسوها بكامل حريتهم في المعبد الهندوسي المعروف في العاصمة المنامة.
كما طرح الدكتور كاظم في كتابه فصلًا خاصًا عن وجود جماعة البانيان في الخليج من تجارة التمور في القطيف والمنافسة التجارية التي تعرضوا لها في دولة قطر، وتوسعهم إلى تجارة اللؤلؤ حيث اعتمدوا على شراء اللؤلؤ من تجار البحرين المعروفين بمقابل بيع الأرز لهم وبعض المواد الغذائية مثل البهارات، حيث كانت بداية وجود الأرز في البحرين عن طريق جماعة البانيان الذين اعتمدوا على التجارة التبادلية القائمة على تصدير الأرز في مقابل استيراد اللؤلؤ.
وأشار الكتاب إلى التأثيرات الإيجابية التي طالت البحرين من وجود هذه الجماعة حيث تم تأسيس مستشفى فيكتوريا التذكاري والمدرسة الهندية في المنامة إلى جانب المعبد الهندوسي وهذا ما دلّ على قوة تجارتهم وارتباطهم بالبحرين آنذاك.
وبيّن د. نادر خلال الأمسية الثقافية الأسباب التي دفعته إلى الاهتمام بتاريخ البانيان في البحرين تلخصّت في عدّة أمور، جاء أولها أن البانيان تعتبر أقدم جماعة هندية–هندوسية معروفة اتصلت بالبحرين واستقرت فيها منذ زمن بعيد وجاء ذلك بصورة موثقة في العام السابع عشر، وقد بقيت الهند الخط التجاري الأساسي في البحرين حتى استقلال الهند في عام 1947 حيث لعبت جماعة البانيان دورا مهما في انتعاش التجارة البحرين في ذلك الوقت.
إلى جانب الدور الذي لعبه التأثير الهندي القديم في المنطقة سواء في الخليج أو في البحرين وذلك في المعمار أو الطعام أو في اللغة يعود سبب ذلك التأثير بسبب وجود هذه الفئة في منطقة الخليج، كما تحدّث الكاتب الدكتور إلى أن وجود الهندوس والمعبد يمثل أبرز معالم التسامح والتنوّع وتقبّل الآخر والتي ميّزت تاريخ المنامة والبحرين.
وجاء السبب الأخير الذي دفعه إلى كتابة هذا الكتاب هو أهمية تدوين تاريخ وجود هذه الفئة في الخليج وفي البحرين على وجه الخصوص لما فيه من دور مهم في تاريخ العلاقات التجارية بين الهند وموانئ مدن الخليج حيث اعتبر وجودهم جزءا من تاريخ الخليج ككل.
وحول معنى اسم البانيان أشار د. كاظم إلى أنه اسم علم يشير إلى جماعة محددة من التجار الهندوس في غرب الهند وإقليم البنغال، وهي كلمة هندية من أصل سنسكريتي وتعني التجار، وقد دخلت الكلمة إلى اللغات الشرقية والعربية والعبرية خلال العصور الوسطى وحوالي القرن العاشر الميلادي قبل أن تنتقل إلى اللغات الغربية؛ ففي مطلع القرن السادس عشر انتقلت إلى البرتغالية وفي أواخر نفس القرن انتقلت إلى الإنجليزية.
وتطرّق الدكتور في كتابه إلى مشاهدات المؤرخين والباحثين والمهتمين في التاريخ الذين تناولوا في رحلاتهم وجود جماعة البانيان في البحرين مثل الكابتن جورج بروكس والذي شهد انتشار البانيان في موانئ الخليج خلال رحلته للمسح البحري في الخليج خلال القرن التاسع عشر حيث لاحظ أنهم اشتغلوا في تجارة اللؤلؤ وتجار اقمشة وأنسجة بالإضافة إلى أنهم اعتمدوا على اللباس العربي في بعض وجودهم في المنطقة حيث تم رصدهم في امارة أبوظبي والمنامة ومناطق عدّة خلال ذلك الوقت.
وفي ختام الأمسية الثقافية استعرض الحاضرون تاريخ بانيان البحرين بعد عام 1947 حيث وصل عددهم في عام 1959 إلى 4043 نسمة بينهم 2128 هندوسيا وهو أكبر عدد وصلوا إليه طوال تاريخ وجودهم في المنطقة وفي البحرين.
وتطرق النقاش إلى آخر مستجدات وجود جماعة البانيان في البحرين الذين تراجع عددهم بشكل ملحوظ لعدّة أسباب هي اختلاف اهتمامات تجارتهم وانتقالهم إلى دول أخرى في العالم لتوسيع تجارتهم، إلا أن هناك فئة كبيرة منهم مازالت محافظة على تجارتها في البحرين حتى اليوم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك