العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأبعاد الإنسانية وأزمة ظاهرة العولمة

بقلم: د. نبيل فهمي {

الجمعة ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

انتشرت‭ ‬نظرية‭ ‬وممارسات‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬بالعولمة‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية‭ ‬مع‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وارتفاع‭ ‬غلبة‭ ‬التوجهات‭ ‬الغربية‭ ‬الرأسمالية‭ ‬وانتشار‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬عبر‭ ‬القارات‭ ‬والبحار،‭ ‬وترجمت‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مؤسسات‭ ‬‮«‬بريتون‭ ‬وودز‮»‬‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬صندوق النقد‭ ‬الدولي‮ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬التالية‭ ‬مثل‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭.‬

والفلسفة‭ ‬الغربية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬العولمة‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬تكامل‭ ‬الأسواق‭ ‬بإعطاء‭ ‬أولوية‭ ‬لتأمين‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وسهولة‭ ‬انتقال‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬ومكونات‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتغذية‮ ‬‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬المنتجات‭ ‬بأقل‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق،‭ ‬بحيث‭ ‬تنجز‭ ‬وتتفاعل‭ ‬العجلة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بكفاءة‭ ‬عالية‭ ‬تحقيقاً‭ ‬للأرباح‭ ‬والمكسب،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬بأفضل‭ ‬سعر،‭ ‬وتصنيعها‭ ‬بدرجات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الجودة‭ ‬بأقل‭ ‬تكلفة‭ ‬ثم‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬المناسبة‭ ‬الجذابة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬متعاظمة،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬العنصرين‭ ‬الأساسيين‭ ‬في‭ ‬‮«‬العولمة‮»‬‭ ‬كانا‭ ‬‮«‬التكامل‭ ‬والكفاءة‭ ‬الاقتصادية‮»‬‭ ‬تحقيقاً‭ ‬للربح،‭ ‬ودعت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬العولمة‭ ‬واقتصاديات‭ ‬السوق‭ ‬بالفصل‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬العجلة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مهما‭ ‬احتدت‭ ‬المشكلات‭ ‬السياسية‭.‬

وأصاب‭ ‬كثيرون،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‮ ‬الدول‭ ‬النامية أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بدول‭ ‬الجنوب،‭ ‬في‭ ‬اعتبار‭ ‬منظومة‭ ‬العولمة‭ ‬موجهة‭ ‬ومسيرة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الكبرى،‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬مصلحة‭ ‬الاقتصادات‭ ‬والشركات‭ ‬الكبرى‭. ‬وأن‭ ‬العولمة‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬أسهل‭ ‬للكيانات‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬القوية‭ ‬لقدرتها‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬وتسويق‭ ‬المنتجات‭ ‬عالمياً،‭ ‬بل‭ ‬يخطئ‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬بأن‭ ‬دول‭ ‬اقتصادات‭ ‬السوق‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬التي‭ ‬تعاملت‭ ‬مع‭ ‬العولمة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬دولاً‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬تستفد‭ ‬منها‭.‬

فالهند‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬كانت‭ ‬تنمو‭ ‬بمعدل‭ ‬3.5‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ (‬1980‭ -‬1990‭)‬،‭ ‬وارتفع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬7‭.‬7‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ (‬2002‭ -‬2012‭) ‬وإلى‭ ‬9‭.‬5‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ (‬2005-2008‭) ‬نتيجة‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وانخفاض‭ ‬البطالة‭ ‬وتنامي‭ ‬روح‭ ‬الابتكار‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬للمواطن‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬وتشجيع‭ ‬الكفاءات‭ ‬الجديدة،‭ ‬بل‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬استفادة‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬العولمة‭ ‬هي‭ ‬الهند‭ ‬حتى‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬الغنية‭.‬

كما‭ ‬استفادت‭ ‬دول‭ ‬خارج‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المتحمسة‭ ‬له‭ ‬كلية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬أيضاً،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬موقفاً‭ ‬صدامياً‭ ‬رافضاً‭ ‬منه،‭ ‬ووجهت‭ ‬اقتصادها‭ ‬جزئياً‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مراحل‮ ‬‭ ‬لجلب‭ ‬الفوائد‭ ‬مع‭ ‬الاحتياط‭ ‬من‭ ‬المخاطر،‭ ‬ومنها‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬تبنت‭ ‬الربحية‭ ‬وكفاءة‭ ‬الأداء‭ ‬والخصخصة‭ ‬وإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬المؤسسي‭ ‬على‭ ‬شركاتها‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة،‭ ‬مع‭ ‬تشجيع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬اقتصادية‭ ‬والانفتاح‭ ‬المنضبط‭ ‬لأسواقها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تنمو‭ ‬أيضاً‭ ‬بمعدلات‭ ‬مرتفعة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬تنافس‭ ‬أمريكا‭ ‬اقتصادياً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوزت‭ ‬اليابان‭ ‬وألمانيا‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬استفادت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬الفوارق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬انخفضت‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬نمو‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وأن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حققت‭ ‬هدفها‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬نسبة‭ ‬الفقر‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬عام‭ ‬2010‭ (‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬المستهدف‭ ‬لذلك‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفقر‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬2050‭ ‬عدا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬

قناعتي‭ ‬الشخصية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬العولمة‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تفيد‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الربحية‭ ‬الخالصة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تقدر‭ ‬فحسب‭ ‬بمعدلات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الأبعاد‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬خصوصاً‭.‬

ويرتبط‭ ‬التقييم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬التجاري‭ ‬للشركات‭ ‬بالمكسب‭ (‬العائد‭ ‬المادي‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬يراعي‭ ‬بقدر‭ ‬كاف‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬لغير‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬مجاراة‭ ‬المنافسة،‭ ‬وهي‭ ‬ملحوظة‭ ‬حظيت‭ ‬باهتمام‭ ‬متزايد‭ ‬أخيراً‭ ‬بهدف‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬دعم‭ ‬الأسواق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬اقتصاديين‭ ‬رأسماليين‭ ‬كباراً‭ ‬يطالبون‭ ‬بإجراءات‭ ‬لإصلاح‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬وجعله‭ ‬أكثر‭ ‬نشاطاً‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬التنمية‭.‬

ومن‭ ‬اللافت‭ ‬للنظر‭ ‬والاهتمام‭ ‬أن‭ ‬اقتصاديين‭ ‬كباراً‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الغربية‭ ‬يتحدثون‭ ‬الآن‭ ‬بثقل‭ ‬كبير‭ ‬وبشكل‭ ‬متكرر‭ ‬عن‭ ‬انتهاء‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬التقليدية،‭ ‬ليس‭ ‬لانتصار‭ ‬النغمة‭ ‬الاشتراكية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المركزية،‭ ‬أو‭ ‬لاهتمام‭ ‬بالدول‭ ‬النامية،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬حادثتين‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهما‭ ‬ببعضهما،‭ ‬أولاهما‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كوفيد-19‮»‬،‭ ‬والأخيرة‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭. ‬فكلاهما‭ ‬أظهرت‭ ‬خللاً‭ ‬جوهرياً‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬مستويات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بأقل‭ ‬تكلفة،‭ ‬وبالانتشار‭ ‬عالمياً‭ ‬والتكامل‭ ‬الواسع‭ ‬للأسواق‭ ‬فحسب‭.‬

وشهدنا‭ ‬تنامي‭ ‬التيارات‭ ‬الوطنية‭ ‬الانعزالية‭ ‬بعدما‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬مكونات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الدوائية‭ ‬متفرقة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأن‭ ‬قدراتها‭ ‬الوطنية‭ ‬غير‭ ‬مطلقة‭ ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬التطعيمات‭ ‬ضد‭ ‬الجائحة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تعطلت‭ ‬سلسلة‭ ‬الإنتاج‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬مشكلات‭ ‬الانتقال‭ ‬خلال‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬ومع‭ ‬الاستقطاب‭ ‬المرتبط‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬وتأثر‭ ‬التصنيع‭ ‬بمشكلات‭ ‬صعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الشرائح‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬وفرضت‭ ‬عقوبات‭ ‬سياسية‭ ‬لمن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬وانكمش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وارتفعت‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬عجز‭ ‬تجاري‭.‬

ويؤكد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬أهمية‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬المطلقة‭ ‬‮«‬للكفاءة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالتصنيع‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬الوطنية‭ ‬وضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‮»‬‭ ‬بالمتانة‭ ‬والمرونة‭ ‬والصلابة‭ ‬‮«‬الاقتصادية‭ ‬الوطنية‭ ‬والذاتية‮»‬‭. ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬التحديات‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬وتأمين‭ ‬سلاسل‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بل‭ ‬ذهب‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يتجه‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬العولمة‭ ‬المجزأة‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬القيام‭ ‬بتقدير‭ ‬استراتيجي‭ ‬للاحتياجات‭ ‬وتأمين‭ ‬احتياطي‭ ‬أكبر‭ ‬للمكونات‭ ‬بإجراءات‭ ‬‮«‬تخزين‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬مناطق‮»‬‭ ‬مجاورة‭ ‬أو‭ ‬وطنية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬تعدد‭ ‬المصادر‭ ‬والخيارات‭ ‬الدولية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬‮«‬الرؤى‭ ‬المتشابهة‭ ‬والصديقة‮»‬‭ ‬كلما‭ ‬أمكن‭ ‬ذلك‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬هناك‭ ‬نسبة‭ ‬تداخل‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والأسواق‭ ‬محلياً‭ ‬وإقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬بل‭ ‬التداخل‭ ‬كان‭ ‬قائماً‭ ‬من‭ ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬الوطنية،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬لجوئها‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬على‭ ‬الغير‭. ‬والحالة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭ ‬لقيام‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬المتبنية‭ ‬لاقتصاديات‭ ‬السوق‭ ‬بالتدخل‭ ‬لدعم‭ ‬أسعار‭ ‬وسلع‭ ‬معينة،‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬سعرها‭ ‬إرضاءً‭ ‬لمواطنيها‭ ‬لتأمين‭ ‬تأييدهم‭ ‬للسياسات‭ ‬الخارجية،‭ ‬والتصدي‭ ‬لروسيا‭ ‬والتوتر‭ ‬الغربي‭ ‬الصيني،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تقييد‭ ‬نقل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬إليها‭ ‬أو‭ ‬فتح‭ ‬الأسواق‭ ‬لمنتجاتها‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭ ‬للخلط‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭.‬

إنني‭ ‬ممن‭ ‬يرون‭ ‬فوائد‭ ‬كثيرة‭ ‬للعولمة‭ ‬بخاصة‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ومع‭ ‬فهمي‭ ‬وتقديري‭ ‬الكامل‭ ‬لتداعيات‭ ‬أي‭ ‬منظومة‭ ‬تعتمد‭ ‬بالأساس‭ ‬وتعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬للربحية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬أن‭ ‬العولمة‭ ‬انتهت،‭ ‬فلا‭ ‬عودة‭ ‬للوراء،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬وتتطور‭ ‬وأطالب‭ ‬بذلك،‭ ‬وأفضل‭ ‬العولمة‭ ‬شمولية‭ ‬المنهج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬الجامعة‭ ‬للكل،‭ ‬إذ‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الترجيح‭ ‬الكامل‭ ‬والحصري‭ ‬لربحية‭ ‬الفرد‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬بعينها‭ ‬غير‭ ‬مفيد،‭ ‬بل‭ ‬مضر‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

سبق‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬وصرحت‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬تجنب‭ ‬الاعتماد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬وطن‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬العلاقات‭ ‬والصداقات،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬تبايناً‭ ‬في‭ ‬الأولويات‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬أعز‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أو‭ ‬العائلة‭ ‬الواحدة‭.‬

‮ ‬وطرحت‭ ‬جزافاً‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬حسابات‭ ‬وقدرات‭ ‬واعتبارات‭ ‬وطنية‭ ‬وإقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬لكل‭ ‬منها،‭ ‬تأميناً‭ ‬لتعدد‭ ‬الفرص‭ ‬والخيارات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬تقلقني‭ ‬الدفوعات‭ ‬المختلفة‭ ‬لتأمين‭ ‬المصادر‭ ‬والمكونات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬استراتيجي‭ ‬طالما‭ ‬ظلت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬وتجنبت‭ ‬السياسات‭ ‬الاحتكارية‭.‬

لكن‭ ‬يهمني‭ ‬التحذير‭ ‬بكل‭ ‬صراحة‭ ‬وقوة‭ ‬من‭ ‬الانتشار‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬للتكتلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬أو‭ ‬الدول،‭ ‬ومن‭ ‬محاولات‭ ‬أو‭ ‬ممارسات‭ ‬تعكس‭ ‬رغبة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬المكونات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وتحديد‭ ‬من‭ ‬يحصل‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬أسعارها‭ ‬وفقاً‭ ‬لمصالحها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الغير‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬أو‭ ‬سوي،‭ ‬لأن‭ ‬الممارسات‭ ‬الاحتكارية‭ ‬تفشل‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬اقتصادي،‭ ‬وتعيق‭ ‬المنافسة‭ ‬المشروعة،‭ ‬ثم‭ ‬إنها‭ ‬تسييس‭ ‬التجارة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استقطاب‭ ‬اقتصادي‭ ‬دام‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬الاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الفاشل‭ ‬الذي‭ ‬عانيناه‭ ‬عقودا‭ ‬طويلة‭.‬

وعلى‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتوسطة‭ ‬والصغيرة‭ ‬متابعة‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬بدقة‭ ‬وعناية‭ ‬لتجنب‭ ‬تفاقم‭ ‬المشكلات‭ ‬والصعوبات‭ ‬أمامها،‭ ‬وعليها‭ ‬المطالبة‭ ‬ببرامج‭ ‬جادة‭ ‬وطموحة‭ ‬من‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬لتمكين‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والجنوب‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬أكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬وتطوراً‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الإمداد‭ ‬والإنتاج‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وبما‭ ‬يتجاوز‭ ‬بمعدلات‭ ‬أكبر‭ ‬مجرد‭ ‬توفير‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬والعمالة‭ ‬الرخيصة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬المناسب‭ ‬بين‭ ‬الإسهامات‭ ‬الوطنية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬ضرورية‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬اقتصادية‭ ‬دولية‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬الاستدامة‭ ‬والتطور‭ ‬والنجاح‭.‬

 

{ وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬السابق‮ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا