لو كانت هناك دولة في ليبيا لما مات الآلاف من الناس.
ليست هناك دولة حقيقية في العالم ترضى أن يموت شعبها بالطريقة التي مات فيها الليبيون وهم يواجهون كارثة طبيعية، سبق للكثير من الدول أن تعاملت معها بكفاءة وأنقذت شعوبها من المصير الذي انتهى إليه الليبيون.
لم تكن تلك الدول بثراء ليبيا ولكنها حفظت أرواح شعوبها من موت، فشلت ليبيا في مواجهته ومنعه من افتراس شعبها.
حكمة ينبغي أن يستوعب ضرورتها حماة اللادولة في العراق واليمن ولبنان وسوريا. لقد أنفق العقيد القذافي أموالا طائلة من أجل تدمير الدولة التي نصب نفسه وارثا وحيدا لأملاكها.
كانت الجماهيرية العظمى هي حله الذي اقتلع من خلاله جذور الدولة التي كانت قائمة، لا في الواقع فحسب، بل وأيضا في عقول الناس الذين وجدوا أنفسهم من غير خيمة الكتاب الأخضر تائهين من غير أن يستعيدوا القدرة على الوقوف أمام المرآة الوطنية ليكونوا بناة شرفاء لدولة تخدم شعبها وتصرف شؤونه وتحميه من شروره.
ضيع القذافي الدولة وشعبها الذي أثبت عبر أكثر من عشر سنوات أنه غير قادر على استعادة وعيه والخروج من صدمة الجماهيرية.
الواقع السياسي في ليبيا بعد القذافي هو أكثر رثاثة مما كان عليه أيام الأخ العقيد. الشعب الذي انكسرت بوصلته عبر أربعين سنة لم يصح من الكابوس، بل لا يزال ذلك الكابوس هو المصدر الوحيد لإلهامه في صنع حياة هي أشبه بالموت. كل ثروات ليبيا لا يمكن أن تنقذها من ذلك الموت ما لم ينتقل شعبها من العبث والمجانية إلى العمل الوطني الواعي الجاد. وليس إعصار دانيال سوى واحدة من علامات الانهيار.
ليس موت الليبيين بيسر وبطريقة مبتذلة ورخيصة مفاجئا. إنه الحدث الأكثر توقعا في ظل الغياب الكلي لقيم الدولة. فجماهيرية القذافي لا تزال قائمة وإن اتخذت صورا مختلفة، حسب الجهة التي تديرها وارتباطاتها وأهدافها التي هي عبارة عن مصالح مشتركة بين الداخل والخارج.
وليس هناك من مبدأ ثابت يمكن العودة إليه والاحتكام له، فما من قاعدة لا يمكن نقضها وهو ما كشفت عنه تداعيات لقاء وزيرة الخارجية الليبية بمثيلها الإسرائيلي.
ما حدث ليس غريبا. يعرف الإسرائيليون أنه لا معنى لذلك اللقاء وليس التطبيع مع ليبيا ممكنا لأنها من غير دولة. وهم لا ينوون التورط في مشكلات بلاد يدمرها أبناؤها بطريقة أكثر سوءا مما يفعله أعداؤها.
عبر أكثر من عشر سنوات كان الليبيون ينكلون بأنفسهم كما لو أن لعنة القذافي قد حلت بهم، كما لو أن التخلص من ملك ملوك إفريقيا كان فرصة لإظهار شرورهم كلها ووضع بلادهم على طريق الهلاك الأبدي. ما بدأه القذافي يكمله تلاميذ مدرسته الصغار.
وبناء على ما شهدته ليبيا بعد مقتل القذافي بطريقة مهينة فليس صحيحا القول إن الشعب الليبي كان راغبا في إنهاء عصره. كل ما جرى ينقض ذلك بحقيقة أن القذافي بسبب انفصاله عن الواقع وإصابته بجنون العظمة كان ضحية مؤامرة جرته إلى أن يكون في موقع نيران حلف الناتو.
لقد رغبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا في التخلص منه وطي صفحته الشخصية المزعجة. لقد انتهى دوره على المسرح السياسي العالمي.
أما ليبيا فقد تُركت لشعبها الذي يعرف الخبراء أنها ستكون في أيدي من يبددون ثرواتها ويمزقون شعبها ويحطمون كل أمل في إمكانية قيام دولة حقيقية فيها. سيستمر القذافي في الحكم من القبر الذي ذهبت أشلاؤه إليه. فأشلاء الجماهيرية صارت بديلا عنها وستفشل كل محاولات المساعدة الخارجية سواء أتت بنية حسنة كما هو الحال مع مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة أم بنوايا سيئة.
لم تثر الكارثة التي تعرض لها الشعب الليبي من جراء الإعصار أي اهتمام عالمي. خبر صغير لم يرق إلى مستوى العناوين الرئيسة حتى أن البعض شك في أن الموت الذي تعرض له الآلاف من الليبيين كان حدثا جديدا.
فالليبيون يموتون يوميا. يقتل بعضهم البعض الآخر من غير أن يكون هناك هدف لعمليات القتل. عبثية موقف الليبيين من الدولة جعلت العالم يدير ظهره لهم. هل علينا إن رغبنا في إظهار تعاطفنا مع الموتى الأبرياء وهم ضحايا اللادولة أن نقول «تحيا الجماهيرية»؟!
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك