العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الدروس والعبر من كارثة درنة الليبية

بقلم: هاني عوكل

الخميس ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يحمل‭ ‬إعصار‭ ‬دانيال‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬سدَّين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬الواقعة‭ ‬شمال‭ ‬شرقي‭ ‬ليبيا،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬عن‭ ‬استعدادات‭ ‬الدول‭ ‬وجاهزيتها‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬تقلبات‭ ‬المناخ‭ ‬وظاهرة‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬التي‭ ‬تفعل‭ ‬مفاعيلها‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

العديد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬حذَّر‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬طبيعية‭ ‬نتيجة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬وعُقدت‭ ‬قمم‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬والتوجه‭ ‬نحو‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬لم‭ ‬تبذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهدها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬والنتيجة‭ ‬معروفة‭ ‬للجميع‭.‬

قبل‭ ‬فاجعة‭ ‬درنة،‭ ‬حدثت‭ ‬فواجع‭ ‬كثيرة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬وشهد‭ ‬العالم‭ ‬تغيرات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬الطقس‭ ‬وارتفاعاً‭ ‬متطرفاً‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬أودى‭ ‬بحياة‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬لم‭ ‬تعهد‭ ‬موجات‭ ‬شديدة‭ ‬من‭ ‬الحر‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬الآن‭.‬

نعم‭ ‬قد‭ ‬يتحمل‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬مسؤولية‭ ‬فاجعة‭ ‬ليبيا‭ ‬عموماً‭ ‬ودرنة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬إذ‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬إعصار‭ ‬دانيال‭ ‬المدمر‭ ‬هطول‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الأمطار‭ ‬لم‭ ‬تشهدها‭ ‬ليبيا‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عاماً،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬ارتفع‭ ‬فيها‭ ‬منسوب‭ ‬المياه‭ ‬وفاض‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬درنة‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬سدَّي‭ ‬المدينة‭.‬

علماء‭ ‬المناخ‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬وورلد‭ ‬ويذار‭ ‬أتريبيوشن‮»‬‭ ‬ذكروا‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬هطول‭ ‬الأمطار‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬مرة،‭ ‬والكارثة‭ ‬أن‭ ‬ليلة‭ ‬الإعصار‭ ‬شهدت‭ ‬تساقط‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬الأمطار‭ ‬بين‭ ‬200‭-‬450‭ ‬ملم،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬200‭ ‬لتر‭ ‬لكل‭ ‬متر‭ ‬مربع‭.‬

هذه‭ ‬الكميات‭ ‬الكبيرة‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬هائل‭ ‬في‭ ‬منسوب‭ ‬سدَّي‭ ‬المنصور‭ ‬والبلاد‭ ‬في‭ ‬درنة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انهيارهما‭ ‬وبالتالي‭ ‬حدوث‭ ‬فيضانات‭ ‬وسيول‭ ‬على‭ ‬طرفي‭ ‬وادي‭ ‬درنة‭ ‬أطاحت‭ ‬بالشجر‭ ‬والبشر‭ ‬والحجر،‭ ‬وجرفت‭ ‬الحديد‭ ‬والأسمنت‭ ‬والجثث‭ ‬إلى‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭.‬

النتيجة‭ ‬الحالية‭ ‬اختفاء‭ ‬حوالي‭ ‬10‭ ‬كيلومترات‭ ‬مربعة‭ ‬من‭ ‬درنة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬عن‭ ‬الخريطة‭ ‬الجغرافية،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬أي‭ ‬ممتلكات‭ ‬ولا‭ ‬بنى‭ ‬تحتية،‭ ‬وربما‭ ‬مُحيت‭ ‬المنطقة‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬ساكنيها،‭ ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تحركت‭ ‬بشكل‭ ‬عاجل‭ ‬تزامناً‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الإعصار‭ ‬لإخلاء‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬وادي‭ ‬درنة‭.‬

المشكلة‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬الليبية‭ ‬بمختلف‭ ‬مكوناتها‭ ‬المتناحرة،‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬السدود‭ ‬في‭ ‬درنة‭ ‬متهالكة‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬صيانة‭ ‬عاجلة‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬معروف‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬صرفت‭ ‬مبالغ‭ ‬لإعادة‭ ‬تأهيلها‭ ‬وصيانتها‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭.‬

حتى‭ ‬أن‭ ‬استجابة‭ ‬الحكومة‭ ‬كانت‭ ‬بطيئة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬المدمرة،‭ ‬حيث‭ ‬تعاني‭ ‬درنة‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الخدمية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بفرق‭ ‬الإنقاذ‭ ‬والطوارئ‭ ‬وجهوزيتها‭ ‬خلال‭ ‬موجات‭ ‬الكوارث‭.‬

‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ضعف‭ ‬استجابة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وتخوفات‭ ‬بشأن‭ ‬إرسال‭ ‬فرق‭ ‬إنقاذ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭.‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬تفتح‭ ‬كارثة‭ ‬إعصار‭ ‬دانيال‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬بشأن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬من‭ ‬نوعين،‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬والثاني‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭. ‬نتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬الكارثة‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬تحتاج‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬بناها‭ ‬التحتية‭ ‬الخدمية‭ ‬وإيجاد‭ ‬طرائق‭ ‬لتشييد‭ ‬المنازل‭ ‬بحيث‭ ‬تستجيب‭ ‬لأي‭ ‬كوارث‭ ‬طبيعية‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬مرماها‭.‬

نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬الجغرافيا‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬استيعاب‭ ‬مسألة‭ ‬البناء‭ ‬المُدعّم‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الآمنة،‭ ‬والأهم‭ ‬الوعي‭ ‬الكافي‭ ‬والجهوزية‭ ‬الاستباقية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬حوض‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬‮«‬نقطة‭ ‬ساخنة‭ ‬للمخاطر‭ ‬التي‭ ‬يغذيها‭ ‬المناخ‮»‬‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬فريدريكه‭ ‬أوتو‭ ‬عالمة‭ ‬المناخ‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬جرانثام‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ‭ ‬والبيئة‭.‬

نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أنظمة‭ ‬إنذار‭ ‬مبكر‭ ‬مرتبطة‭ ‬بمراقبة‭ ‬ومتابعة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬ونحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خطط‭ ‬تحاكي‭ ‬إخلاء‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬الطبيعية‭ ‬وغير‭ ‬الطبيعية‭ ‬لتلافي‭ ‬ارتفاع‭ ‬الضحايا،‭ ‬وكذلك‭ ‬تحتاج‭ ‬الحكومات‭ ‬لتشييد‭ ‬ملاجئ‭ ‬مجهزة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الساخنة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭.‬

الأهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬الحكومات‭ ‬قرارات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬وتوليد‭ ‬طرق‭ ‬لتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬الأم‭ ‬وصيانة‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬باستخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وعلى‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬نفقات‭ ‬سنوية‭ ‬لبناء‭ ‬ودعم‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الخدمية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الكوارث‭ ‬والطوارئ‭.‬

أيضاً‭ ‬ينبغي‭ ‬تفعيل‭ ‬عمل‭ ‬الهيئة‭ ‬الحكومية‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬وبموازاتها‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إيجاد‭ ‬هيئة‭ ‬دولية‭ ‬تستجيب‭ ‬بشكل‭ ‬فوري‭ ‬للكوارث‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬هي‭ ‬هم‭ ‬دولي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تضافر‭ ‬المسؤوليات‭ ‬لتجنب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭.‬

لن‭ ‬تكتفي‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ودرنة‭ ‬وقبلها‭ ‬زلزال‭ ‬المغرب‭ ‬والفيضانات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬واليونان‭ ‬وبلغاريا‭ ‬والحرائق‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬التهمت‭ ‬مناطق‭ ‬شاسعة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭. ‬المعركة‭ ‬مستمرة‭ ‬وطويلة‭ ‬مع‭ ‬الأوبئة‭ ‬والأمراض‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬وخلافه،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬الزلازل‭ ‬والارتفاع‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬والكوارث‭ ‬المفاجئة‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا