العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف تتغير ثقافة الشعوب؟

بقلم: د. عمرو الشوبكي

الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بعضنا‭ ‬يستسهل‭ ‬الأحكام‭ ‬القيمية‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬فيقول‭ ‬هذا‭ ‬شعب‭ ‬كسول‭ ‬وهذا‭ ‬شعب‭ ‬خانع‭ ‬وهذا‭ ‬شعب‭ ‬تنفع‭ ‬معه‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وهذا‭ ‬لا،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬والتعميمات،‭ ‬التي‭ ‬ثبت‭ ‬بالدليل‭ ‬العلمي‭ ‬والعملي‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬دقيقة،‭ ‬وأن‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعوب‭ ‬وقيمها‭ ‬وعاداتها‭ ‬تتغير‭ ‬تبعًا‭ ‬للظروف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬المحيطة‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬أصبح‭ ‬تقريبًا‭ ‬ضد‭ ‬العلم،‭ ‬وضد‭ ‬كل‭ ‬النظريات‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬فصلت‭ ‬بين‭ ‬كتابات‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬التي‭ ‬كرست‭ ‬أحكامًا‭ ‬قيمية‭ ‬وثقافية‭ ‬على‭ ‬الشعوب،‭ ‬وخاصة‭ ‬كتابات‭ ‬المستشرقين،‭ ‬الذين‭ ‬وصفهم‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الاستشراق‮»‬،‭ ‬بأنهم‭ ‬قاموا‭ ‬‮«‬بشرقنة‭ ‬الشرق‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬نعته‭ ‬بصفات‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬المسار‭ ‬الإنساني‭.‬

والمؤكد‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أصبح‭ ‬نادرًا‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬عيوب‭ ‬أصيلة‭ ‬في‭ ‬شعب،‭ ‬إنما‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬مجتمعي‭ ‬تشكله‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المحيطة،‭ ‬وأن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الهوية‭ ‬الحضارية‭ ‬لبلد‭ ‬ولثقافة‭ ‬شعبه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنميطها،‭ ‬إنما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تفسير‭ ‬تطورها‭ ‬وتحليل‭ ‬مساراتها‭ ‬عبر‭ ‬تحليل‭ ‬دور‭ ‬أدوات‭ ‬النظم‭ ‬المختلفة‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تعليمية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬إعلامية،‭ ‬وهنا‭ ‬سنجد‭ ‬اهتمام‭ ‬الكثيرين‭ ‬العلمي‭ ‬والسياسي‭ ‬بكيفية‭ ‬تأهيل‭ ‬بلاد‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬للتحول‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬منسجم‭ ‬مع‭ ‬المنظومة‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وكيف‭ ‬تم‭ ‬تغيير‭ ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬الألمانية‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬النازية‭ ‬عبر‭ ‬أدوات‭ ‬فعل‭ ‬اجتماعي‭ ‬وسياسي‭ ‬وإعلامي‭ ‬لتصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬أصيلًا‭ ‬من‭ ‬النسق‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الغربي‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬تقريبًا‭ ‬مَن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬سلوكيات‭ ‬الشعوب‭ ‬وقيمهم‭ ‬وعاداتهم‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬عيوب‭ ‬‮«‬جينات‮»‬‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬إرث‭ ‬ثقافي‭ ‬ساكن‭ ‬لا‭ ‬يتأثر‭ ‬بالسياق‭ ‬السياسي‭ ‬المحيط،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مصدر‭ ‬التعاسة‭ ‬والشقاء،‭ ‬إنما‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬الحكم‭ ‬والإدارة‭ ‬وأدواتها‭ ‬المختلفة‭ ‬سياسيًّا‭ ‬واجتماعيًّا‭ ‬وثقافيًّا‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬شعب‭ ‬متقدم‭ ‬يحترم‭ ‬القانون‭ ‬والعلم‭ ‬وآخر‭ ‬نامٍ‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬الجهل‭ ‬والأمية‭.‬

فلا‭ ‬يزال‭ ‬كثيرون‭ ‬منّا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬ثقافة‭ ‬الناس‭ ‬وعاداتهم‭ ‬وتقاليدهم‭ ‬في‭ ‬أربعينيات‭ ‬وخمسينيات‭ ‬وستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وكيف‭ ‬تغيرت‭ ‬وتحولت‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحالي،‭ ‬وأن‭ ‬ملابس‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬عليه‭ ‬الحال‭ ‬الآن‭ ‬تقول‭ ‬وكأنهن‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬آخر،‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬حكمًا‭ ‬قيميًّا‭ ‬بتفضيل‭ ‬زي‭ ‬على‭ ‬آخر،‭ ‬إنما‭ ‬يعنى‭ ‬التحول‭ ‬والتغير‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬الحاكمة‭ ‬وفى‭ ‬الهوية‭ ‬السائدة،‭ ‬التي‭ ‬رجحت‭ ‬شكلًا‭ ‬لسيدات‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وأفرزت‭ ‬آخر‭ (‬حجاب‭ ‬وغطاء‭ ‬الرأس‭) ‬منذ‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

وفى‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬كان‭ ‬الشعب‭ ‬واحدًا،‭ ‬وأن‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والتعليمي‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬حديث‭ ‬يُذكر‭ ‬عن‭ ‬شعب‭ ‬متحضر‭ ‬وآخر‭ ‬متخلف‭ ‬لأسباب‭ ‬ثقافية‭ ‬وحضارية،‭ ‬وأن‭ ‬نظرية‭ ‬العيب‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعوب‭ ‬باتت‭ ‬تقريبًا‭ ‬خارج‭ ‬العلم‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬حتى‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬وعادات‭ ‬الناس‭ ‬وسلوكياتهم‭ ‬تتغير‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ ‬والسياق‭ ‬السياسي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا