العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ما وراء التحولات العربية في العلاقة مع أمريكا

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لا‭ ‬يحلم‭ ‬العرب‭ ‬بأن‭ ‬تغير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬حين‭ ‬تراها‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬حولت‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬القابعين‭ ‬تحت‭ ‬احتلالها‭ ‬المباشر‭ ‬وغير‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭. ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬حليفتهم‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬جرائمها‭.‬

لم‭ ‬تفعلها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬يُشك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬دولا‭ ‬عربية‭ ‬سحقتها‭ ‬مؤامرات‭ ‬أدارتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭. ‬أما‭ ‬أمن‭ ‬الحلفاء‭ ‬العرب‭ ‬فهو‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يطرأ‭ ‬على‭ ‬الذهن‭ ‬السياسي‭ ‬الأمريكي‭.‬

صداقة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للعرب‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬المكلف‭ ‬والثقيل‭ ‬وغير‭ ‬المجدي‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭. ‬فهي‭ ‬حطمت‭ ‬العراق‭ ‬ووزعته‭ ‬بين‭ ‬الطوائف‭ ‬وهي‭ ‬تعرف‭ ‬مكانته‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬وتدخلت‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لتبقيها‭ ‬ممزقة‭ ‬وتؤجل‭ ‬سيادتها‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬وأسقطت‭ ‬نظام‭ ‬العقيد‭ ‬القذافي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تعين‭ ‬الليبيين‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬بديلة‭ ‬وتركتهم‭ ‬للفوضى‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬لم‭ ‬تشترط‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬أن‭ ‬تكفّ‭ ‬يدها‭ ‬عن‭ ‬اليمن‭ ‬والعراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬المعادلات‭ ‬الأمنية‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬تحولا‭ ‬جوهريا‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬برز‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وتراجع‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬خطر‭ ‬إسرائيل‭ ‬فإن‭ ‬موقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭. ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬ترحب‭ ‬بأيّ‭ ‬خطر‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬موضوعا‭ ‬للفرجة‭. ‬لم‭ ‬يُظهر‭ ‬الحليف‭ ‬الأمريكي‭ ‬أي‭ ‬شعور‭ ‬بالمشاركة‭.‬

يتذكر‭ ‬العرب‭ ‬صداقة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق‭ ‬وكم‭ ‬كانت‭ ‬حقيقية‭ ‬وصلبة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬صداقة‭ ‬شكلية‭ ‬وليست‭ ‬مجرد‭ ‬التقاط‭ ‬صور‭ ‬بين‭ ‬الزعماء‭ ‬في‭ ‬الكرملين‭ ‬ولم‭ ‬يبتز‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬حليفة‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يضع‭ ‬خدماته‭ ‬ين‭ ‬أيدي‭ ‬أصدقائه‭ ‬وهي‭ ‬خدمات‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬أصغر‭ ‬الاحتياجات‭ ‬إلى‭ ‬الحماية‭ ‬العسكرية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬روسيا‭ ‬وهي‭ ‬وريثة‭ ‬السلوك‭ ‬السوفييتي‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬للنظام‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الهجمة‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬سوريا‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬بزعامة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

يوما‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬أصدقاء‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬متفائلين‭ ‬بتلك‭ ‬الصداقة‭. ‬وضعوا‭ ‬كل‭ ‬إمكانياتهم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬تلك‭ ‬الصداقة‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تثمر‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬إيجابي‭ ‬لصالحهم‭. ‬ضمنوا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وأثروا‭ ‬شركاتها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬أيّ‭ ‬اهتمام‭ ‬بهم‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التطوير‭ ‬الحضاري‭.‬

لقد‭ ‬انحصر‭ ‬تفكير‭ ‬الأمريكان‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصلوا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬يعتبرونه‭ ‬مالا‭ ‬سائبا‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الصديق‭ ‬العربي‭ ‬كان‭ ‬ينتظر‭ ‬منهم‭ ‬ما‭ ‬أثبتوا‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬مستعدين‭ ‬لتقديمه‭. ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬العربية‭ ‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭. ‬ذلك‭ ‬فشل‭ ‬أدرك‭ ‬العرب‭ ‬أنّ‭ ‬لا‭ ‬علاج‭ ‬له‭.‬

في‭ ‬حقيقتها‭ ‬فإن‭ ‬الصداقة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬العرب‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬جرتهم‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬الفادحة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬خطأ‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وهو‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬المنظمات‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬قاتلت‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

كانت‭ ‬خسارة‭ ‬الطرف‭ ‬العربي‭ ‬واضحة‭ ‬أما‭ ‬الربح‭ ‬الأمريكي‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يدفعوا‭ ‬كلفته‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬معادية‭ ‬للعرب‭ ‬ولكن‭ ‬تأتي‭ ‬بقناع‭ ‬صديق‭. ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬صداقته‭ ‬بدُ؟‭ ‬ليس‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬تماما‭. ‬فعالم‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬عالم‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬يوم‭ ‬انفردت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قطبا‭ ‬وحيدا‭.‬

في‭ ‬لحظة‭ ‬إلهام‭ ‬سياسي‭ ‬استثنائية‭ ‬أدرك‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يتغير‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬عربية‭ ‬تتجاوز‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬بُني‭ ‬على‭ ‬أساطير‭ ‬القوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬الكثيرون‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬نافعة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استجابت‭ ‬للصداقة‭.‬

لقد‭ ‬تخطّى‭ ‬العرب‭ ‬العقدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬مشروعها‭ ‬الذي‭ ‬يتجاوز‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمنها‭. ‬ما‭ ‬صار‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬عقدة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬إلا‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تكترث‭ ‬بما‭ ‬مارسته‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬عدوانية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

بعد‭ ‬تجارب‭ ‬مؤلمة‭ ‬يولّي‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭ ‬وجوههم‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا