للأسف تعتبر العقارات إحدى الوسائل المفضلة التي تجذب المحتالين والنصابين ومن يرغبون في تبييض الأموال.
ووفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية، فإن الكثير من الدول الكبرى والمتقدمة تعاني من مشكلة البيانات غير الشفافة في القطاع العقاري مثل استراليا وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا. في كندا مثلا كان غسل الأموال من خلال العقارات مصدر قلق حقيقي. وفي عام 2019 تم تبييض حوالي 5,3 مليارات دولار من خلال سوق العقارات في مقاطعة واحدة، الامر الذي تسبب في ارتفاع أسعار العقارات.
ولا تقتصر العمليات غير القانونية على تبييض الأموال، وإنما يتفنن المحتالون في اقناع ضحاياهم بمشاريع عقارية متنوعة. فقبل أيام مثلا أصدر القضاء الكويتي حكما غيابيا بحبس متهم عربي استطاع جمع ما يقرب من 25 مليون دينار كويتي من بيع العقارات الوهمية.
كما أمرت المحكمة في قضية أخرى بحبس سيدة أعمال اتهمت بتنظيم معارض وهمية لترويج وبيع عقارات في الكويت ومصر. وباعت عقارات وهمية بأكثر من 8,3 ملايين دولار أمريكي.
وقضت محكمة الفجيرة الاتحادية بحبس سبعة متهمين تظاهروا بأنهم سماسرة عقار، وجمعوا الملايين من الدولارات.
ولكن الغريب في الامر أن ضحايا النصب لا تقتصر على الافراد او محدودي الخبرة وقليلي الثقافة، بل قد تمتد الى منظمات وبنوك بأعلى المستويات والى مسؤولين وخبراء!
ومن اغرب النماذج هي القصة التالية التي يرويها الخبير العقاري أشرف علام في قناته المخبر العقاري.
ويوضح علام بداية ان العقار يعتبر من أكثر الوسائل المعرضة لغسل الأموال لأسباب منها أن العقار أعلى قيمة لأي ممتلكات بشكل عام، وبنفس الوقت لا يمكن تقييم سعر نهائي له. فقد يصل الى عدة اضعاف السعر الحالي. أضف إلى ذلك انك بمجرد ان تشتري العقار، تحولت الأموال السائلة الى أموال عينية قانونية وطبيعية.
ويضيف: الأشخاص الذين يريدون إخفاء الأموال غير القانونية، كثيرا ما يعمدون الى فتح مشاريع وشركات في جزر مشهورة مثل بنما وسيشل وبرتش فيرجن ايلاند وغيرها. وهذه الشركات لا تخضع للضرائب، وتتمتع بسرية تامة بالنسبة للمالك والمؤسس ولحسابات البنك وفقا لنظم هذه الجزر. ثم يبدؤون بشراء العقارات باسم الشركة وليس الأشخاص. وينتظرون فترات طويلة كفيلة بخفض نسبة الشكوك ورفع المصداقية، ثم يبيعونه لشركة أخرى هي أساسا ملك له، وبالتالي تخرج الشركة الأولى من الموضوع بشكل قانوني. ومن الممكن تدوير ملايين الدولارات بهذا الشكل.
ويستعرض علام هنا أحد هذه النماذج حين تم بيع مطار وهميا لبنك برازيلي معروف، بطل القصة شخص نيجيري اسمه ايمانويل نودي، وكان مدير بنك عمد الى فكرة غريبة وهي انه ارسل فاكسات الى جميع بنوك العالم الكبيرة يطلب فيها تمويل مشروع بناء مطار للعاصمة النيجيرية (ابوجا) التي أصبحت عاصمة البلاد قبلها بأربع سنوات فقط. وهذا ما يعني فعلا حاجة العاصمة الى مطار. وكون فريقا من خمسة اشخاص وضعوا خطة للتواصل مع البنوك بشكل رسمي، وبحكم علاقاتهم أرسلوا خطاباتهم من ارقام حكومية. وبالفعل اول بنك تواصل معهم كان مدير بنك في البرازيل. وهنا رد عليه ايمانويل منتحلا شخصية المحافظ المركزي وتحدث معه في المشروع واهميته وعوائده، وأخبره انه لو قدم لهم قرضا قيمته 250 مليون دولار، سيحصل على عمولة تبلغ 10 ملايين دولار.
وهنا استطاع جذب انتباه مدير البنك، وخاصة انه ابلغه ان هناك عروضا من بنوك أخرى ترغب في الدخول بهذا الاستثمار، ولكن مدير البنك البرازيلي اول من تواصل بشكل مباشر. فوعد مدير البنك بالتحرك على الموضوع، وبدأ بدراسة المشروع واقتنع انه مشروع واقعي، قبل ان يتواصل مع ايمانويل ويبلغه بالموافقة على تمويل المشروع، وتم الاتفاق على التقابل في مكان محايد وهو لندن لأن المشروع سري.
وخلال أيام جهز فريق ايمانويل كل الخرائط والأوراق وتصميمات المطار والموقع والعقود باحترافية تامة. وتوجهوا الى لندن وحجزوا اجنحة بأفخم الفنادق، كما حجزوا لمدير البنك البرازيلي جناحا فخما، وهذا ما أسهم في تعزيز ثقته بالفريق.
وبنفس الوقت انتحل أحد افراد الفريق شخصية وزير الطيران، وآخر شخصية المحافظ. ولم يكن الانترنت شائعا في ذلك الوقت حتى يمكن التأكد من الشخصيات.
واستمرت نقاشات مطولة، استطاع ايمانويل فيها الضغط على مدير البنك بانه ليس لديه وقت مطول، وان المشروع مستعجل، وذكره بالعشرة ملايين. وبعد ان ابدى المدير الموافقة طلب الفريق منه تحويل مبلغ 3 ملايين دولار كعربون وضمان بحجة أنهم سيضطرون الى إلغاء عروض البنوك الأخرى.
وخلال ثلاث سنوات تم تحويل 242 مليون دولار في عدة دفعات، واستغل منصبه الذي يسمح له بتحويل 6 ملايين دولار كحد اقصى من دون اذن الإدارة. وحصل على نصيبه الذي يبلغ 10 ملايين دولار.
ولكن فجأة اشترى بنك اسباني كبير البنك البرازيلي. واكتشف البنك الاسباني الامر، وحققوا مع المدير الذي أبلغهم بالتفاصيل،. ثم دخل الموضوع في القنوات القانونية، وسجن مدير البنك، ولم يتمكنوا من القبض على فريق ايمانويل. حتى عام 2004 حيث شكل رئيس نيجيريا لجنة خاصة لمكافحة هذا النوع من الجرائم، وحققوا مع ايمانويل الذي قال انه لا يستطيع دفع أكثر من 10 ملايين دولار، فيما ابدى البنك قبوله بمبلغ 80 وسجن ايمانويل، واستمرت المفاوضات، واستطاع ايمانويل بطرقه المتحايلة والرشاوى ان يخرج من المشكلة. ولكن تورط في الأخير بجريمة قتل وسجن بسببها حتى الان ولكن لم يتم اكتشاف مصير الأموال التي تسلمها من البرازيل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك