هل العراق يحتاج إلى تنمية؟ لو تعلق السؤال بدولة غير العراق لبدا كما لو أنه نوع من السخرية المبتذلة لا تمت إلى المزاح الثقيل بصلة. ولكن العراق وهو دولة فاشلة على الأصعدة كافة لا يُخطئه السؤال ولن تكون الإجابة بـ«لا» منافية للحقيقة ومناقضة لواقع هو الواجهة والجوهر في الوقت نفسه.
ذلك لأن طبقته السياسية الحاكمة فيه لا تملك القدرة على فهم ما الذي تعنيه التنمية، أكانت مادية أم بشرية. وهي، أي الطبقة السياسية عبارة عن جسم طفيلي التصق بالمجتمع وأصابه بالعدوى حين دس كل عاداته بين تلافيف العقل الجمعي وعمل على تطبيع فساده غير المسبوق في التاريخ البشري.
هناك حقائق على الأرض وبالأرقام يمكنها أن توضح شيئا من فاجعة ذلك البلد الذي شهد عبر أربعين سنة حروبا من أنواع، اتخذ البعض منها طابعا عالميا مثل ما حدث في عامي 1991 و2003. حربان سبقتهما حرب عبثية استمرت ثماني سنوات وتلتهما حرب عالمية على الإرهاب. وكان من نتيجة تلك الحروب أن أضحى البلد مجردا من بنيته التحتية بطريقة لا تعاني منها أكثر البلدان فقرا في العالم.
ولأنه بلد ثري فقد بلغت ميزانية دولته المزعومة لعام 2023 ما يقارب 153 مليار دولار. في المقابل فإن 30 في المئة من سكانه يقعون تحت خط الفقر كما أن نصف عدد شبابه يعانون من البطالة. أما البطالة المقنعة فيكشف عنها الرقم الذي يشير إلى عدد العطلات التي يتمتع بها الموظفون والتي تبلغ 110 أيام في السنة من غير يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع.
وإذا ما عرفنا أن الدولة تنفق على أربعة ملايين موظف لديها وأكثر منهم ممَن يتقاضون رواتب شهرية من المجاهدين والسجناء السابقين ولاجئي رفحاء و«الشهداء» الإيرانيين والمرحلين ناهيك عن ذوي الامتيازات الخاصة ممَن يتقاضون رواتب فلكية وأكثر من راتب، يُضاف إليهم أكثر من مليون من منتسبي القوات المسلحة، بمن ضمنهم مقاتلو الحشد الشعبي الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 220 ألف مقاتل، تكون الدولة العراقية عبارة عن ثقب أسود في إمكانه أن يبتلع كل الأموال التي تُلقى فيه ويصرخ «هل من مزيد؟».
وإذا ما كان هناك فائض من المال فإن أحدا لن يراه. ذلك لأن الأحزاب الحاكمة أظهرت عبقرية استثنائية في فنون الفساد. لا يفلت من قبضتها شيء حتى لو كان هواء. الفساد الذي تم تطبيعه لم يستثن أحدا. وليس من باب التشهير القول إن مَن تظهر عليه ملامح الشرف والنزاهة الحقيقية إما أن يُلقى به خارج الوظيفة أو يتم سجنه بتهم جاهزة قد تصل إلى تهمة تشجيع الإرهاب وهي تهمة جاهزة.
هناك شعب معتقل ضاقت به السجون وليس أمام وزارة العدل سوى أن تبني سجونا جديدة. في العالم يهدمون السجون بحثا عن عقوبات أقل ألما وفي العراق تحتكر القسوة الهواء كله من خلال اتساع رقعة العبث بمصائر الناس.
ذلك بلد أسطوري. متى لم يكن العراق كذلك؟
أسطوري في جماله وأسطوري في أزماته. إلى وقت قريب ظل المزارعون يقاومون الظروف السيئة التي يعملون في ظلها بعد أن تهدمت مشاريع الإرواء كلها والتي أنفق العراق عليها مليارات الدولارات، وشح الماء حيث صارت تركيا تخالف القوانين الدولية في ما يتعلق بحصة دولة المصب. غير أن الدولة تخلت عنهم حين فتحت حدودها أمام منتجات الجارة العزيزة إيران فصار عليهم أن يندبوا حظهم العاثر ويتلفوا حصادهم ويتركوا أرضهم مهاجرين إلى المدن.
تأوي العاصمة العراقية اليوم أكثر من عشرة ملايين نسمة وهي التي لم تُصمم في حالتها النموذجية إلا لإيواء مليون من البشر. وهو ما يعني أن الملايين التسعة سطت على حصة المليون في الحياة وتقاسمتها معه. ثم بعد ذلك نتحدث عن التنمية.
ضحك رئيس الحكومة على نفسه حين تحدث عن خط التنمية الذي يمتد من البصرة إلى أوروبا. ما حدث على أرض الواقع أن هناك مشروعا للربط السككي بين إيران والعراق هو البديل.
ما يعرفه العراقيون قبل غيرهم أن بلدهم صار خارج المنطقة التي تتحرك فيها الدول لتصريف شؤون شعبها وحمايته وتطوير قدراته والاستفادة من كفاءته ومن قبل ذلك كله الحفاظ على سيادتها على أراضيها وأمن حدودها. العراق دولة مُخترقة من الداخل والخارج. خارجيا فإنها لا تملك حق السيادة على أراضيها وداخليا فإن ثرواتها مهما عظمت لا بد أن تتعرض للنهب المنظم من غير أن يبقى منها شيء للشعب.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك