العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أزمة سياسات التنمية في العراق؟

بقلم: فاروق يوسف

الخميس ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

هل‭ ‬العراق‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تنمية؟‭ ‬لو‭ ‬تعلق‭ ‬السؤال‭ ‬بدولة‭ ‬غير‭ ‬العراق‭ ‬لبدا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬المبتذلة‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬إلى‭ ‬المزاح‭ ‬الثقيل‭ ‬بصلة‭. ‬ولكن‭ ‬العراق‭ ‬وهو‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬على‭ ‬الأصعدة‭ ‬كافة‭ ‬لا‭ ‬يُخطئه‭ ‬السؤال‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬الإجابة‭ ‬بـ«لا‮»‬‭ ‬منافية‭ ‬للحقيقة‭ ‬ومناقضة‭ ‬لواقع‭ ‬هو‭ ‬الواجهة‭ ‬والجوهر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬طبقته‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تعنيه‭ ‬التنمية،‭ ‬أكانت‭ ‬مادية‭ ‬أم‭ ‬بشرية‭. ‬وهي،‭ ‬أي‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جسم‭ ‬طفيلي‭ ‬التصق‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وأصابه‭ ‬بالعدوى‭ ‬حين‭ ‬دس‭ ‬كل‭ ‬عاداته‭ ‬بين‭ ‬تلافيف‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬تطبيع‭ ‬فساده‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭.‬

هناك‭ ‬حقائق‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وبالأرقام‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬توضح‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬فاجعة‭ ‬ذلك‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬عبر‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬حروبا‭ ‬من‭ ‬أنواع،‭ ‬اتخذ‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬طابعا‭ ‬عالميا‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬1991‭ ‬و2003‭. ‬حربان‭ ‬سبقتهما‭ ‬حرب‭ ‬عبثية‭ ‬استمرت‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬وتلتهما‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬نتيجة‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬أن‭ ‬أضحى‭ ‬البلد‭ ‬مجردا‭ ‬من‭ ‬بنيته‭ ‬التحتية‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬فقرا‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

ولأنه‭ ‬بلد‭ ‬ثري‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬ميزانية‭ ‬دولته‭ ‬المزعومة‭ ‬لعام‭ ‬2023‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬153‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬سكانه‭ ‬يقعون‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬عدد‭ ‬شبابه‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬البطالة‭. ‬أما‭ ‬البطالة‭ ‬المقنعة‭ ‬فيكشف‭ ‬عنها‭ ‬الرقم‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬العطلات‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الموظفون‭ ‬والتي‭ ‬تبلغ‭ ‬110‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬يومي‭ ‬الخميس‭ ‬والجمعة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬تنفق‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬موظف‭ ‬لديها‭ ‬وأكثر‭ ‬منهم‭ ‬ممَن‭ ‬يتقاضون‭ ‬رواتب‭ ‬شهرية‭ ‬من‭ ‬المجاهدين‭ ‬والسجناء‭ ‬السابقين‭ ‬ولاجئي‭ ‬رفحاء‭ ‬و«الشهداء‮»‬‭ ‬الإيرانيين‭ ‬والمرحلين‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ذوي‭ ‬الامتيازات‭ ‬الخاصة‭ ‬ممَن‭ ‬يتقاضون‭ ‬رواتب‭ ‬فلكية‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬راتب،‭ ‬يُضاف‭ ‬إليهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬من‭ ‬منتسبي‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬بمن‭ ‬ضمنهم‭ ‬مقاتلو‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬الذين‭ ‬يبلغ‭ ‬تعدادهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬220‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل،‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ثقب‭ ‬أسود‭ ‬في‭ ‬إمكانه‭ ‬أن‭ ‬يبتلع‭ ‬كل‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬تُلقى‭ ‬فيه‭ ‬ويصرخ‭ ‬‮«‬هل‭ ‬من‭ ‬مزيد؟‮»‬‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬فائض‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬فإن‭ ‬أحدا‭ ‬لن‭ ‬يراه‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة‭ ‬أظهرت‭ ‬عبقرية‭ ‬استثنائية‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الفساد‭. ‬لا‭ ‬يفلت‭ ‬من‭ ‬قبضتها‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هواء‭. ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تطبيعه‭ ‬لم‭ ‬يستثن‭ ‬أحدا‭. ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التشهير‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬مَن‭ ‬تظهر‭ ‬عليه‭ ‬ملامح‭ ‬الشرف‭ ‬والنزاهة‭ ‬الحقيقية‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يُلقى‭ ‬به‭ ‬خارج‭ ‬الوظيفة‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬سجنه‭ ‬بتهم‭ ‬جاهزة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬تهمة‭ ‬تشجيع‭ ‬الإرهاب‭ ‬وهي‭ ‬تهمة‭ ‬جاهزة‭. ‬

هناك‭ ‬شعب‭ ‬معتقل‭ ‬ضاقت‭ ‬به‭ ‬السجون‭ ‬وليس‭ ‬أمام‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬سجونا‭ ‬جديدة‭. ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يهدمون‭ ‬السجون‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬عقوبات‭ ‬أقل‭ ‬ألما‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬تحتكر‭ ‬القسوة‭ ‬الهواء‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬العبث‭ ‬بمصائر‭ ‬الناس‭.‬

ذلك‭ ‬بلد‭ ‬أسطوري‭. ‬متى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬العراق‭ ‬كذلك؟

أسطوري‭ ‬في‭ ‬جماله‭ ‬وأسطوري‭ ‬في‭ ‬أزماته‭. ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬ظل‭ ‬المزارعون‭ ‬يقاومون‭ ‬الظروف‭ ‬السيئة‭ ‬التي‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تهدمت‭ ‬مشاريع‭ ‬الإرواء‭ ‬كلها‭ ‬والتي‭ ‬أنفق‭ ‬العراق‭ ‬عليها‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات،‭ ‬وشح‭ ‬الماء‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬تركيا‭ ‬تخالف‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحصة‭ ‬دولة‭ ‬المصب‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬تخلت‭ ‬عنهم‭ ‬حين‭ ‬فتحت‭ ‬حدودها‭ ‬أمام‭ ‬منتجات‭ ‬الجارة‭ ‬العزيزة‭ ‬إيران‭ ‬فصار‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يندبوا‭ ‬حظهم‭ ‬العاثر‭ ‬ويتلفوا‭ ‬حصادهم‭ ‬ويتركوا‭ ‬أرضهم‭ ‬مهاجرين‭ ‬إلى‭ ‬المدن‭.‬

تأوي‭ ‬العاصمة‭ ‬العراقية‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُصمم‭ ‬في‭ ‬حالتها‭ ‬النموذجية‭ ‬إلا‭ ‬لإيواء‭ ‬مليون‭ ‬من‭ ‬البشر‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الملايين‭ ‬التسعة‭ ‬سطت‭ ‬على‭ ‬حصة‭ ‬المليون‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وتقاسمتها‭ ‬معه‭. ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬التنمية‭.‬

ضحك‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬حين‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬خط‭ ‬التنمية‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬البصرة‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭. ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشروعا‭ ‬للربط‭ ‬السككي‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والعراق‭ ‬هو‭ ‬البديل‭. ‬

ما‭ ‬يعرفه‭ ‬العراقيون‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭ ‬أن‭ ‬بلدهم‭ ‬صار‭ ‬خارج‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تتحرك‭ ‬فيها‭ ‬الدول‭ ‬لتصريف‭ ‬شؤون‭ ‬شعبها‭ ‬وحمايته‭ ‬وتطوير‭ ‬قدراته‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬كفاءته‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيادتها‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬وأمن‭ ‬حدودها‭. ‬العراق‭ ‬دولة‭ ‬مُخترقة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭. ‬خارجيا‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬حق‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬وداخليا‭ ‬فإن‭ ‬ثرواتها‭ ‬مهما‭ ‬عظمت‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬للنهب‭ ‬المنظم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬منها‭ ‬شيء‭ ‬للشعب‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا