تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر2023، الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف كوب (28)، المقرر انعقادها في مدينة «إكسبو دبي»، وهو المؤتمر الذي يأتي في إطار استمرار الجهود الدولية الهادفة لخفض الانبعاثات الكربونية؛ حيث تجتمع الأطراف التي وقَّعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي عام 1992؛ لتقييم مقدار التقدم الذي تم إحرازه من قبل الدول الأطراف في الاتفاقية، والسعي نحو مزيد من العمل الجاد لمكافحة التغير المناخي.
وفيما تتأهب «دبي»، لاستضافة الحدث من 30 نوفمبر حتى 12 ديسمبر القادم، فقد أكد وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعين لهذه القمة «سلطان الجابر»، لدى زيارته لباكستان في يوليو، أن الأفكار التقليدية لم تعُد كافية لمعالجة مشكلات تغير المناخ، وأن هناك حاجة إلى إيجاد آليات وطرق أكثر فعالية، فيما دعا إلى تعزيز التعاون في العمل المناخي، وزيادة الدعم المقدم للدول النامية الأكثر تضررًا من تداعيات تغير المناخ.
وفي حين كانت كوب (27) في مدينة شرم الشيخ المصرية عام 2022، قد انعقدت على خلفية أحداث مناخية قاسية شهدها العالم، وأزمات طاقة وغذاء، وخرجت منها «رسائل عملية»، عديدة تنبه إلى أهمية الإنجاز، وإلا سيقع الخطر على الجميع، حيث غدت الأولوية للأرض، ومصير من عليها، وليس للحروب والصراعات.
إلا أنه رغم هذه الرسائل، خرج العالم من هذا الحدث الأممي ليسير في طريقه المعتاد، واستمر غضب الطبيعة نتيجة تصرفات البشر، إلى أن جاء «احترار يوليو»، 2023، الذي سجل -طبقًا لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية- الأعلى منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، ليقدم إنذارًا جديدًا، إما أن ينحدر العالم إلى نتائج كارثية إذا استمرت الأمور على ما هي عليه من لا مبالاة، وإما أن تكون هناك إجراءات حاسمة، تتسم بالمسؤولية في مواجهة هذا الخطر الذي يداهم الجميع من دون استثناء.
وعليه، فإن كوب (28)، تتجه إلى تأكيد أن زمن رفاهية قضايا البيئة وهامشية الاهتمام بها قد ولَّى، بعد أن أصبحت الآثار المدمرة للتغير المناخي تطرق باب كل دولة، وباتت القضية قضية الجميع، وغدت ساحة العالم تتهيأ الآن للخروج بخطة عمل سريعة للإنقاذ.
وعلى مدار سنوات انعقاده، أسفر المؤتمر عن عدد من المخرجات الرئيسية أبرزها؛ وضع حدود ملزِمة قانونًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبمقتضى اتفاق باريس 2015، تم الاتفاق على تكثيف الجهود بهدف محاولة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وإبقاء الاحترار دون 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل العصر الصناعي، وتعزيز تمويل العمل المناخي، كنقطة فارقة في إطار العمل المناخي العالمي. أما كوب (26)، فقد كان نتاجه الاتفاق على برنامج عمل لتحديد كيفية تكيف جميع البلدان مع ظاهرة التغير المناخي، وتحفيز توجيه المزيد من الأموال لصالح البلدان النامية لمساعدتها على التكيف.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، أسفر كوب (27) عن إطلاق خطة عالمية لإنشاء نظام للإنذار المبكر، ما اقتضى تمويلا قدره 3.1 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لضمان التنفيذ الفعال، وإتاحة هذا الإنذار لكل شخص على وجه الأرض، فضلا عن صياغة برنامج الخسائر والمخاطر، وإنشاء صندوق خاص به، يوجه الأموال إلى أكثر الدول تضررًا من الكوارث المناخية، ما يحقق عدالة توزيع التمويل المناخي.
لكن يبقى السؤال، من سيدفع في ذلك الصندوق؟.. ومن سيكون مؤهلًا لتلقي التمويل؟ لكي لا يكون كل ما تم إحرازه من تقدم بعد كل تلك المؤتمرات قاصرًا عن هدف تأمين البشر ضد التغيرات المناخية، وهو ما بيّنه احترار يوليو، والخسائر الناجمة عنه. وعليه، تتطلع شعوب الأرض إلى كوب (28)، لإحراز تقدم ملموس، واتخاذ خطوات لازمة تحقق ضمان نتائج مثمرة على عدة جبهات، على رأسها كيفية تمويل صندوق الخسائر والمخاطر، والتدابير الممكنة في تمويل المناخ.
ومن المعلوم، أنه منذ عام 2009، كان هناك هدف سنوي محدد في كوب (15)، وهو حشد 100 مليار دولار، لتمويل التكيف من دول الدخل المرتفع بحلول 2020، وقد بلغ مقدار التمويل المحقق فقط 83 مليار دولار. وبينت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، أن هدف 100 مليار دولار، يتم بلوغه في عام 2023.
ووفقا للعديد من المراقبين، فإنه من المتوقع أن تسفر نتائج مؤتمر الإمارات القادم عن توسيع نطاق العمل المناخي، بما في ذلك مراجعة «اتفاقية باريس»، والاتفاق على هدف عالمي للتكيف مع المناخ، وإنشاء مرفق تمويل الخسائر والأضرار الناتجة عن التغير المناخي، فيما من المأمول تركيزه على قضايا الأمن الغذائي وأمن الطاقة، خاصة بعد أن وضع المؤتمر السابق في شرم الشيخ، خطة جديدة للأمن الغذائي والزراعي. وفي هذا الصدد، يشار إلى «مبادرة الابتكار الزراعي»، التي انطلقت من «قمة واشنطن»، بين «أمريكا»، و«الإمارات»، و«الأمم المتحدة»، في مارس الماضي، ودعت إلى زيادة التمويل المتاح لتعزيز الابتكار في الزراعة الذكية مناخيًا من 8 مليارات دولار إلى 10 مليارات دولار، ما من شأنه دعم الإمداد الغذائي العالمي.
علاوة على ذلك، فإنه سيكون من بين أعماله مراجعة التزامات البلدان بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتي تكلف بها بتفويض من مجموعة البنك الدولي. وبينما ركزت مناقشات مؤتمر شرم الشيخ على كيفية قيام الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية بمعالجة الفجوات في العمل المناخي، فإنه توجد 3 موضوعات قيد المناقشة في «إكسبو دبي»، هي: التخفيف والتكيف والتنفيذ والدعم، إضافة إلى مناقشة سبل الحفاظ على الحياة البحرية -ويرجح أن تقدم الإمارات دورًا محوريًا في هذا الشأن من خلال تقديم مشروعات ومبادرات- فيما سيتجه أيضًا إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص والشباب بصورة هادفة في العمل المناخي.
وفي ظاهرة جديرة بالملاحظة، أدرجت «الإمارات»، لأول مرة «التجارة الدولية»، على أجندة مؤتمر المناخ، وذلك بوصفها ممكنة للنمو الذكي مناخيًا، بما يشمله من تبني التكنولوجيا والرقمنة، والأدوات التجارية والاستثمارية، فضلا عن قدرتها على إطلاق الاستثمارات في الاقتصادات الناشئة، وتعزيز استيعاب تقنيات الطاقة النظيفة، ودعم الوظائف الخضراء والابتكار، وكان ذلك خلال مشاركة «سلطان الجابر»، في المؤتمر الوزاري المعني بالعمل المناخي يوليو الماضي في «بروكسيل».
واستباقًا للحدث المناخي الأبرز، دعا «الجابر»، مع الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية»، بشأن التغير المناخي «سيمون ستيل»، في بيان مشترك إلى ضرورة قيام دول «مجموعة العشرين»، بدور ريادي ضمن جهود العمل المناخي، خاصة في موضوعيّ التكيف والتخفيف، وذلك على هامش الاجتماع الوزاري للمجموعة يوم 27 يوليو 2023، بمدينة «تشيناي» الهندية.
وفي بيانهما، أكدا على ضرورة تكثيف العمل الجماعي، واتخاذ الخطوات اللازمة لتسريع عملية الخفض الطبيعي والمتوقع لاستخدام الوقود التقليدي بشكل مسؤول وعملي ومدروس، والعمل على بناء منظومة طاقة توفر أمن الطاقة،
وتعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وضرورة زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، وتحقيق كفاءة الطاقة عبر جميع القطاعات الاقتصادية بحلول 2030، فيما دعا البيان «مجموعة العشرين»، إلى تفعيل صندوق معالجة الخسائر والأضرار، وترتيبات تمويله، واعتماد إطار شامل وحاسم للدعم المالي بشأن التكيف.
وبشراكة بين رئاسة كوب (28)، و«برنامج الأمم المتحدة للبيئة»، تم إطلاق «مبادرة تعهد التبريد العالمي»، خلال فعاليات اجتماع مجموعة العشرين الوزاري الرابع عشر، الخاص بالانتقال إلى نظام الطاقة، في ولاية «غوا» في الهند في 22 يوليو، حيث دعا «الجابر»، دول العالم إلى الانضمام إلى هذا التعهد.
وفيما يتجه «مؤتمر دبي» المناخي القادم، إلى تطوير التقدم المحرز في تنفيذ أهداف «اتفاقية باريس»، من خلال أربع ركائز: «تسريع تحقيق انتقال منصف وعملي وعادل في قطاع الطاقة»، و«تطوير آليات التمويل المناخي»، و«التركيز على الحفاظ على البشر والحياة وطرق العيش»، و«دعم الركائز السابقة عبر احتواء الجميع بصورة عامة»؛ فإن مبادرة «تعهد التبريد العالمي»، تعمل مع «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» «إيرينا»، و«منظمة الطاقة المستدامة الدولية للجميع»، على توفير التبريد وإتاحته للمجتمعات الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ خاصة دول الجنوب، والدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الأقل نموًا لحمايتها من شدة الحرارة، والحفاظ على الطعام والأدوية من التلف.
ومن الجدير بالذكر، أن مبادرة «تعهد التبريد العالمي»، توفر حوافز للحكومات، وجميع المعنيين لمساعدتهم في توفير التبريد المستدام في مجالات: «حلول التبريد الطبيعية القائمة»، «زيادة كفاءة الأجهزة الكهربائية المنزلية»، «توفير التبريد للأغذية واللقاحات»، «تبريد المناطق»، «خطط عمل التبريد الوطنية»؛ ما يؤدي إلى تحقيق انتقال سريع إلى أنظمة تبريد موفرة للطاقة صديقة للبيئة والمناخ.
وكما أن «التغير المناخي» -مدفوعًا بزيادة احترار يوليو2023- كان ضمن اهتمامات «قمة العشرين»، في «نيودلهي»، سبتمبر الماضي؛ فإنه كان أيضًا على رأس اهتمامات الدورة «78»، للجمعية العامة للأمم المتحدة في نفس الشهر أيضًا، والتي تضمن جدول أعمالها: «اعتماد اتفاق تاريخي لحفظ التنوع البيولوجي البحري»، وهو أمر بالغ الأهمية للتصدي للتهديدات التي تطال هذا التنوع، فضلا عن «تمويل صندوق التمويل الأخضر»، وذلك وفقًا للدكتور «محمود محيي الدين»، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أهداف 2030 للتنمية المستدامة.
على العموم، فإن تلك الاجتماعات التي تستبق كوب (28)، ومعها المنتديات التي دعت إليها كوب (27)، تقدم مخرجات تضعها على طاولة قمة المناخ القادمة؛ ما يعني أن هذه النسخة في العمل المناخي الدولي، ربما تكون الأكثر حسمًا، مدفوعة بذلك الاحترار غير المسبوق الذي حدث في يوليو 2023.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك