سعت الدول المتقدمة إلى التغيير والتطوير في منظومتها التعليمية بناء على التحول السريع في مجال التعليم، وتدفق المعلومات والاكتشافات العلمية، والاختراعات الجديدة والتطور الهائل في مجال التكنولوجيا، للنهوض والتقدم وتحقيق الإنجازات على الصعيد المحلي والدولي، في مقابل ذلك مازالت المنظومة التعليمية في الدول النامية تواجه تحديات كبيرة خلقت فجوة ما بين التعليم واحتياجات سوق العمل، حيث يعاني بعض الطلبة من قلة الفرص التعليمية ما قيد إمكانيتهم في تحقيق تحصيل علمي يؤهلهم لمواجهة ظروف الحياة، والاستفادة من الفرص الوظيفية المتاحة الملائمة لهم، ما زاد من نسبة البطالة والفقر، وساهم أيضا نقص الدعم المالي وتوفير الموارد الضرورية والاحتياجات الأساسية في البيئة التعليمية، إلى عدم قدرة الطلبة على استغلال قدراتهم الإبداعية والمهنية ما عرقل تطورهم الشخصي والمهني، وفقدوا الثقة بالنظام التعليمي، وبما يقدمه من معرفة وعلم قابل للتطبيق والتطوير.
وفي السياق نفسه فإن المؤسسة التعليمية وحدها دون وجود رؤى وفكر شامل، ستكون عاجزة عن الوصول إلى أهدافها المرجوة وتحقيق الجودة في العملية التعليمية، وستكون المخرجات غير ملائمة للمنافسة العالمية، والتطور الاقتصادي والازدهار والابتكار. فهي تحتاج إلى انسجام ما بين القطاعات المختلفة، والكفاءة في الأداء التعليمي والاستثمار في التعليم، ومشاركة صناع القرار في الدولة والتعاون فيما بينهم والسرعة في إيصال المعلومات والعمل لأجل التغيير. ومسؤولية صناع القرار وراسمي السياسات التربوية مراجعة نظامهم التعليمي وإدارته بشكل فعال ليتناسب مع الاحتياج التربوي ومواكبة متغيرات العصر الحديث. والعمل على زيادة حصة الإنفاق العام في التعليم، -مما لاشك فيه إن من أهم العوامل وراء نجاح الاستراتيجية التربوية هي الاستثمار الحكومي في هذا القطاع- وتقديم خطط إبداعية واستراتيجيات ونماذج عمل ناجحة، للاستجابة السريعة والمرنة للفرص الجديدة. وأما في الإطار التربوي العمل على تمكين الطلبة وتوفير بيئة مناسبة لهم لتعلم مهارات القرن الحادي والعشرين لإعداد الطلبة للحياة، ليكونوا قادرين على المنافسة على الوظائف العالمية. وبما أن المنظومة التعليمية تهتم بقياس وتقييم القراءة والرياضيات والعلوم، عليها أيضًا أن تقيس مهارات القرن الحادي والعشرين، حيث أوضح كتاب مهارات القرن الحادي والعشرين تأليف (بيرني ترلينج وتشارلز فادل) أهمية مهارات القرن الحادي والعشرين، عندما سئل أربعمائة مدير تنفيذي لشركات رئيسة سؤالا بسيطا ولكنه مهم جدا: هل الطلاب المتخرجون من المدرسة جاهزون حقا للعمل؟ الإجابة الجماعية للمديرين: ليسوا جاهزين حقاً.
وبينت الدراسة بوضوح أن الطلاب المتخرجين في المدارس الثانوية والكليات التقنية يفتقدون بعض المهارات الأساسية وعددا كبير منها من المهارات التطبيقية إلى حد بعيد: منها الاتصال الشفهي والكتابي. التفكير الناقد وحل المشكلات، الاحترافية وأخلاق العمل. التعاون والعمل في فريق. القيادة وإدارة المشروع واستخدام التقنيات المختلفة.
ولذلك كان من المهم تعلم مهارات القرن الحادي والعشرين بموازاة التعليم المدرسي لتهيئة الطلبة للحياة، والحصول على فرص وظيفية جيدة تلبي احتياجاتهم. ومن هذه المهارات كما تم طرحها (المصدر السابق) مقسمة في ثلاث فئات رئيسة: مهارات التعلم والإبداع تشمل مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات ومهارات الاتصال والمعلومات والثقافة الإعلامية، ومهارة التعاون والعمل في فريق والقيادة ومهارة الابتكار والإبداع. الفئة الثانية مهارات الثقافة الرقمية وتشمل ثقافة الحوسبة وتقنية المعلومات والاتصال، وأخيرا الفئة الثالثة وتشمل مهارتي المهنة والتعلم المعتمد على الذات ومهارة فهم الثقافات المتعددة. إن كل طالب قادر على تعلم هذه المهارات مع العملية التعليمية داخل البيئة المدرسة، فهي تُغرس في المواد التعليمية. وكما تم ذكره سابقا تلك المهارات هي ما تحتاجها المؤسسات اليوم وتعتمد عليها أي مهنة في عصر الرقمنة، والمعلومات والتطور السريع في المجالات التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة.
ختاما إن المجتمعات الأكثر انفتاحًا على كل ما هو جديد، تسعى إلى تبني الأفكار الريادية، والتكيف مع المستجدات التكنولوجية، والاتجاه إلى التطور المعرفي نحو التعليم المستدام، وإكساب الطلبة مهارات القرن الحادي والعشرين، ضمن البيئة التعليمية بدلاً من البيئة الاجتماعية، ليكتسب الطلبة الصفات التكيفية التي يحتاجون لها لمواكبة بيئة الأعمال التي تتطور باستمرار.
وتسعى تلك المجتمعات أيضا إلى تشجيع الشراكة ما بين المؤسسات المختلفة بما في ذلك القطاع العام والخاص والمنظمات غير الحكومية، للتعاون وتشجيع الإبداع والابتكار الذي يثير الحماس لدى الطلبة على الإنتاج وتعلم كل ما هو جديد وتلبي احتياجاتهم المعرفية، لتحقيق فرص جديدة مناسبة لمتطلبات السوق وبيئة العمل، مع تحقيق الكفاءة والجودة في الأداء على كل المستويات.
ليسهمَ بذلك التعليم في الازدهار الاقتصادي والاجتماعي وتخفيض نسبة البطالة والفقر وتحقيق المنافسة على مستوى العالم.
{ باحثة مختصة
في شؤون التعليم
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك