في منظومة الذكاء الإداري نعني بالمسؤول الإداري القائد؛ هو ذلك المسؤول الإداري الذي يتمكن من لمّ أطراف الإدارة والقيادة بين يديه، فتارة هو المسؤول الإداري الذي لا يحيد عن الأمور الإدارية والتشريعات وتارة هو القائد الذي يتعامل مع روح القانون والقرارات، وتارة يتوجه لاستخدام الأساليب الحديثة والتفكير الإبداعي في اتخاذ القرار وتارة – إن اضطرته الظروف – يلجأ إلى أساليب أخرى لاتخاذ القرار، فالإدارة والموقع الذي يشغله بالنسبة إليه ليس منصبًا وإنما نمط حياة وأسلوب تفكير.
هذا النوع من المسؤولين الإداريين القادة يلجؤون عادة إلى استخدام العديد من الأساليب التي تمكنهم من اتخاذ القرارات الصائبة، ومن تلك الأساليب ما تعرف بمهارات التفكير الإبداعي؛ وهي كثيرة ويصعب حصرها هنا، ولكننا في عديد من الدورات والاستشارات وجلسات الكوتشنج التي كنا نعقدها مع بعض المسؤولين القادة كنا ندربهم على ممارستها لاستخدامها في اتخاذ القرارات الحاسمة لكثير من المواقف التي قد تطرأ في مؤسساتهم، وسوف نستعرض بعضًا من تلك الأساليب بهدف الخروج من ضيق التفكير التقليدي إلى سعة التفكير الإبداعي في إدارة المؤسسات.
أولاً: أسلوب العصف الذهني (Brain Storming)؛ وهذا الأسلوب يُعد من أكثر الأساليب المستخدمة وأسهلها في طرح الأفكار وحل المشكلات والوصول إلى اتخاذ القرار، وهذا الأسلوب يعتمد على تبادل التنبيه بالأفكار بين أعضاء جماعة صغيرة. والمفروض أن تبدأ جلسة العصف الذهني بعدم وضوح وتنتهي بوضوح تام وبأفكار جديدة.
ويُعد العصف الذهني (أو التفاكر أو استمطار الأفكار) وسيلة للحصول على أكبر قدر من الأفكار من مجموعة من الأفراد وفي وقت قصير، وذلك من خلال عرض المشكلة عليهم ومطالبتهم بأن يدلوا بأكبر عدد من الأفكار من أجل حلها، ويعتمد نجاح هذا الأسلوب على أربعة شروط رئيسية هي:
1- تأجيل تقييم الأفكار: إذ يتم إرجاء التقييم أو النقد لأية فكرة إلى ما بعد جلسة توليد الأفكار.
2- عدم وضع قيود على التفكير: فالفرد يجب أن يفكر بحرية، وأن يندفع بخياله وأحلامه، ويترك لعقله الباطن حرية التعبير، فوضع القيود يقلل من الانطلاق في التفكير.
3- كمية الأفكار هي المهمة وليس نوع الأفكار: فكلما زاد عدد الأفكار كان ذلك أفضل لتوفير أفكار أصيلة.
4- البناء على أفكار الآخرين وتطويرها: فمن الممكن للفرد استعمال أفكار الآخرين كأساس لاكتشاف أفكار جديدة مبنية عليها.
وطبقًا لهذا الأسلوب يختار المسؤول الإداري القائد المشكلة المطلوب دراستها في الاجتماع، ويجب أن تكون مشكلة راهنة وذات أهمية لتبرير اشتراك الآخرين، ومن جانب آخر يجب أن يكون المسؤول الإداري القائد متفتح الذهن وأن يقود الجماعة بقوة وحماس وقدرة وأن يُظهر اهتمامه بالاشتراك في تقديم الأفكار والتمتع بأفكار الآخرين.
ويطلب المسؤول الإداري القائد من أحد المشتركين أن يكون مساعدًا له في كتابة الأفكار وتعليق الأوراق المكتوبة على الحائط أمام الجميع. وعند انتهاء الاجتماع يشكر المسؤول الإداري القائد المشاركين على مساهمتهم، ويؤكد لهم أنهم سوف يحاطون علمًا بالأفكار التي تم اختيارها.
ثم تبدأ الجلسة الثانية بفريق يختلف تمامًا عن الفريق الأول، وذلك من أجل تقييم الأفكار واختيار أفضلها وأنسبها لحل المشكلة أو اتخاذ القرار. على أن يعقد اجتماع تقييم الأفكار بعد اجتماع العصف الذهني بيوم أو بيومين حتى يمكن جمع الأفكار، وبعد تقييم واختيار الأفكار يجب توزيع كل الأفكار مطبوعة بعد وضع الأفكار التي تم اختيارها.
ثانيًا: أسلوب دلفاي (Delphi Technique)؛ يمكن تنفيذ هذا الأسلوب قائمًا بذاته أو تبعًا لجلسات العصف الذهني، وهذا يعتمد على وجهة نظر المسؤول الإداري القائد وربما القضية المطروحة. ويقوم هذا الأسلوب على أساس اختيار أحد الأفراد كمنسق، بشرط أن يكون على دراية كبيرة بكيفية تطبيق هذا الأسلوب، كذلك يتم اختيار مجموعة من الخبراء في الموضوع أو الفكرة المطروحة للتقييم.
يقوم المنسق بعد تسلم إجابات الخبراء منفردة أو من بعد اجتماع وجلسة العصف الذهني ويفرغها في جداول أو أشكال بيانية تبين مدى الاتفاق أو الاختلاف في آراء الخبراء.
وبعد ذلك يقوم المنسق بإعداد ملخص النتائج التي توصل إليها الخبراء الآخرون ويرسله إلى كل خبير على حدة، ويسأله عما إذا كان ما زال متمسكًا بوجهة نظره تجاه الفكرة أو المشكلة الموضوعة أم لا ؟ وهل هناك تعديلات أو تغييرات يود إدخالها على رأيه السابق أم لا ؟
ويكرر المنسق هذه العملية عدة مرات إلى أن يصل إلى درجة من الثبات النسبي في الإجابات. فيبدأ بدوره في استخدام الإجابات في الوصول إلى حل المشكلة المعروضة أو تقييم الفكرة المطروحة. ويمكن تلخيص الأهداف التي تسعى طريقة دلفاي إلى تحقيقها فيما يلي:
1- تحديد أو تنمية عدد من البرامج البديلة والممكنة.
2- الكشف عن الافتراضات الأساسية أو المعلومات التي تؤدي إلى أحكام مختلفة.
3- الكشف عن المعلومات التي تؤدي إلى إجماع أو اتفاق الجماعة.
4- ربط النتائج التي تم التوصل إليها بشأن الموضوع بمدى واسع من فروع المعرفة.
5- تعليم أفراد الجماعة المستجيبة كيفية التعمق والتفاعل مع النواحي المختلفة للموضوع المطروح.
ويمكن تحديد خطوات أسلوب دلفي بشكل آخر لحل المشكلات الإدارية كالتالي:
1- يقوم المسؤولون عن التنبؤ بإعداد استقصاء اعتمادًا على رؤيتهم للمشكلة.
2- يتم إرسال الاستقصاء بالبريد إلى مجموعة من الخبراء الذين يستجيبون للأسئلة الواردة به.
3- يتم جمع استجابات الأفراد وتلخيصها.
4- تعاد الملخصات إلى المستجيبين لمعرفة ردود أفعالهم.
5- تستمر العملية إلى أن يتم الوصول إلى اتفاق جماعي.
ثالثًا: منهجية الأسئلة الخمسة ( لماذا5؟) (The 5Why)؛ منهجية أسئلة (لماذا5؟) يمكن أن تساعد فريق العمل والمسؤول الإداري القائد في معرفة الأسباب الجذرية للمشكلة داخل المؤسسة. وفي هذه المنهجية يتم توجيه خمسة أسئلة كلها تبدأ بلماذا (Why) مثل:
* لماذا حدثت المشكلة؟
* لماذا حدثت الآن؟
* لماذا حدثت بهذا الشكل؟
* لماذا لم نتمكن من الوقاية منها؟
* لماذا لم يتمكن العمال أو الموظفين من حلها، فتم تصعيدها إلى أعلى لحلها؟
هذا ويمكن تعريف أسلوب الأسئلة (5 لماذا؟) بأنه عملية تساؤل للوصول إلى العلاقة بين العوامل المسببة للمشكلة والنتائج المترتبة عليها، ما يتيح لنا الفصل والتفرقة بين (أعراض المشكلة) و(أسباب المشكلة) لنصل إلى الأسباب الفعلية للمشكلة أو حالة عدم المطابقة داخل المؤسسة، ومن ثم وضع الإجراءات التصحيحية المناسبة لها. وتتسم هذه الإستراتيجية بالعديد من السمات التي تميزها عن غيرها ومنها:
1- البساطة: فيسهل استخدامها وتطبيقها دون الحاجة إلى الاستعانة بأي من الأساليب الإحصائية.
2- الفاعلية: تساعد على الفصل والتفرقة بين (أعراض المشكلة) وبين (أسباب المشكلة).
3- الشمولية: تساعد في تحديد (العلاقات) بين جميع أسباب المشكلة.
4- المرونة: يمكن استخدامها بمفردها أو مع غيرها من أساليب واستراتيجيات تحسين الجودة ومعالجة المشكلات.
5- محفزة للمشاركة: فهي تحفز الجميع – من داخل وخارج المؤسسة – للمشاركة وتكوين فريق عمل.
6- انخفاض التكلفة: تتركز هذه الإستراتيجية بصفة خاصة على فريق العمل ولا تتطلب توفير أي متطلبات أخرى.
في حالة توصلك لأسباب المشكلة وحلولها، بعد اتفاق جميع أعضاء الفريق من الممكن أن تجد أكثر من (سبب رئيسي) للمشكلة، وعندها يجب أن تضع إجراء تصحيحي لكل سبب. مع ملاحظة أن أي خطأ في طرح الأسئلة أو الإجابات سوف يؤدي إلى تضليلك عن الوصول إلى الأسباب الحقيقية للمشكلة.
رابعًا: منهجية (5 لماذا و1 كيف) (5 W and 1H Methodology)؛ يقصد بمنهجية (5 W and 1H Methodology) أنه عند تحليل أي مشكلة فإن على المسؤول الإداري القائد أن تطرح الأسئلة التالية (متى، ولماذا، وما، من، ماذا، وكيف ؟)، وكما هو واضح أن رمز (5W)، يشير إلى الحروف الأولى من الأسئلة التالية (who, what, why, when, where, how).
ورمز (1H) يشير إلى السؤال (كيف how). وتساعد هذه المنهجية في جمع البيانات والمعلومات المطلوبة لدراسة وفهم المشكلة ما يساعد في تشخيصها واقتراح الحلول لها.
خامسًا: خرائط التدفق (Flowcharts)؛ خريطة التدفق أو خريطة المسار هي عبارة عن مخطط يصف العملية أو المشكلة والخطوات التي تمر بها العملية أو الإجراءات التي تمر بها الخدمة أو المشكلة والموضوع المراد اتخاذ القرار فيه. ومن خلال الخريطة يمكن معرفة بدايتها ونهايتها وأين نحن الآن؟ وما الخطوات التي تمت؟ وما الخطوات المتبقية والتي لم يتم إنجازها؟ أيضًا تساعد خريطة التدفق تحديد نقاط اتخاذ القرارات. وتستخدم خرائط التدفق في الآتي:
* توثيق الخطة.
* تحديد الحالات التي تتطلب اتخاذ قرار.
* متابعة التنفيذ.
عمومًا، هذه بعض الأساليب السهلة، وإن كانت هناك أساليب أخرى ربما أصعب وأقدر، إلا إننا هنا لا نرغب في طرحها، إلا أنه ربما نطرحها يومًا ما.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك