العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من وحي حرب أكتوبر.. زيارة لخط بارليف

بقلم: صادق الشافعي

الاثنين ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬الذكرى‭ ‬الخمسين‭ ‬لحرب‭ ‬أكتوبر،‭ ‬نتذكر‭ ‬كيف‭ ‬سجل‭ ‬الجيشان‭ ‬المصري‭ ‬والسوري‭ ‬أروع‭ ‬آيات‭ ‬البطولة،‭ ‬وأعادا‭ ‬إلى‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬الاعتبار،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬عام‭ ‬1967‭.‬

ولست‭ ‬هنا‭ ‬بصدد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إجهاض‭ ‬السياسة‭ ‬لهذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬والبطولات‭ ‬العسكرية‭. ‬ولكن‭ ‬عادت‭ ‬بي‭ ‬الذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬زيارتنا‭ ‬لخط‭ ‬بارليف‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬اسمه‭ ‬مقترنا‭ ‬بهذه‭ ‬الحرب‭.‬

ففي‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬دورة‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬انعقدت‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭. ‬وقد‭ ‬رتب‭ ‬الإخوة‭ ‬المصريون‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬زيارة‭ ‬إلى‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬شرقها،‭ ‬للاطلاع‭ ‬من‭ ‬كثب‭ ‬ومشاهدة‭ ‬أجزاء‭ ‬ومواقع‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬بـ«خط‭ ‬بارليف‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬شرف‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬واحداً‭ ‬ممن‭ ‬شاركوا‭ ‬بتلك‭ ‬الزيارة‭.‬

خط‭ ‬بارليف‭ ‬هو‭ ‬خط‭ ‬التحصينات‭ ‬العسكرية‭ ‬المنيعة‭ ‬جداً‭ ‬التي‭ ‬بناها‭ ‬جيش‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬شرق‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬ونشرت‭ ‬الأساطير‭ ‬حول‭ ‬قوته‭ ‬ومناعته‭ ‬واستحالة‭ ‬اختراقه‭.‬

لكن‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬العظيم‭ ‬نجحت‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬في‭ ‬اختراقه‭ ‬وتدميره‭ ‬وهزيمة‭ ‬القوات‭ ‬المعادية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متمركزة‭ ‬فيه‭.‬

عبرنا‭ ‬بالقوارب‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬القنال‭ ‬إلى‭ ‬شرقها،‭ ‬حيث‭ ‬الخط‭ ‬المذكور‭. ‬تجولنا‭ ‬بالحد‭ ‬الأقصى‭ ‬الممكن‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬ومواقعه‭ ‬وتحصيناته‭.‬

وكان‭ ‬معنا‭ ‬من‭ ‬المرافقين‭ ‬العسكريين‭ ‬المصريين‭ ‬من‭ ‬يشرح‭ ‬ويفسر‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وفي‭ ‬المواقع،‭ ‬ويروي‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الإعجاز‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬والبطولات‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬حد‭ ‬الإعجاز‭.‬

كانت‭ ‬الدهشة‭ ‬التي‭ ‬تقارب‭ ‬صعوبة‭ ‬التصديق،‭ ‬مقرونة‭ ‬بالانبهار‭ ‬والفخر‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭.‬

كانت‭ ‬التحصينات‭ ‬المقامة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوات‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬قوية‭ ‬ومنيعة،‭ ‬وكانت‭ ‬مدعمة‭ ‬ببلوكات‭ ‬من‭ ‬الأحجار‭ ‬الصخرية‭ ‬متوسطة‭ ‬الحجم،‭ ‬والمجموعة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬إطارات‭ ‬من‭ ‬الشبك‭ ‬السلكي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬بلوكات‭ ‬متفاوتة‭ ‬المقاسات‭ ‬الكبيرة‭ ‬نسبياً،‭ ‬وبحيث‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬مساحة‭ ‬وحجم‭ ‬الموقع‭ ‬المحصّن‭.‬

ومعروف‭ ‬علميا‭ ‬وهندسيا‭ ‬أن‭ ‬الحجر‭ ‬الصخري‭ (‬حجر‭ ‬جيري‭) ‬له‭ ‬خاصية‭ ‬الامتصاص‭ ‬العالي‭ ‬للصدمات‭ ‬والاهتزازات،‭ ‬لذلك‭ ‬مثلاً،‭ ‬نراه‭ ‬مفروشاً‭ ‬بأحجام‭ ‬صغيرة‭ ‬نسبياً‭ ‬بين‭ ‬قضبان‭ ‬سكك‭ ‬حديد‭ ‬القطارات‭.‬

أما‭ ‬الأساسي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التحصينات‭ ‬ومراكز‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬الخط،‭ ‬فكان‭ ‬محفوراً‭ ‬عميقاً‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬الرملية‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬مناعة‭ ‬ذلك‭ ‬الخط‭ ‬وتحصيناته،‭ ‬أنه‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬التلة‭ ‬الرملية‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬القناة‭ ‬صعوداً‭ ‬بما‭ ‬يشكل‭ ‬ساتراً‭ ‬يجعل‭ ‬مجرد‭ ‬الصعود‭ ‬عليها‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الخط‭  ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬مداهمته‭ ‬واقتحامه‭ ‬عسكرياً‭  ‬أمر‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الاستحالة‭.‬

كما‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المناعة‭ ‬تمديدات‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬الموصلة‭ ‬بين‭ ‬المواقع‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬شرق‭ ‬القناة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬مياهها،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬مخارجها‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العدو‭ ‬لتخرج‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬غازاً‭ ‬يتم‭ ‬إشعاله‭ ‬بطريقة‭ ‬سهلة‭ ‬جداً،‭ ‬فتخرج‭ ‬نار‭ ‬ملتهبة‭ ‬تنتشر‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القناة‭ ‬مانعة‭ ‬أي‭ ‬عبور‭ ‬لها‭.‬

الصورة‭ ‬الإجمالية‭ ‬التي‭ ‬تنطبع‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬أي‭ ‬زائر‭ ‬لخط‭ ‬بارليف،‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬روّج‭ ‬لاستحالة‭ ‬اختراقه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مبالغا‭ ‬أو‭ ‬مخطئا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬قدرة‭ ‬العلم‭ ‬والتخطيط‭ ‬والتدريب‭ ‬والتمويه‭ ‬لدى‭ ‬العسكرية‭ ‬المصرية،‭ ‬مجبولة‭ ‬مع‭ ‬الوطنية‭ ‬المصرية‭ ‬العريقة،‭ ‬ومع‭ ‬بطولة‭ ‬العسكري‭ ‬المصري‭ ‬وقدرته‭ ‬واستعداده،‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الإنجاز‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الإعجاز‭.‬

فقد‭ ‬اقتحمت‭ ‬الخط‭ ‬وقضت‭ ‬عليه،‭ ‬وهزمت‭ ‬قوات‭ ‬العدو‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مرابضة‭ ‬فيه‭ ‬وأجبرتها‭ ‬على‭ ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬مواقعها‭.‬

بعد‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬بضع‭ ‬ساعات‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬للقناة،‭ ‬والتقينا‭ ‬هناك‭ ‬مع‭ ‬الفريق‭ ‬أحمد‭ ‬بدوي‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬قيادته‭.‬

والفريق‭ ‬بدوي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬المصريين،‭ ‬وكان‭ ‬قائداً‭ ‬لأحد‭ ‬الجيوش‭ ‬المقتحمة‭ ‬للقنال‭ ‬والمشتبكة‭ ‬بالقتال‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭.‬

وقد‭ ‬أصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬وزيراً‭ ‬للدفاع،‭ ‬ثم‭ ‬استشهد‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬تحطم‭ ‬طائرة‭ ‬عسكرية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬مرافقيه،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بجولة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬بسنوات‭.‬

الفريق‭ ‬بدوي‭ ‬شرح‭ ‬لنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحرب،‭ ‬بالذات‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬منها‭ ‬بالتغلب‭ ‬على‭ ‬الساتر‭ ‬الرملي‭ ‬وتوصيلات‭ ‬الغاز‭ ‬وعملية‭ ‬التمويه‭ ‬الواسعة،‭ ‬وحائط‭ ‬الصواريخ‭ ‬والضربة‭ ‬الجوية‭ ‬الأولى،‭ ‬وغيرها‭.‬

وأفاض‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬بطولات‭ ‬العسكري‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬عبر‭ ‬مشاهدات‭ ‬ونماذج‭ ‬حسية‭ ‬وحيّة‭.‬

وشرح‭ ‬ببعض‭ ‬التفصيل‭ ‬كيف‭ ‬نجحت‭ ‬القوات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬قيادته‭ ‬في‭ ‬أَسر‭ ‬كتيبة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬بكامل‭ ‬أفرادها‭ ‬وعدتها‭ ‬وعتادها،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬قائدها‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬برتبة‭ ‬جنرال‭.‬

وكانت‭ ‬تلك‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الانتصارات‭ ‬النوعية‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بكثرة‭ ‬واستفاضة‭.‬

وشرح‭ ‬لنا‭ ‬التكتيك‭ ‬الحربي‭ ‬الذي‭ ‬اتبعه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭: (‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الكتيبة‭ ‬بجنودها‭ ‬وتجهيزاتها‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الدبابات‭ ‬تتقدم‭ ‬باتجاه‭ ‬موقع‭ ‬قواته،‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬لها‭ ‬ذراعَيه‭ ‬ليغريها‭ ‬بالتقدم‭ ‬والدخول‭ ‬باتجاه‭ ‬صدره‭. ‬وحين‭ ‬اكتمل‭ ‬دخولها‭ ‬كلها،‭ ‬أطبق‭ ‬بقواته‭ ‬عليها‭ ‬بذراعَيه‭ ‬وأَسرها‭ ‬بكاملها‭).‬

هذه‭ ‬العودة‭ ‬بالذاكرة‭ ‬تؤكد‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيها‭ ‬أننا‭ ‬أمة‭ ‬لا‭ ‬تنقصها‭ ‬القدرات‭ ‬والإمكانيات‭ ‬والكفاءات‭ ‬العلمية‭ ‬أو‭ ‬العسكرية،‭ ‬ولا‭ ‬الإقدام‭ ‬والاستعداد‭ ‬للتضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كرامة‭ ‬الوطن‭ ‬والأمة،‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬ترافق‭ ‬معها‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الصائب‭.‬

‭ ‬{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا