العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«طوفان الأقصى».. أو أكتوبر الثاني

بقلم: أكرم عطا الله

الثلاثاء ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

هذه‭ ‬هي‭ ‬الكفّ‭ ‬التي‭ ‬ناوشت‭ ‬المخرز‭ ‬وأدمته‭.. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬غزة‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬تهز‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تبقى،‭ ‬هي‭ ‬غزة‭ ‬الفقيرة‭ ‬والحزينة‭ ‬تنفجر‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬بما‭ ‬يفوق‭ ‬كثير‭ ‬واقعها‭ ‬وإمكانياتها،‭ ‬لتصنع‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬مستحيلات‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬عصيًّا‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث؟‭ ‬حلم‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬جانب،‭ ‬وكابوس‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬ظن‭ ‬أنه‭ ‬ينام‭ ‬على‭ ‬حرير‭ ‬فائض‭ ‬القوة‭.‬

‮«‬يوم‭ ‬كيبور‮»‬‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬الكارثة‭ ‬الأولى‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تشف‭ ‬منها‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بعد‭ ‬لتتلقى‭ ‬أُخرى‭ ‬بعد‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭. ‬صدمة‭ ‬وذهول‭ ‬وفاجعة‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬ساعاتها‭ ‬الأولى،‭ ‬ولن‭ ‬تغادر‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬استدعى‭ ‬لنفسه‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحروب،‭ ‬وأصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬السيف‭ ‬مُدمًى‭ ‬وجريحاً‭ ‬وملاحقاً‭. ‬أضاعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬الفرص‭ ‬للسلام‭ ‬مع‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬وكانت‭ ‬اللحظة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬فقد‭ ‬انهزمت‭ ‬أمام‭ ‬قوة‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬اللحظة‭ ‬كانت‭ ‬تمارس‭ ‬الخديعة‭ ‬مع‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬رجل‭ ‬السلام‭ ‬لتعيد‭ ‬صياغة‭ ‬عقل‭ ‬المنطقة‭ ‬نحو‭ ‬فعالية‭ ‬السلاح،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭.‬

انهيار‭ ‬لم‭ ‬يتوقعه‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬كوابيسه‭. ‬كيف‭ ‬تدخل‭ ‬غزة‭ ‬ذات‭ ‬التصنيع‭ ‬العسكري‭ ‬المنزلي‭ ‬لتجتاح‭ ‬بلدات‭ ‬ومدناً‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة؟‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬الجيش‭ ‬والأمن‭ ‬نائمَين؟‭ ‬وأين‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬استعراض‭ ‬قدراتها‭ ‬الاستخبارية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬ومجسات‭ ‬الأمن‭ ‬ومراقبة‭ ‬الأنفاس‭ ‬وكروكي‭ ‬البيوت،‭ ‬وحركة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وشوارعها‭ ‬ورصد‭ ‬غرف‭ ‬نومها‭ ‬وحساب‭ ‬أنفاسها؟‭ ‬كيف‭ ‬تبخر‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭ ‬الحساب‭ ‬عسير؛‭ ‬فالفشل‭ ‬الاستخباري‭ ‬ذريع‭.‬

وهْم‭ ‬القوة‭ ‬وغرورها‭.. ‬عنجهية‭ ‬التاريخ‭.. ‬ادعاء‭ ‬التفوق‭ ‬القومي‭ ‬والعسكري‭ ‬والأمني‭ ‬والعلمي،‭ ‬وكل‭ ‬شيء،‭ ‬أصاب‭ ‬دولة‭ ‬بعمى‭ ‬القوة‭ ‬فأعجزها‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬الفرص‭ ‬والتقاطها‭.. ‬احتقارها‭ ‬للأنداد‭ ‬والخصوم‭ ‬بلا‭ ‬حساب‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬تحسب‭ ‬أن‭ ‬لسعة‭ ‬البعوض‭ ‬تدمي‭ ‬الفيل‭. ‬كان‭ ‬نتنياهو‭ ‬يختال‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الإقليم‭ ‬وعن‭ ‬التطبيع،‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬حشرة‮»‬‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تقف‭ ‬عائقاً‭ ‬أمام‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬ليكتشف‭ ‬أن‭ ‬أصغر‭ ‬منطقة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ستصيبه‭ ‬بهذه‭ ‬الفضيحة‭ ‬التي‭ ‬ستكتب‭ ‬نهايته‭ ‬مكللا‭ ‬بالعار‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬أقرب‭ ‬للخيال‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬الحروب‭. ‬كيف‭ ‬تفيق‭ ‬الدولة‭ ‬المدججة‭ ‬والمحصنة‭ ‬خلف‭ ‬الكتل‭ ‬الإسمنتية‭ ‬ذات‭ ‬صباح‭ ‬وتجد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬داخل‭ ‬المستوطنات‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬غزة،‭ ‬وبكل‭ ‬هذه‭ ‬السهولة،‭ ‬كأن‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التحصين‭ ‬وكاميرات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وجدار‭ ‬بارليف‭ ‬الثاني،‭ ‬يتم‭ ‬اقتحامها‭ ‬بكل‭ ‬تلك‭ ‬السهولة‭. ‬وكيف‭ ‬يقع‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬بيد‭ ‬المقاتلين؟‭ ‬وكيف‭ ‬تنهار‭ ‬المواقع‭ ‬العسكرية‭ ‬بلا‭ ‬مقاومة؟‭ ‬تساؤلات‭ ‬ستطيح‭ ‬بكل‭ ‬الرؤوس‭.‬

بالغت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬احتقار‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وبالغت‭ ‬في‭ ‬إنكار‭ ‬الواقع‭ ‬حد‭ ‬الجنون،‭ ‬وبالغت‭ ‬في‭ ‬الإمعان‭ ‬بالنيل‭ ‬من‭ ‬واقعهم‭ ‬ومستقبلهم‭ ‬وكرامتهم‭ ‬وقدسهم‭ ‬وأقصاهم‭. ‬استنفرت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬مهما‭ ‬كلف‭ ‬الثمن‭. ‬فمن‭ ‬فتح‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬كان‭ ‬واضحاً‭ ‬أن‭ ‬خصمه‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬امتهان‭ ‬كرامته‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يأبه‭ ‬بما‭ ‬يخسره‭. ‬كيف‭ ‬دفعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وتدفع‭ ‬ثمنه؟‭ ‬

فقد‭ ‬سجل‭ ‬اقتحام‭ ‬المقاتلين‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬أكبر‭ ‬ضربة‭ ‬للأمن‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لقوة‭ ‬الردع‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تآكلها‭.. ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬جرى‭ ‬انهيارها‭ ‬وسقطت‭ ‬الهيبة،‭ ‬ولن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬استعادتها‭ ‬مهما‭ ‬فعلت‭ ‬واستخدمت‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬ضد‭ ‬غزة‭.‬

كيف‭ ‬ستستعيده‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تلقت‭ ‬هذه‭ ‬الضربة‭ ‬القوية؟‭ ‬مجازر‭ ‬ضد‭ ‬غزة؟‭ ‬وهل‭ ‬توقفت‭ ‬هذه؟‭ ‬فمنذ‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬فقط‭ ‬كانت‭ ‬تلقي‭ ‬بحممها‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭. ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬حصار‭ ‬القطاع‭ ‬بلا‭ ‬رحمة،‭ ‬واستمرت‭ ‬في‭ ‬اجتياحات‭ ‬الضفة،‭ ‬ومشاهد‭ ‬حرق‭ ‬حوّارة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وصرخات‭ ‬الاستغاثة‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬القدس،‭ ‬والمساس‭ ‬بالأسرى‭ ‬والتضييق‭ ‬عليهم،‭ ‬واقتحامات‭ ‬الأقصى‭ ‬التي‭ ‬يحرض‭ ‬عليها‭ ‬الوزير‭ ‬المتطرف‭ ‬إيتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬والذي‭ ‬تلقى‭ ‬تحذيرات‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬بأنه‭ ‬يحمل‭ ‬عود‭ ‬ثقاب‭ ‬يطوف‭ ‬به‭ ‬وسط‭ ‬مخازن‭ ‬البارود،‭ ‬ولكن‭ ‬الغطرسة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬أن‭ ‬صراعات‭ ‬الشعوب‭ ‬ليست‭ ‬لعبة‭ ‬ساذجة‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الهواة‭ ‬الراسبين‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬السياسة‭ ‬وساقطيها‭.‬

منذ‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬كانت‭ ‬الذاكرة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬مفاجأة‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ومراجعة‭ ‬لجنة‭ ‬أجرانات،‭ ‬ورأس‭ ‬رئيس‭ ‬الاستخبارات‭ ‬إيلي‭ ‬زاعيرا،‭ ‬ورئيس‭ ‬الأركان‭ ‬دافيد‭ ‬إليعازر،‭ ‬وإذ‭ ‬بأكتوبر‭ ‬جديد‭ ‬يتجسد‭ ‬ذات‭ ‬فجر‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭. ‬أي‭ ‬لجنة‭ ‬تحقيق‭ ‬جديدة‭ ‬ستكون؟‭ ‬وكم‭ ‬عدد‭ ‬الرؤوس‭ ‬التي‭ ‬ستطير؟‭ ‬ومن‭ ‬القاضي‭ ‬الذي‭ ‬سيترأسها؟‭ ‬إنها‭ ‬هدية‭ ‬غزة‭ ‬وقواتها‭ ‬للجهاز‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬للانقضاض‭ ‬على‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬معركته،‭ ‬وهدية‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض‭ ‬ستخلصه‭ ‬من‭ ‬كابوس‭ ‬نتنياهو‭ ‬وظله‭ ‬الثقيل‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة،‭ ‬وهو‭ ‬حلم‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭. ‬فهو‭ ‬أول‭ ‬ضحايا‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬سالت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المعركة؛‭ ‬فقد‭ ‬جعل‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬يدفعون‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الثمن،‭ ‬وحطم‭ ‬كل‭ ‬الفرص،‭ ‬وناور‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يقع‭.‬

لجنتا‭ ‬تحقيق‭ ‬شكّلتهما‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬قيامها‭ ‬بعد‭ ‬حروب‭ ‬بادر‭ ‬إليها‭ ‬العرب،‭ ‬وستكون‭ ‬اللجنة‭ ‬الثالثة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬السبت‭ ‬الماضي‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المبكر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الحرب،‭ ‬لكننا‭ ‬أمام‭ ‬حدث‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تداعياته‭ ‬الكبرى‭ ‬جداً،‭ ‬وأثمانه‭ ‬غير‭ ‬القليلة،‭ ‬وأبعاده‭ ‬التي‭ ‬ستطال‭ ‬إستراتيجيات‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬كانت‭ ‬ثابتة‭ ‬لعقدين‭ ‬ما‭ ‬قبلها‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬بعدها‭.. ‬التحولات‭ ‬ستطال‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا