يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
موارد اليوم.. ثروات الغد - 2
البشرية في مواجهة غول الذكاء الاصطناعي
الــــثــــــروة الــحــقــيــقـــيـــة لـلأمــــم هـــي ثــــروة الــتــفـــكــيــــر والإرادة
تـهديــدات جـسـيــمـة لـلأمــن الـقــومــي واســتـقـرار المـجـتـمـعـات
المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي عقد مؤخرا في الشارقة في دورته الـ12 ونظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة تحت شعار «موارد اليوم.. ثروات الغد» هيمنت عليه واحدة من أكبر القضايا، هي قضية الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة عموما.
الفكرة الجوهرية التي هيمنت على اسهامات الخبراء والمسؤولين الذين ناقشوا القضية في اكثر من جلسة هي ان الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة اشبه بغول يهدد البشرية. بعبارة أخرى ان الذكاء الاصطناعي يحمل اخطارا داهمة على البشرية بأسرها، وأنه لا بد من الاهتمام بأقصى قدر من الجدية بكيفية مواجهة هذه الأخطار. وفي نفس الوقت لا أحد يستطيع ان ينكر ان هناك جوانب إيجابية كثيرة يجب ان نعرف كيف نستفيد منها.
الخبراء والمتخصصون في التقنيات الرقمية والأمن السيبراني الذين تحدثوا في المؤتمر اتفقوا بشكل عام على ضرورة وضع ضوابط عالمية في النظام الرقمي العالمي الجديد، تركز على القيم الأخلاقية المشتركة في مختلف المجتمعات الإنسانية، وتساعد على وضع مبادئ توجيهية لكيفية استخدام التقنيات الحديثة وخاصة الذكاء الاصطناعي، للحد من المخاطر والمخاوف التي يشعر بها الكثير من الناس حول العالم حيال انتشار استخدام هذه التقنيات، وخاصة مع تطورها المتسارع واقتحامها لكافة القطاعات الحيوية وجوانب الحياة اليومية.
سنعرض فيما يلي لأهم ما اثير بخصوص القضية بالإضافة إلى النتائج التي انتهى إليها المنتدى.
***
أخطار داهمة
الخبراء والمختصون الذين تحدثوا في أكثر من جلسة نظمها المنتدى عددوا جوانب كثيرة تمثل أخطارا داهمة للذكاء الاصطناعي على البشرية وعلى كل الدول والشعوب.
الدكتور سعيد الظاهري، مدير مركز الدراسات المستقبلية في جامعة دبي، تحدث في جلسة بعنوان: «التهديدات السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي» وحذر من استخدام القراصنة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مهاجمة الدول والشركات والأفراد، مشيراً إلى أهمية تأمين مستقبلنا في ظل وجود «الذكاء الاصطناعي العام»، الذي سيصل العالم إليه خلال السنوات القادمة.
واستعرض الدكتور الظاهري مراحل تطور الذكاء الاصطناعي ChatGPT، وقال إنه من المتوقع أن نصل إلى نسخ جديدة أكثر تطوراً من البرنامج تحمل صفات إبداعية بشرية عاطفية تتفاعل مع المستخدم، وحتى أنها تستطيع أن تتلاعب بالعقل البشري ويمكن أن تنفذ أي مهمة توكل إليها، وهنا تكمن الخطورة. وقال: «إن التحدي هو كيف يمكن أن نحمي البشرية من مخاطر الذكاء الاصطناعي وكيف نقنن ونحوكم هذه التقنيات ونشرها بطريقة صحيحة، بحيث لا نترك مجالاً لقراصنة الإنترنت باستغلال هذه التقنيات الذكية في الابتزاز والتخريب»، مشيراً في الوقت نفسه إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في حل ومعرفة الثغرات الأمنية الموجودة والمتوقعة.
وفي محاضرة ألقاها بعنوان: «التسامح في العالم الرقمي» تطرق سيف مخير استشاري تدريب وتطوير الى جانب في غاية الأهمية لا يحظى بكثير من الاهتمام هو ما اسماه «التطرف السيبراني» يتمثل باستخدام التقنيات الحديثة والدور الخطير الذي يلعبه في الأفكار المتطرفة والهدامة، وهو تهديد خطير للمجتمعات، حيث ينشر الكراهية والعنف. قال إنه يمكن للمتطرفين استخدام التقنيات للتواصل وتبادل الأفكار لاستقطاب الأفراد وحثهم على الانضمام إلى العناصر والجهات الإجرامية، وأن أول أهدافهم تكون المؤسسات الحكومية وشركات البنى التحتية، وتعتبر البرامج الخبيثة وعمليات التصيّد الاحتيالي والهندسة الاجتماعية أبرز أدواتهم في الهجمات الإرهابية.
وأوضح سيف مخير أن (4.24 ملايين دولار) متوسط كلفة عمليات اختراق البيانات الناتج عن الإرهاب السيبراني، وأن الزيادة المتوقعة لهذه الهجمات ستكون 20% بنهاية العام الحالي. وأن 85% من المؤسسات حول العالم تعرضوا لمثل هذه الهجمات خلال العام المنصرم.
وأكد سيف مخير أن التسامح في العالم الرقمي يواجه تحديات أبرزها انتشار خطاب الكراهية وسهولة الوصول إلى المعلومات المضللة وصعوبة تحديد هوية المجرمين وعدم الإلمام الكافي بقوانين الجرائم الإلكترونية وسهولة التعرض للمضايقات في الانترنت وعدم توافر الوعي بأهمية التسامح.
علي عوض الله، مدير برامج، استعرض مفهوم الثورة الصناعية الرابعة وأهميتها في زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف وترسيخ مبادئ الابتكار وتحسين جودة الحياة، مشيراً إلى أن أبرز تقنيات هذه الثورة هي الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والعملات الرقمية والبلوكشين وإنترنت الأشياء، والمدن الذكية والميتافيرس والروبوتات.
غير أنه أوضح أن الثورة الصناعية الرابعة تواجه عدة تحديات من أبرزها الأمن السيبراني، حيث يمكن لهذه الهجمات على الشركات والدول أن توقف وتعطل الأنظمة والشبكات وتسرق البيانات الحساسة. وتهدد الأمن القومي للدول، ويمكن أن تعطل الاقتصاد الوطني من خلال تدمير البنية التحتية مثل النقل والطاقة، كما يمكن أن تزعزع استقرار المجتمعات من خلال نشر الشائعات والأكاذيب.
في المنتدى عقدت جلسة حوارية بعنوان «أخلاقيات الروبوت... ما تنبأ به أسيموف» استلهاما لتوقعات كاتب روايات الخيال العلمي الروسي إسحاق أسيموف، الذي يعتبر من أوائل من وضعوا توجيهات وقواعد لبرمجة الروبوتات وبرمجيات الذكاء الاصطناعي منذ أربعينيات القرن العشرين.
الجلسة ناقشت بداية قضية مهمة هي كيفية الاستخدام الآمن للتطبيقات الرقمية الحديثة. الدكتور محمد الكويتي رئيس الأمن السيبرانيّ في حكومة دولة الإمارات قال بهذا الخصوص: «البيانات التي تمتلكها المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي كنز كبير، لا بد من التعامل معه بمسؤولية، ومن الضروري أن نعمل على وضع إجراءات وسياسات لحوكمة عملية التحول الرقمي، وتلافي التغير المتسارع والعشوائي وتجاوز العديد من الثغرات الأمنية».
الشيخ سلمان آل خليفة الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأمن السيبراني في البحرين أكد ضرورة توحيد الجهود الخليجية لوضع قوانين وتشريعات تعزز حماية البيانات وخصوصية المستخدمين، قائلاً: «يساعد التنسيق المشترك في دول مجلس التعاون على تذليل العقبات أمام التحول الرقمي، للتحدث بصوت واحد أمام شركات التقنية متعددة الجنسيات، ومحاسبتها في حال أخلت بالمحاذير»، وأشار في نفس الوقت إلى قدرة الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن السيبراني، والمساعدة على تحليل البيانات الكبرى واتخاذ القرار الصحيح في وقت قياسي دون الحاجة إلى كوادر بشرية إضافية، وقلل من شأن المخاوف الحالية حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية، التي تصل إلى نسبة 0.1% من بين 2000 نوع من الهجمات.
***
الذكاء الاصطناعي والتعليم
من أهم القضايا التي ناقشها المنتدى فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي علاقته بالتعليم وكيف يمكن الاستفادة منه.
الدكتور تشا إنهيوك قائد فريق Digital Twin TF في اللجنة الرئاسية المعنية بالمنصة الرقمية لجمهورية كوريا قال: «الذكاء الاصطناعي يتيح للكثيرين الوصول إلى المعلومات بكلفة منخفضة وبسرعة عالية، ولكن هذه التقنية لا تغني عن دور المربين في التعليم، فهي مجرد أداة تساعد الطلاب والمعلمين على تحسين مستوى التعلم والإبداع؛ وهي لا تمتلك الصفات الإنسانية التي تميز المعلم، مثل فهم الغرض والتسامح والتعاطف، كما أن هذه التقنية قد تحمل بعض المخاطر إذا لم يتم استخدامها بشكل مسؤول وأخلاقي».
جيفري ألفونسو الرئيس التنفيذي لمنصة «ألف» للتعليم قال: «لا شك أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة لتطوير أداء المدرسين في التعليم، إلا أنه لا يستطيع أن يقوم بالأدوار التربوية والإرشادية والتفاعلية التي يقوم بها المعلم، كالتحفيز والشرح والحوار والإشراف، كما أنه غير قادر على ضبط نفسه بحسب ظروف وحالات كل طالب، كالقدرات والاهتمامات والخبرات».
جويدو بيرتوتشي المدير التنفيذي لـGovernance Solutions International: قال: «بالنسبة إلى العملية التعليمية، يبقى المعلم سيد الفصل الدراسي، ولا يمكن استبداله بأي برنامج أو آلة، كما أن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي تعتمد على مصدر المعلومات التي يصل إليها، لذلك من المهم أن نوسع المصادر التي نزود بها تلك الأدوات للوصول إلى معلومات شفافة ودقيقة أكثر. كما ينبغي استمرار مراجعة جودة وفاعلية المحتوى التعليمي، والعمل على زيادة وعي المعلمين والطلاب بالفوائد والمخاطر المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي، والاهتمام بتدريبهم على كيفية التعامل معه بشكل مسؤول ونقدي».
***
في حب اللغة العربية
من أهم الفعاليات التي شهدها المنتدى منصة «ملتقى اللغة العربية» الذي استضاف عددًا من الأكاديميين والشباب.
«مجلس شباب اللغة العربية» التابع لمركز الشباب العربي نظم فعالية بعنوان: «جلسة ضاد تنطق على طريقة الشباب»، عرض ثمانية شباب تجاربهم مع اللغة العربية، واستهل الحديث محمد الحساني مؤلف كتاب «لمحات إلى الدلالات اللغوية لأسماء المواضع الشرقية من الإمارات»، بالإشارة إلى أنه من الخطأ اختزال اللغة العربية في النحو والصرف والقواعد، وأن المدخل الأنسب لتحبيب لغة الضاد وغرسها في وعي الأطفال والشباب يمكن أن يأتي من صناعة المحتوى الهادف والممتع.
وتناولت سارة عابدي دور الاهتمام بالخط العربي وجمالياته كمحفز لتوصيل اللغة العربية عبر الفن، فيما عرضت فاطمة العامري تجربتها التي تبلورت من خلال منصة «عالم فطيم» التي أسستها بهدف تيسير اللغة العربية ودمجها بورش عمل للتدريب على الأشغال اليدوية والفنون.
وتحدث عمار سوسو عن اللغة العربية وما يحمله الذكاء الاصطناعي من فرص لخدمتها، وقدم شرحًا حول بعض تطبيقات الذكاء الصناعي التي تعتمد على اللغة العربية مثل تطبيق المشكِّل الآلي، ومشاريع أخرى تعمل عليها مؤسسات أكاديمية وبحثية إماراتية.
وخلال مشاركته قال صانع المحتوى وصاحب برنامج «بالفصحى» عامر محمد: «نستطيع أن نجعل اللغة العربية جاذبة للجمهور من خلال توظيفها في وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم محتوى عربي يهم الجمهور، لكسر الصورة النمطية التي تتكون عن اللغة وتفترض صعوبتها أثناء الدراسة وتعليم القواعد بأسلوب غير سلس».
من جهتها نقلت ميسم عزام تجربتها حول صناعة المحتوى الترفيهي العربي، وأشارت إلى التأثير الإيجابي لمحتوى مسلسلات الكرتون في غرس حب اللغة العربية واجتذاب جمهور الأطفال واليافعين لاستهلاك المحتوى الناطق بالعربية.
وغير بعيد عن عالم الترفيه تحدثت سارة أحمد عن القصة العربية المصورة، وأهمية الاعتناء بجودة اللغة في قصص المانغا التي يفضلها الصغار واليافعون وتسهم في تشكيل ثقافتهم وحبهم للغة. بينما أكد أحمد رشدان خلال مشاركته قيمة وأثر المسابقات وإحياء المنافسة بين الفئات العمرية الصغيرة من خلال تجربة «تحدي القراءة العربي» وأثرها في زيادة وعي الأطفال والشباب بجماليات اللغة العربية والغنى الثقافي والمعرفي الذي يميزها.
***
التوصيات
في ختام اعمال المنتدى، ألقى طارق علاي مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة كلمة قال فيها: «إن أهم ما شهدناه في فعاليات المنتدى، إلى جانب الحوارات الثرية والتجارب الملهمة، هو أن العالم متحد في مواجهة التحديات، ومتعاون في تحقيق الطموحات، وأن العقبات التي كان ينظر إليها بأنها تشكل عائقاً أمام المجتمعات ليست سوى حافز للمزيد من الابتكارات التي تقدم حلولاً مبدعة للمشكلات الراهنة التي تعاني منها مجتمعات العالم. لقد أثبت المنتدى أن الثروة الحقيقية للأمم هي ثروة التفكير والإرادة، فجميع الثروات المادية على هذا الكوكب لا يمكن أن تتحول إلى مشاريع حضارة وتقدم، إلا إذا كانت تدار بثقافة مؤمنة بإمكانية التطور، ومدركة أن تغيير الواقع يبدأ بتغيير الذات والمفاهيم السائدة ووضع تصورات طموحة وواعية نحو المستقبل».
وأصدر المنتدى في ختام اعماله عددا من التوصيات المهمة في مقدمتها:
* تعزيز الدراسات والبحوث لاستشراف الموارد واستثمارها الأمثل من أجل وضع الخطط التنموية من قبل إدارات الاتصال الحكومي، فضلاً عن وضع الخطط بالشراكة مع الجهات ذات العلاقة لتنمية الثروات غير المادية وتحديد اتجاهها المستقبلي.
* التعاون في تعزيز برامج الاتصال الحكومي الداعمة لمشاريع الأمن الغذائي وللجهود الاتصالية التي تطرح آليات توظيف الطاقة النظيفة لتكون خيار المستقبل وتعمم فكر المدن المستدامة، ضمن شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص من أجل تفعيل مساعي الاستدامة وترشيد الاستهلاك والاستخدام الحكيم للممتلكات.
* الاهتمام بالموارد البشرية والقوى العاملة وذلك من خلال وضع معايير ومؤشرات لرصد الصحة النفسية في بيئة العمل، والحرص على توفير الدعم النفسي اللازم للموظفين.
* تشجيع البحث العلمي ذي الغايات التنموية التي تصب في خدمة دعم برامج الأمن الغذائي من خلال إطلاق جائزة لأفضل مشروع بحثي لإصلاح وزراعة الصحراء وتوظيف التقنيات الحديثة من أجل زيادة كمية وجودة الإنتاج، بالإضافة إلى إطلاق البرنامج الوطني للمستكشفين الجدد، الذي يستهدف احتضان ودعم المشاريع الشبابية القائمة على استثمار موارد غير معتادة في مشاريع إنتاجية جديدة.
* استحداث منهج أكاديمي يبدأ من الصفوف الأساسية تحت مسمى «أخلاقيات التعامل مع الموارد»، واستحداث منهج أكاديمي جامعي تحت مسمى «الإدارة التنموية للموارد والثروات» يركز على نظريات وآليات الإدارة المستدامة للموارد واستثمار الثروات، وتنظيم الثروات غير المادية وتحفيز التفكير النقدي والاستشرافي حول ثروات المستقبل.
* ضرورة تفعيل محتوى إعلامي واتصالي داعم لبرامج واستراتيجيات إدارة الموارد ويقدم مفاهيم جديدة للثروات وبنائها واستثمارها ويركز أيضاً على أهمية الثروة البشرية، لذلك أوصى المتحدثون في المنتدى بضرورة إطلاق برامج متخصصة تستهدف إدارات الاتصال الحكومي في مجال توظيف الذكاء الاصطناعي في الاتصال والإعلام، وإنتاج مضامين تتناسب مع إعلام الميتافيرس وإعلام الذكاء الاصطناعي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك