جاء خطاب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى يوم الأحد الثامن من شهر أكتوبر 2023 في افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي السادس لمجلسي الشورى والنواب مؤكدا الثوابت الوطنية التي لا حياد عنها والتي في مقدمتها استمرار مسيرة البناء والإصلاح والارتقاء وتحقيق المزيد من الرخاء والتحسين والتطوير والازدهار، والارتباط المباشر بالمواطن، فهو الهدف والغاية الأسمى لكل سياسة يتم اعتمادها وهي الوسيلة الأهم لتحقيق ذلك الهدف، وأنه غاية الإصلاح الذي تنتهجه المملكة، والذي لم يكن نتاج وصاية من أحد أو استجابة لقرارات خارجية كما هو حاصل في كثير من تجارب الإصلاح في البلدان النامية، وإنما نتاج إرادة وطنية خالصة ووفقا للمصالح العليا للبلاد، وفي ذلك قال جلالته: «واستطعنا، وفق ما أقرته مصالح البحرين العليا، أن نرفع راية الإصلاح والتحديث عاليًا، دون وصاية من أحد، لنلبي طموحاتنا وتطلعاتنا المشتركة، وبحسب ما أجمعت عليه وتوافقت حوله الإرادة الوطنية». وحيث إن مملكتنا الحبيبة منفتحة على العالم، لا بل إنها جزء فعال منه عبر مختلف العصور الحضارية التي مرت بها، فلابد وأن تتفاعل مع كل ما هو نافع لشعبها ومفيد لتطورها الحضاري.
ولأهمية الأمن والاستقرار ولدورهما الفاعل في تعظيم منافع الإصلاح وإرساء متطلبات النهضة فإن جلالة الملك المعظم يؤكد «أن يواصل مجتمعنا البحريني، المعروف بوعيه المدني المتحضر وقراره المستقل، في الحفاظ على مكتسباته، وبالوقوف – صفًا واحدًا – في وجه كل ما يخل بوحدته واستقراره، بالإيمان الصادق، وبقيم التعايش الإنساني».
وتعبيرا عن ثبات الرؤية الثاقبة الحصيفة لجلالة الملك المفدى في التعامل مع مختلف الأحداث والمنعطفات والمعالجة الشاملة الهادئة لمتطلبات النهضة والتقدم، والنظر إلى المستقبل بمنهج إصلاحي متواصل، تزيده الصعوبات وتمنحه التحديات مزيدا من الإصرار والعزم على البذل والعطاء لتحقيق أهداف الشعب وتعزيز تجربته التنموية الوطنية المتميزة، وذلك تعبيرا عن الثقة بالنفس المستندة إلى إيمان عميق بالله جل جلاله وعونه ورعايته لعباده المؤمنين ، وإدراك وحسن تقدير لولاء الشعب والتفافه حول قيادته، لتحقق المملكة أعلى مستويات التطور والارتقاء والنهضة، يؤكد جلالة الملك المعظم عزمه على أن «تبقى بلادنا مرفوعة الرأس عالية القامة، مهما بلغت شدة التحديات، التي تذللها في كل الأوقات عزيمة أهلها وصلابة إرادتهم، وثبات واستقرار مؤسساتها الدستورية، ومن بينها المؤسسة القضائية، المستقلة في قراراتها، والحريصة على أن تتواصل إصلاحاتها وإنجازاتها على الصعيدين القضائي والحقوقي».
كما أكد جلالته ذلك بالقول «إننا لماضون، يدًا بيد، بذات القوة والعزم، وبروح وطنية لا تعرف إلا النصر والرفعة لوطن الجميع، الذي ورثنا أمانته من بناة نهضته الحديثة»، فمسيرة البناء والنماء والإصلاح، ودعم أسس دولة الحق والقانون والديمقراطية، وحقوق الإنسان والازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي تتواصل، أسس وقواعد لعصر جلالته الزاهر التي لا رجعة عنها أبدا، فهي ليست خيارا بين خيارات عديدة، بل إنها قرار القائد والشعب لازدهار البلاد وتقدمها وبناء نموذجها التنموي والديمقراطي المتميز.
وعرفانا بدور قادة ورجالات البحرين الذين أرسوا قواعد نهضة البلاد الحديثة يؤكد جلالة الملك «التزامًا منا بواجب العرفان لهم، سنظل نحتفي بذكراهم تكريمًا لعطائهم، رحمهم الله جميعًا وأحسن مثواهم»، وذلك وفاء ما بعده وفاء، وتعبير عن القيم الأخلاقية السامية التي يتميز بها جلالة الملك المعظم وحرصه على إرسائها لدى الأجيال الصاعدة.
كما أشاد جلالة الملك بمستوى الأداء العالي والمتميز للحكومة بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء بقول جلالته «كما نخص بالذكر المساعي الحكومية المخلصة، بقيادة وتوجيه ولي عهدنا الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، لترجمة التطلعات الوطنية بنهج تشاركي، للحفاظ على ريادة البحرين التنموية، وعلى مكانتها الرفيعة كمنبر للتقارب الفكري والحضاري بين الأديان والثقافات، وكوجهة تمتاز بتراثها وطابعها العمراني العريق لمدنها وضواحيها». وقد وجه جلالته «بوضع خطة عمل تختص بالمحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، وسنعمل، في سياق ذلك، على إحياء قصر عيسى الكبير الذي سنعتمده كأحد المقار الرئيسية لعملنا، ومعه الأحياء المعروفة بمدينة المحرق التي نتطلع إلى عودة أهلها لها، تكريمًا لذلك المجد الوطني المشهود في وطن الطيبة والكرامة»، ولاريب أن ذلك يعبر عن إدراك عميق بأهمية دور قادة وبناة البحرين عبر التاريخ، وضرورة المحافظة على البنية التاريخية والهوية الوطنية المميزة للبلاد.
وعبر جلالة الملك المعظم عن اعتزازه بالسلطة التشريعية ومستوى أدائها وتطورها النابع من صميم الإرادة الشعبية، مؤكدا حرص جلالته وموجها كلمته إلى أعضاء المجلس الوطني، «على أن يبقى هذا النموذج الفخور بخصوصيته، مستقلاً بإرادتكم وغنيًا بإسهاماتكم».
كما أثنى جلالة الملك المعظم على «جهود السلطة التنفيذية وحرصها اللافت للحفاظ على أعلى مستويات التعاون مع السلطة التشريعية، وهو تعاون مثمر وبنّاء يضع نصب العين مصلحة الوطن والمواطنين».
وعلى صعيد السياسة الخارجية لمملكة البحرين أكد جلالة الملك المعظم على ثبات موقف البحرين وارتباطها المصيري بأشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي مؤكدا جلالته تواصل مساعي المملكة في توثيق علاقات التقارب والتكامل وتنسيق المواقف على قاعدة راسخة من الانسجام والتشاور والتعاون الأخوي مع دول المجلس وبقية الدول العربية.
كما أكد جلالة الملك المعظم موقف البحرين الثابت تجاه القضية الفلسطينية بالقول «وستبقى قضية العرب الأولى أولويتنا الكبرى، وموقف مملكة البحرين في دعم وتأييد جهود السلام الشاملة لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، لهو موقف ثابت لا حياد عنه، وصولاً إلى حل الدولتين وفق مبادرة السلام العربية».
وختم جلالة الملك المفدى كلمته بتوجيه الشكر والامتنان لكل جهد وطني مخلص في ساحات العمل وميادين الإنتاج، وخاصا بالتحية والتقدير «قواتنا المسلحة الباسلة بكل أجهزتها وجميع كوادرها، وهي تؤدي الواجب بكل جدارة وشجاعة لحفظ سيادة مملكتنا الغالية وعلو شأنها»، كما أشاد جلالته بالشهداء الأبرار بالقول: «ستبقى التضحيات الجليلة لشهدائنا الأبرار في ميادين الشرف دفاعًا عن الحق ونصرة الأمة، خالدة على الدوام في الضمائر والوجدان».
حفظ الله مملكتنا العزيزة بقيادة باني نهضتها وربان سفينتها الماهر جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، وأعانه على مواصلة مسيرة البناء والنهضة والتقدم.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك