«أنا ممتن لأن أكون هنا في إسرائيل، وقد أتيت كيهودي».. بهذه الكلمات استهل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، زيارته للشرق الأوسط، بعد أيام من انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، التي أعلنتها حركة حماس، وأوقعت خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، أعقبها عملية عسكرية إسرائيلية استهدفت قطاع غزة، بشراً وحجراً وحياة.
تصريح بلينكن أعاد إلى الأذهان تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في عام 2001، عندما قال: «هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب ستأخذ بعض الوقت»، والتي لاقت وقتها انتقاداً من أوروبا والدول العربية والإسلامية، فيما لم يتطرق أي مسؤول علناً للوقوف أمام تصريح بلينكن، وهو ما يؤشر على متغيرات كثيرة عاشها ويعيشها العالم اليوم.
تصريح وزير الخارجية الأمريكية، كما جورج بوش، أعطى مؤشراً واضحاً على أهمية التخندق الغربي، المسيحي اليهودي، ضد كل ما هو مسلم، متجاوزين بذلك جميع القيم الإنسانية التي يتشدق بها الغرب ليل نهار، ويطالبنا نحن دول العالم الثالث بأن نلتزم بها ونضعها ضمن معايير تعاملاتنا، الداخلية والخارجية.
بلينكن يعلنها حرباً دينية، ويفتح المجال على مصراعيه لكل متطرف ومهووس أن يمارس «حربه» ضد الإسلام والمسلمين أينما كانوا، حيث جاءت أولى تلك التفاعلات بقتل الطفل الفلسطيني وديع الفيومي ذي الـ6 سنوات بـ26 طعنة مباشرة وإصابة والدته، في مدينة شيكاغو الأمريكية على يد متطرف أمريكي، وهو ما أكدته تحقيقات الشرطة التي أشارت إلى أن الضحيتين «استُهدفا من جانب المشتبه فيه لأنهما يعتنقان الديانة الإسلامية».
تصريحات وزير الخارجية الأمريكية، وغيره من المسؤولين الغربيين، وما سبقها وتبعها من سقوط إعلامي تفنن في نشر المئات من الأكاذيب حول تداعيات العملية العسكرية لحركة حماس، والادعاءات بقطع رؤوس الأطفال وحرق الجثث والاغتصابات وغيرها من الأكاذيب.. كل ذلك يمثل تصريحاً لكل مهووس ومتطرف ومريض أن يمارس هوسه ضد كل شرق أوسطي أو مسلم، وتحديداً إن كان فلسطينيا.
نؤمن بأن الإعلام الغربي في مجمله لم يكن في يوم من الأيام مؤيداً لقضايانا العادلة والمصيرية، لكنه على أقل تقدير كان يحتجب بورقة التوت ليواري سوءاته، لكنه اليوم يسقط هذه الورقة، وكأنه في اتفاق غير معلن، يتحدث بلغة واحدة ومصطلحات محددة عندما يتناول الحدث الفلسطيني، وحتى عندما يحاول إيهامنا بأن هناك مساحة لفلسطيني أو متعاطف مع القضية الفلسطينية، يستهل حواره بالطلب منه أن يدين عملية السابع من أكتوبر، في تعامٍ واضح لتاريخ طويل من المعاناة والشتات والدمار والقتل والتشريد التي عاشها الشعب الفلسطيني طيلة عقود من الزمن.
السقوط المدوي للإعلام الغربي، الأمريكي والأوروبي، يمثل امتداداً لحالة السقوط السياسي والأخلاقي في تلك الدول، حيث لم تقف على أقل تقدير على مسافة واحدة بين المعتدي والضحية، بل إن بعض الدول أصدرت قوانين وتشريعات وتهديدات مباشرة بالترحيل لكل من يتعاطف مع ضحايا الحرب في غزة، ولم تراع بذلك حتى الشخصيات المشهورة من رياضيين وفنانين ونشطاء.
الرسائل الكاذبة والأخبار المضللة التي غصت بها وسائل الإعلام الغربية، والتي كان من الواضح أنها موجهة، تعمل على تهيئة الأرضية لمواصلة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والعمل على جر المنطقة إلى حرب شاملة ومفتوحة لا يمكن تصور تداعياتها ونتائجها الكارثية.
الأكاذيب والادعاءات الرسمية والإعلامية الغربية، التي تم التراجع عنها لاحقاً سواء من البيت الأبيض أو من صحيفة لوس أنجلوس تايمز وغيرها، لم تغير شيئاً كثيراً في المشهد، حيث وضعت البذرة الأولى لتشكيل رأي عام عالمي سيرى في حرب الإبادة في غزة حرباً عادلة ضد من يطلق عليهم «الدواعش»، يروج لها أنها حرب صليبية – يهودية ضد جماعات إرهابية متطرفة، غاضاً البصر عن تاريخ طويل من المذابح والتشريد والمعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني.
لم يُقتل وديع على يد المتطرف الإرهابي، جوزيف تشوبا، من قتل وديع هي رسائل السياسيين الغربيين والإعلام المتحيز.. وبالتأكيد صمتنا المخجل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك