العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«نهر الدم».. ما أشبه اليوم بالبارحة

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الجمعة ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬الأولى‭ ‬لانتصار‭ ‬أكتوبر،‭ ‬أقيم‭ ‬مهرجان‭ ‬كبير‭ ‬ومسابقات‭ ‬أدبية‭ ‬عديدة‭ ‬بين‭ ‬مدارس‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬مدينتي،‭ ‬وكنت‭ ‬حينها‭ ‬طالبا‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬المتوسط‭ (‬الإعدادي‭)‬،‭ ‬فشاركت‭ ‬بقصة‭ ‬قصيرة‭ ‬حازت‭ ‬المركز‭ ‬الثالث‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المحافظة،‭ ‬وهي‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬نهر‭ ‬الدم‮»‬،‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬فتى‭ ‬فلسطيني‭ ‬يسكن‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المخيمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قتل‭ ‬الصهاينة‭ ‬والده‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭ ‬وهجروا‭ ‬أسرته‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬إلى‭ ‬الأردن،‭ ‬فظل‭ ‬مشهد‭ ‬قتل‭ ‬والده‭ ‬يؤجج‭ ‬حماسه‭ ‬واستعداده‭ ‬للثأر،‭ ‬فانتمى‭ ‬لأحدى‭ ‬منظمات‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتدرب‭ ‬على‭ ‬السلاح،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬كلف‭ ‬فيه‭ ‬بعبور‭ ‬نهر‭ ‬الأردن،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬فدائية،‭ ‬وفعلا‭ ‬تمكن‭ ‬في‭ ‬جنح‭ ‬الظلام‭ ‬من‭ ‬عبور‭ ‬نهر‭ ‬الأردن‭ ‬باتجاه‭ ‬فلسطين‭ ‬السليبة‭ ‬ونفذ‭ ‬ما‭ ‬مطلوب‭ ‬منه،‭ ‬وعاد‭ ‬ليعبر‭ ‬النهر‭ ‬سباحة‭  ‬باتجاه‭ ‬الأردن،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجنود‭ ‬الصهاينة‭ ‬تمكنوا‭ ‬منه،‭ ‬فأردوه‭ ‬قتيلا‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬النهر،‭ ‬ليصطبغ‭ ‬النهر‭ ‬بالدم،‭ ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬ثمنا‭ ‬لابد‭ ‬منه‭ ‬للحرية‭. ‬

واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬المناسبة‭ ‬يتكرر‭ ‬المشهد‭ ‬نفسه‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬مشهد‭ ‬نهر‭ ‬الدم‭ ‬مشهدا‭ ‬قصصيا،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬مشهدا‭ ‬واقعيا،‭ ‬فقد‭ ‬أربك‭ ‬المقاتلون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬حسابات‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأثبتوا‭ ‬فشل‭ ‬خططه‭ ‬ودفاعاته،‭ ‬ونظمه‭ ‬الاستخبارية،‭ ‬وقبته‭ ‬الحديدية،‭ ‬وسيناريوهاته‭ ‬المستقبلية،‭ ‬فكان‭ ‬رده‭ ‬الإجرامي‭ ‬الأهوج‭ ‬وابل‭ ‬متواصل‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬والمقذوفات‭ ‬المحرمة‭ ‬دوليا‭ ‬لقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ،‭ ‬وتدمير‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والعمارات‭ ‬السكنية،‭ ‬ومختلف‭ ‬مكونات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬ومنع‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬والغذاء‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المحاصر‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬

ومثلما‭ ‬كشف‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬عن‭ ‬أنيابه‭ ‬وحقيقته‭ ‬العنصرية‭ ‬الإجرامية‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬حيث‭ ‬تعدى‭ ‬رد‭ ‬فعله‭ ‬معاقبة‭ ‬حماس‭ ‬كما‭ ‬يدعي‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتهجيره‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬استمرار‭ ‬انحيازها‭ ‬ووقوفها‭ ‬العسكري‭ ‬التام‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المحتل‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ضاربة‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬بعلاقاتها‭ ‬العربية‭ ‬ووعودها‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬والمتابعين‭ ‬العرب‭ ‬يتحدثون‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية‭ ‬عن‭ ‬انفتاح‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وعن‭ ‬سعي‭ ‬أمريكا‭ ‬لإذابة‭ ‬الجليد‭ ‬الذي‭ ‬طوى‭ ‬علاقاتها‭ ‬العربية‭  ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬الأحداث‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬بموقف‭ ‬أمريكي‭ ‬محايد‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬فإرسال‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وتزويد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأحدث‭ ‬الأسلحة‭ ‬وأكثرها‭ ‬فتكا،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬لقبول‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬سيناء،‭ ‬وزيارات‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬بلينكن‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية،‭ ‬وزيارة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬وإعلان‭ ‬تضامنه‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كلها‭ ‬تدلل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الوثوق‭ ‬بها،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬راعية‭ ‬لسلام‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لقبول‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭.‬

كما‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إمكاناتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬المحدودة‭ ‬بالمقارنة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬ثوابتها‭ ‬القومية‭ ‬وتخضع‭ ‬للمنطق‭ ‬الأمريكي‭ ‬الصهيوني‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬مختلا‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬صالحها،‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬البحرين‭ ‬المعظم‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬دور‭ ‬الانعقاد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الفصل‭ ‬التشريعي‭ ‬السادس‭ ‬لمجلسي‭ ‬الشورى‭ ‬والنواب‭ ‬وتأكيده‭ ‬موقف‭ ‬البحرين‭ ‬الثابت‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالقول‭ ‬‮«‬وستبقى‭ ‬قضية‭ ‬العرب‭ ‬الأولى‭ ‬أولويتنا‭ ‬الكبرى،‭ ‬وموقف‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬وتأييد‭ ‬جهود‭ ‬السلام‭ ‬الشاملة‭ ‬لإيجاد‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لهو‭ ‬موقف‭ ‬ثابت‭ ‬لا‭ ‬حياد‭ ‬عنه،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وفق‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬مثالا‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬جهود‭ ‬جلالته‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬لجمهورية‭ ‬إيطاليا‭  ‬وتأكيد‭ ‬جلالته‭ ‬‭ ‬النهج‭ ‬الثابت‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬وترسيخ‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬يتحقق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعطاء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة‭ ‬وإيجاد‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وفق‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬العربية،‭ ‬وبما‭ ‬يضمن‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة،‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‮»‬‭.‬

فضلا‭ ‬عن‭ ‬توجيهات‭ ‬جلالته‭ ‬لحكومة‭ ‬المملكة‭ ‬بتقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬عاجلة‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإغاثة‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين،‭ ‬وإطلاق‭ ‬حملة‭ ‬‮«‬أغيثوا‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬البحرينية‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬والإقليمي‭ ‬والعالمي‭ ‬لإغاثة‭ ‬ودعم‭ ‬وحماية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا