العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحرب على غزة وسقوط محاولات «الحل السياسي»

بقلم: د. ناصيف حتّي {

الجمعة ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئا‭ ‬حصول‭ ‬انتفاضة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مسلحة‭ (‬الانتفاضة‭ ‬الثالثة‭)‬،‭ ‬وكنا‭ ‬قد‭ ‬حذرنا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬كما‭ ‬حذر‭ ‬غيرنا،‭ ‬وكررنا‭ ‬ذلك‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬عديدة‭ ‬أن‭ ‬الانفجار‭ ‬آتٍ‭ ‬وأن‭ ‬الكيل‭ ‬قد‭ ‬طفح‭. ‬وتكفى‭ ‬شرارة‭ ‬بسيطة‭ ‬لتُحدث‭ ‬الانفجار‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭. ‬وللتذكير‭ ‬فقد‭ ‬أكمل‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬باتفاق‭ ‬إعلان‭ ‬المبادئ‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عقده‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ (‬تشمل‭ ‬بالطبع‭ ‬مفاوضات‭) ‬وتستمر‭ ‬فترة‭ ‬سنوات‭ ‬خمس‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالتسوية‭ ‬الدائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬قراري‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬242‭ ‬و338‭. ‬وكما‭ ‬ذكر‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬محمد‭ ‬أشتية،‭ ‬أمام‭ ‬اجتماع‭ ‬المانحين‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬اجتماع‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإن‭ ‬اتفاق‭ ‬السلام‭ ‬تبخر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬والمالية‭. ‬

وقد‭ ‬اعتبر‭ ‬كثير‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬موت‭ ‬سريري‭ ‬رغم‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬عبر‭ ‬اجتماعات‭ ‬ثنائية‭ ‬ودولية‭ ‬هدفت‭ ‬لإنعاشه،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تمارس‭ ‬ما‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬على‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬لتحرر‭ ‬خريطة‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الاتفاق‭ ‬وتعيد‭ ‬تفعيلها‭.‬

دلت‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬غداة‭ ‬أوسلو‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬لم‭ ‬يتخطَ‭ ‬منح‭ ‬بعض‭ ‬الصلاحيات‭ ‬البلدية‭ ‬للسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وبعض‭ ‬المسؤوليات‭ ‬الأمنية‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬تدريجيا‭ ‬أمام‭ ‬مسار‭ ‬التطبيع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬هدفا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬لاندماج‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭. ‬سقط‭ ‬‮«‬الملف‭ ‬الفلسطيني‮»‬‭ ‬عن‭ ‬جدول‭ ‬الأولويات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬قضايا‭ ‬ضاغطة‭ ‬ومشتعلة‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬ومع‭ ‬حالات‭ ‬الضعف‭ ‬والتفكك‭ ‬والانقسامات‭ ‬التي‭ ‬نخرت‭ ‬الجسم‭ ‬السياسي‭ ‬والمؤسسي‭ ‬الفلسطيني‭.‬

حكومة‭ ‬اليمين‭ ‬الصهيوني‭ ‬الديني‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬لتطرح‭ ‬تحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬الصهيوني‭ ‬بإقامة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬الأردن‭ ‬إلى‭ ‬المتوسط‭ ‬عبر‭ ‬سياسة‭ ‬صدامية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬تهويد‭ ‬الديمغرافيا‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صمت‭ ‬عربي‭ ‬ودولي‭ ‬لا‭ ‬يتخطى‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬حالاته‭ ‬الإدانة‭ ‬والتحذير‭ ‬والمناشدة،‭ ‬أسهم‭ ‬أيضا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬حصول‭ ‬صاعق‭ ‬التفجير‭ ‬وهو‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬وعلى‭ ‬الأماكن‭ ‬والرموز‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمسيحية‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬هيأ‭ ‬الأرضية‭ ‬لإطلاق‭ ‬انتفاضة‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬وانضمت‭ ‬إليها‭ ‬حركة‭ ‬الجهاد‭ ‬الإسلامي‭. ‬وتشهد‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حربا‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬شرق‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬وتحولا‭ ‬نوعيا‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬إذ‭ ‬طال‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وتذكرنا‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬انفجرت‭ ‬والتي‭ ‬سمتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعملية‭ ‬السيوف‭ ‬الحديدية،‭ ‬بما‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬سمته‭ ‬ضد‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬2006‭ ‬والتي‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ (‬نوفمبر‭) ‬بعملية‭ ‬أمطار‭ ‬الصيف‭.‬

الوساطات‭ ‬والمبادرات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬انطلقت‭ ‬بهدف‭ ‬خفض‭ ‬التوتر‭ ‬والتهدئة،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يوفر‭ ‬الاستقرار‭ ‬المنشود‭ ‬والحقيقي‭ ‬وبالتالي‭ ‬الدائم‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬سكة‭ ‬التسوية،‭ ‬حسب‭ ‬المرجعيات‭ ‬الدولية‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬بطيء‭.‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬الأولويات‭ ‬الدولية‭ ‬ولا‭ ‬الإقليمية‭ ‬ولكن‭ ‬مخاطر‭ ‬استمرار‭ ‬التوتر‭ ‬والقتال‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬ممتدة‭ ‬تشهد‭ ‬تخفيضا‭ ‬وتصعيدا‭ ‬ولو‭ ‬نجحت‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬مؤقتا‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬التصعيد،‭ ‬يحمل‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإقليم‭ ‬وعلى‭ ‬مصالح‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬ولو‭ ‬بدرجات‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭. ‬الرباعي‭ ‬الدولي‭ (‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭) ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فاعلا‭ ‬حاليا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذات‭ ‬فعالية‭ ‬كبرى‭ ‬أساسا،‭ ‬بسبب‭ ‬الخلاف‭ ‬الروسي‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬ما‭ ‬يشل‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬أي‭ ‬دور‭.‬

بقي‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬مختلفة‭ ‬منها‭ ‬أطراف‭ ‬الرباعي‭ ‬قادرة‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورا،‭ ‬ضمن‭ ‬صيغ‭ ‬وهياكل‭ ‬تعاون‭ ‬متعددة،‭ ‬لإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭. ‬بالطبع‭ ‬يبقى‭ ‬العائق‭ ‬الرئيسي‭ ‬أمام‭ ‬وضع‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬سكة‭ ‬التسوية‭ ‬وهي‭ ‬سكة‭ ‬طويلة،‭ ‬مرتبطة‭ ‬بقدرة‭ ‬العامل‭ ‬الدولي‭ ‬وكذلك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الداخلي‭ ‬متى‭ ‬شعر‭ ‬الأخير‭ ‬بالسخونة‭ ‬وانسداد‭ ‬الأفق‭ ‬أمام‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬وبمخاطر‭ ‬انفجار‭ ‬الوضع‭ ‬والذهاب‭ ‬نحو‭ ‬المجهول‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬التغيير‭ ‬المطلوب‭ ‬داخليا‭: ‬تغيير‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬الأخير‭ ‬مستبعد‭. ‬

ذلك‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل‭ ‬أو‭ ‬السريع‭ ‬التحقيق‭ ‬ولكنه‭ ‬بالممكن‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬كشرط‭ ‬ضروري‭ ‬وأيضا‭ ‬غير‭ ‬كافٍ‭ ‬لتلافي‭ ‬انفجار‭ ‬كبير‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬ارتداداته‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬بدرجات‭ ‬ومستويات‭ ‬مختلفة‭. ‬تلافي‭ ‬الانفجار‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تأجيله‭ ‬وشراء‭ ‬الوقت‭ ‬عبر‭ ‬مراهم‭ ‬التهدئة‭ ‬والاحتواء‭ ‬والوعود‭ ‬تستدعي‭ ‬ولوج‭ ‬باب‭ ‬التسوية‭ ‬الشاملة‭ ‬والعادلة‭ ‬وبالتالي‭ ‬الدائمة‭ ‬للصراع‭ ‬ذات‭ ‬الأوجه‭ ‬والأبعاد‭ ‬والتداعيات‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬أطرافه‭ ‬وفى‭ ‬الإقليم،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أننا‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬التسوية‭ ‬البعيدة‭ ‬تبقى‭ ‬المدخل‭ ‬الواقعي‭ ‬الوحيد‭ ‬لنزع‭ ‬فتيل‭ ‬الانفجار‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬بناء‭ ‬الاستقرار‭.‬

كلمة‭ ‬أخيرة‭: ‬ماذا‭ ‬حول‭ ‬لبنان؟،‭ ‬هل‭ ‬يحصل‭ ‬تصعيد‭ ‬مقيد‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬نشهد‭ ‬إرهاصاته‭ ‬حاليا،‭ ‬تصعيد‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬تبادل‭ ‬رسائل‭ ‬تحذير‭ ‬وردع‭ ‬استباقي‭. ‬فلا‭ ‬مصلحة‭ ‬لأحد‭ ‬بانفجار‭ ‬الوضع‭ ‬والذهاب‭ ‬نحو‭ ‬المجهول‭. ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬الحذر‭ ‬قائما،‭ ‬فأي‭ ‬تصعيد‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬لعبة‭ ‬تبادل‭ ‬الرسائل‮»‬‭ ‬قد‭ ‬يودي‭ ‬إلى‭ ‬الانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬الحرب‭ ‬المفتوحة‭.‬

{ وزير‭ ‬خارجية‭ ‬لبنان‭ ‬الأسبق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا